قبل سنوات، نشر موقع صحيفة "نيويورك تايمز" صفحة تفاعلية يستطيع المستخدم أن يُدخِل فيها اسم مدينته وعام ولادته فتقدم له قراءة لدرجات الحرارة هناك في ذلك العام مقارنة بالعام الحالي والعام الذي يتم فيه الثمانين من العمر. وسلطت موجات الحر القائظ التي أصابت مختلف أنحاء المعمورة من كندا إلى الهند مروراً بموسكو وبغداد والكويت، الضوء على أهمية هذه التوقعات.
التغير المناخي
وتورد الصفحة في تقديمها أن درجات العالم ترتفع بسبب التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، في وقت يمكن فيه لأي منا أن يتوقع أن يشهد مزيداً من الأيام التي تبلغ فيها درجات الحرارة 32 درجة مئوية (90 درجة على مقياس فهرنهايت) أو أكثر. وأجرت "اندبندنت عربية" مقارنات لثلاث مدن هي الرياض ودبي وبيروت بين عام 1960 واليوم وعام 2040.
كانت الرياض عام 1960 تتوقع 192 يوماً تبلغ فيه درجات الحرارة 32 درجة مئوية على الأقل. واليوم يبلغ متوسط عدد هذه الأيام 209. ولدى بلوغ مواليد الرياض عام 1960 الثمانين، أي عام 2040، سيصل عدد هذه الأيام الحارة إلى 215، ويُرجَّح أن يتراوح بين 212 و219 يوماً.
وعام 1960، كانت دبي تعاني من 176 يوماً في العام تبلغ فيها درجات الحرارة ما لا يقل عن 32 درجة مئوية، وفي 2018 ارتفع متوسط عدد هذه الأيام الحارة إلى 207، ومن المرجح أن يرتفع بحلول عام 2040 إلى 215 يوماً في المتوسط، على أن يتراوح العدد بين 209 و221.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في بيروت، فقد شهد مواليد عام 1960 33 يوماً في العام تبلغ فيها درجات الحرارة 32 درجة أو أكثر، في حين يبلغ عدد هذه الأيام في 2018 63 في المتوسط، على أن يسجل ما متوسطه 82 يوماً حين يبلغ هؤلاء الثمانين أو ما يتراوح بين 64 و91 يوماً.
وتصح هذه التوقعات، وفق الصفحة التفاعلية التي أعدتها "نيويورك تايمز"، حتى مع اتخاذ بلدان العالم، لا سيما الأكثر تلويثاً، إجراءات لخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وفق تحليل أعده لصالح الصحيفة "مختبر أثر المناخ" واقتصاديون ومحللو بيانات لدى "مجموعة روديوم" وجامعات شيكاغو وروتجرز وكاليفورنيا بيركلي. أما إذا واصلت البلدان نشر انبعاثات عند معدلات تاريخية مرتفعة، فقد يكون المستقبل أكثر حرارة حتى.
وتفترض التوقعات التي تحملها الصفحة أن البلدان ستلجم الانبعاثات بالتوافق تقريباً مع تعهداتها الواردة في اتفاقية باريس الأساسية المبرمة عام 2016، على الرغم من أن معظم البلدان لا يبدو أنها تفعل ذلك، ويمكن للمناطق المدارية الحارة بالفعل أن تتوقع مزيداً من الحرارة في المستقبل. فجاكرتا، عاصمة إندونيسيا، مثلاً، شهدت عام 1960 خمسة أشهر بلغت فيها درجات الحرارة 32 درجة مئوية أو أكثر، لكن درجات الحرارة هذه قد تمتد وتصبح سائدة في معظم العام بحلول نهاية القرن الحالي.
ويمكن لنيودلهي، عاصمة الهند وموطن 22 مليون نسمة، أن تنتقل من أقل بقليل من ستة أشهر حارة عام 1960 إلى ثمانية أشهر حارة بحلول نهاية القرن. وستشعر مدن ذات ظروف مناخية أكثر اعتدالاً قفزات في درجات الحرارة، فمدريد، عاصمة إسبانيا، من المرجح أن تشهد قفزة في عدد الأيام التي تسجل فيها درجات الحرارة 32 درجة مئوية عام 1960 إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا العدد بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين.
ويقول العالم المناخي في "مجموعة روديوم"، كيلي ماككاسكر، إن الزيادات في الحرارة في مختلف المدن والمناطق تعتمد على مدى تأقلمها الحالي مع الحرارة. ففي أميركا الشمالية، مثلاً، سيعاني سكان فينيكس الأميركية أقل من مونتريال الكندية حيث يفتقر 40 في المئة من الأسر إلى مكيفات الهواء. لكن في فينيكس ستزيد الأيام الحارة، فقد عرفت المدينة هذا العام درجات حرارة وصلت إلى 46 درجة مئوية، في حين تبقى درجات حرارة قاسية كهذه نادرة في مونتريال حيث من المستبعد أن تتجاوز 35 درجة مئوية.
زيادة الأمراض والوفيات
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن درجات الحرارة الأعلى ترتبط بمخاطر زيادة الأمراض والوفيات، لا سيما في صفوف الناس الأكبر سناً والأطفال والأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية حادة. ويعاني أصحاب المداخيل المتدنية، الذين يفتقرون أكثر من غيرهم إلى تكييف الهواء وغيره من تكنولوجيات التأقلم مع الطقس الحار، من أثار الحرارة الشديدة، ويصح الأمر نفسه على الملونين في أميركا.
ويتعرض العاملون في الهواء الطلق إلى مضار الحرارة العالية أيضاً، لكن الأمر نفسه يصح على العاملين داخل المصانع، وتحديداً في البلدان النامية حيث يقل التبريد في أماكن العمل. وستعاني المناطق الأكثر رطوبة أكثر من تلك الجافة من القفزات المرتقبة في درجات الحرارة. ويقول الدكتور ماككاسكر، "إن مقدار الرطوبة عامل مهم جداً في معاناة البشر مع الحرارة. فحين تزيد الرطوبة، لا يستطيعون تبخير التعرق بسهولة ولا يتمكنون من تبريد أجسامهم بفاعلية".
الحرارة والرطوبة
وتلفت الصفحة التفاعلية إلى أن البيانات التي استندت إليها تأخذ في الاعتبار درجات الحرارة فقط وليس الرطوبة، مشيرة إلى أن الرطوبة تجعل درجات الحرارة الأقل شدة أكثر خطورة. وتؤثر الحرارة الأكثر شدة أيضاً في إنتاج المواد الغذائية، فهي تقلل من كمية المحاصيل ومنتجات الألبان، وهي تزيد الطلب على الكهرباء، وترفع مخاطر اشتعال الحرائق وانتشار الجفاف في مناطق كثيرة حول العالم.
ووفق رئيسة "مجموعة أثر المناخ" في معهد "غودارد" لدراسات الفضاء التابع وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، سينثيا روزنزفيغ، "تؤدي الأيام الأكثر حرارة حول العالم إلى آثار مباشرة وخطرة على الناس وعلى الأنظمة التي نعتمد عليها. فالمواد الغذائية والمياه والطاقة والنقل والمنظومات الإيكولوجية ستتأثر في كل من المدن والريف. وستضرب الآثار الصحية للحرارة العالية الناس الأكثر ضعفاً".