عادة ما يراقب المستثمرون في الأسواق الناشئة الاحتياطي الفيدرالي عن كثب، وفي الوقت الحالي، تصيبهم المراقبة بالتوتر في ضوء الإشارات المختلطة التي يطلقها. وأصرّ جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، على أن "المركزي الأميركي" يعتبر الارتفاع الأخير في تضخم أسعار المستهلكين مؤقتاً ولن يخاطر بخنق الانتعاش الاقتصادي من خلال تشديد السياسة النقدية في وقت قريب جداً، في حين اقترح المسؤولون المتشددون في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة للبنك أن يقلل بنك الاحتياطي الفيدرالي من دعمه للاقتصاد من خلال شراء الأصول في أقرب وقت في سبتمبر (أيلول) ورفع أسعار الفائدة في وقت مبكر من العام المقبل، بالنسبة لمستثمري الأسواق الناشئة، ويعد هذا عامل تغيير في قواعد اللعبة.
وقال فينيكس كالين، استراتيجي الأسواق الناشئة في بنك "سوسيتيه جنرال" في لندن لـ"فاينانشيال تايمز"، "لقد سرع بنك الاحتياطي الفيدرالي الحديث كثيراً، من مجرد التفكير في التضخم، إلى رفع أسعار الفائدة، وهذا يخلق بضعة أشهر صعبة للغاية، بينما تقوم السوق بإعادة المعايرة، قبل أن تتحقق هذه الزيادة الأولى، سيتحرك الدولار أعلى بكثير".
ويتسبب ارتفاع الدولار الأميركي في حدوث مشكلات لمديري الصناديق الذين يستثمرون في الأسهم أو السندات بالعملة المحلية في البلدان النامية، فهو ينخر في القيمة الدولارية لتلك الرهانات.
وخلال تفشي جائحة كورونا، شهدنا ضعف الدولار مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسين للولايات المتحدة، ولكن منذ ظهور الانتعاش في أواخر العام الماضي، تغيرت الصورة، وبعد التقلبات الحادة بين يناير (كانون الثاني)، ومايو (أيار)، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي (دي أكس واي) القياسي بأكثر من 3 في المئة حتى الآن هذا العام، في غضون ذلك، توقفت أسهم الأسواق الناشئة، كانت قد بدأت عام 2021 بشكل جيد، ولكن مؤشر "أم أس سي آي" للأسواق الناشئة أقل حالياً بأكثر من 7 في المئة من ذروته في منتصف فبراير (شباط).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكمن القلق في رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، فلن يؤدي ذلك إلى تقوية الدولار فحسب، بل إنه سيعزز جاذبية الأصول "الآمنة" مثل سندات الحكومة الأميركية، ما يجعل المستثمرين أقل رغبة بالبحث عن الأصول ذات العوائد الأعلى والأكثر خطورة في أماكن أخرى، وهذا يعني أنه حتى أصول الأسواق الناشئة المقومة بالدولار أو العملات الأجنبية الأخرى، مثل السندات السيادية وشركات السندات الأوروبية، ستعاني هي الأخرى.
الانتعاش الصيني يفقد قوته
ولزيادة توتر المستثمرين، بدأ الانتعاش الاقتصادي الصيني يفقد قوته، باعتبار الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، كما أنها بقيت لأعوام عدة محركة مهمة للاقتصادات النامية بسبب طلبها الشره على السلع والصادرات الأخرى، كما أن للصين تأثيراً كبيراً في أداء أصول الأسواق الناشئة. وقال كالين، "هذا بالتأكيد يولّد الكثير من المخاوف في شأن مدى سرعة تعافي النمو العالمي في سياق تتباطأ فيه الصين".
ويمكن رؤية أحد مؤشرات الآفاق العالمية في أسواق السلع الأساسية، إذ كانت الأسعار متباينة خلال العام الماضي، لكن النفط تراجع أخيراً فوق مستويات ما قبل الوباء ووصل النحاس إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، لكن كل هذه السلع في تراجع في الوقت الراهن.
