آخر مرة رأت عائلة الشاب الباكستاني عبدالرشيد ابنها على قيد الحياة كانت في مايو (أيار)، عندما ذهب للقتال في أفغانستان في صفوف حركة "طالبان". الأسبوع الماضي، عاد الشاب إلى منزله في نعش.
بسبب معتقداتهم الدينية، أو رغبتهم في السير على خطى أصدقائهم، ينضم مئات الشباب الباكستانيين البشتون على غرار متمردي "طالبان"، في السنوات الأخيرة إلى صفوف الحركة في أفغانستان.
وبدأت "طالبان" هجوماً شاملاً على القوات الأفغانية في أوائل مايو (أيار)، مستغلةً بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية أغسطس (آب).
"التهنئة"
وقال المفتي معروف خان، عم الشاب عبدالرشيد، لوكالة الصحافة الفرنسية في اتصال هاتفي من منزله القريب من بيشاور على بعد نحو 60 كيلومتراً من الحدود الأفغانية، إن "رشيد ضحى بحياته من أجل قضية كبيرة".
وعند إعلان مقتل الشاب البالغ من العمر 22 عاماً، استقبلت العائلة حشداً من الناس قدموا لإحياء ذكراه وتهنئة أقربائه.
وأوضح معروف خان، "ذهب (رشيد) إلى هناك بروح الجهاد. الآن أصدقاؤه الشباب يريدون" الذهاب مثله.
دعم "طالبان"
ومطلع يوليو (تموز)، أقر وزير الداخلية الباكستاني أن عائلات قادة كبار في "طالبان" تعيش على الأراضي الباكستانية، بما في ذلك قرب العاصمة إسلام آباد، وأن عناصر في الحركة يتلقون في كثير من الأحيان العلاج، حتى إنهم يدفنون في باكستان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهمت إسلام آباد مراراً بدعم هؤلاء المتشددين وتأمين ملاذ لهم. ويتمركز جزء كبير من قادتهم على الأراضي الباكستانية وخصوصاً في كويتا غرب البلاد، منذ سقوط نظام "طالبان" في أفغانستان عام 2001. وقد تمكنوا من تجنيد عناصر وتنظيم مقاومتهم انطلاقاً من باكستان.
وهذه مسألة بالغة الحساسية لإسلام آباد التي اضطرت في الوقت نفسه لمواجهة أعمال إرهابية ارتكبها متمردو "طالبان" الباكستانيون على أراضيها.
وحضت الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة مراراً إسلام آباد على الضغط على "طالبان" من أجل إرغامها على القبول باتفاق سلام.
لا حاجة لعناصر إضافيين
ونشأت حركة "طالبان" مطلع التسعينيات في قندهار جنوب البلاد، أثناء الحرب الأهلية التي تلت انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان. وجندت عناصرها بشكل أساسي من بين عشرات آلاف الأفغان اللاجئين في باكستان. كما أنها استقطبت إلى صفوفها باكستانيين.
وأوضح المحلل الأمني طاهر خان أن السلطات الباكستانية حاولت أخيراً منع مواطنيها من الذهاب للقتال في أفغانستان، لكن بما أنه من السهل اختراق الحدود، تمكن البعض على الرغم من كل شيء من اجتيازها.
وأكد خان أن"عدد عناصر طالبان المتحدرين من باكستان اليوم أقل بكثير من (عددهم) في الماضي"، مضيفاً أن عدد عناصر الحركة "الآن كبير جداً إلى درجة أنهم ليسوا بحاجة إلى عناصر من باكستان".
تغذية التطرف
كثير من بين الباكستانيين، ومن بينهم عبدالرشيد، حائزون شهادة من مدرسة "دار العلوم الحقانية" القرآنية في باكستان المعروفة باسم "جامعة الجهاد"، لأن عدداً كبيراً من طلابها القدامى أصبحوا قادة كباراً في حركة "طالبان".
ومنذ عقود، تتهم المدارس القرآنية في باكستان بتغذية التطرف الديني، عبر تلقين العقائد لعشرات الطلاب الشباب. ولم تجرؤ الحكومات الباكستانية المتعاقبة على مكافحة هذه المشكلة.
ولا تعرف عائلة عبدالرشيد تاريخ ومكان وفاته، لكن قد يكون توفي في ولاية ننغرهار الشرقية.
وأكد مسؤولان في الشرطة المحلية لوكالة الصحافة الفرنسية وصول أربع جثث على الأقل في الأسبوعين الأخيرين لباكستانيين ذهبوا للقتال في أفغانستان.
الاحتفال بالموت
وترافقت عودة جثة عبدالرشيد إلى مسقط رأسه بمظاهر فرح. فقد هتف مئات الرجال ورفعوا أعلام "طالبان"، وتهافتوا للمس نعشه، لكن بعد ذلك اعتقل خان لأسبوعين. وقال متحدث باسم الشرطة المحلية إنه دِينَ لنشره الإرهاب وتنظيم تجمع غير قانوني.
وهذا الأسبوع أيضاً، واصل ناصر خان والد الشاب الراحل، استقبال الزوار جالساً على مقعد خشبي تقليدي.
وكرر خان ذو اللحية البيضاء، أمام زواره قوله، إن "رشيد كان طالباً لامعاً"، معرباً عن فخره بما حصل لابنه.