أسعار النفط قد بلغت ذروتها
ويعتقد سايمون كويجانو إيفنز، الاقتصادي في "جيمكورب كابيتال"، والمتخصص في الأسواق الناشئة منذ فترة طويلة، أن أسعار النفط بلغت ذروتها بالفعل، وأن أسعار المواد الغذائية ستتبعها في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
من وجهة نظره، يعتبر ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتضخم أسعار المستهلكين صدمات مؤقتة من النوع الذي اعتاد عليه مستثمرو الأسواق الناشئة، لكن معظم المستثمرين في الأسواق المتقدمة لم يسبق لهم أن مروا بها من قبل. وقال، "بالنسبة لي، هذه صدمة لمرة واحدة، وكانت أكبر للمشاركين في السوق المتقدمة من المشاركين في الأسواق الناشئة".
ويجادل إيفيز بأن التفاؤل في شأن الاقتصاد الأميركي كان مدفوعاً إلى حد كبير بنشر اللقاحات، الذي تباطأ أخيراً تماماً كما أصبحت متحورة "دلتا" وغيرها مشكلة في الولايات المتحدة، وفي جميع أنحاء العالم، وينعكس هذا في عوائد سندات الخزانة الأميركية، التي ارتفعت خلال الربع الأول من هذا العام، بحيث باع المستثمرون أصول الملاذ الآمن، لكنهم تراجعوا منذ ذلك الحين.
ويضيف إيفيز أن الاحتياطي الفيدرالي ما زال يشتري السندات بشكل كبير، وعلى الرغم من عدم وجود تغيير في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، سيكون هناك ضغط هبوطي على العوائد، ويقول إنه يتعين على المستثمرين في النصف الثاني من هذا العام، توخي الحذر في شأن الاستثمار في الأصول بالعملة المحلية في الأسواق الناشئة، وسيكون هناك المزيد من الصدمات لمرة واحدة، من التضخم ومن أماكن أخرى، والصدمة ستحدث على خلفية تغيير مرتقب في سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، يقول مراد أولجن، رئيس أبحاث الأسواق الناشئة في بنك "أتش أس بي سي"، إن المستثمرين ربما يكونون مخطئين في توجسهم من الاحتياطي الفيدرالي، ويجادل بأن اقتصادات ناشئة عدة في وضع أفضل بكثير لتحمل تعطيل سحب التحفيز من بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه المرة، مقارنة بصدمة "نوبة الغضب التدريجي" في 2013-2014، عندما أثرت احتمالية الحصول على دعم أخف في أصول الأسواق الناشئة بشدة. في ذلك الوقت، كانت الأساسيات مثل احتياطيات البنك المركزي والأرصدة الخارجية في حالة أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم.
ذعر الأسواق الناشئة
وعام 2013، فوجئ صانعو السياسة في الأسواق الناشئة بإعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن تغيير وشيك في سياسته، ما تسبب في موجة هروب رؤوس الأموال والمستثمرين من الأسواق الناشئة منذ بداية مايو، وحتى سبتمبر من عام 2013 في ما أطلق على تسميته بالـ"تابر تانتروم"، (نوبة الغضب المستدقة التي أدت إلى الذعر الجماعي بسبب ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية، وهبوط حاد في أسهم الأسواق الناشئة، وانخفاض أسعار السندات غير المرغوب بها والتقلبات الكبيرة في الأسهم).
ولكن هذه المرة، بدأ كثيرون بالفعل تشديد السياسة بأنفسهم> ففي الأسبوع الماضي، أصبحت تشيلي هي الأحدث في سلسلة البنوك المركزية في الأسواق الناشئة التي ترفع أسعار الفائدة في مواجهة التضخم.
وقال أولجن، "الأسواق الناشئة تحاول استباق الاحتياطي الفيدرالي هذه المرة"، وإن "درجة التشدد في الديون المحلية في الأسواق الناشئة مماثلة لعام 2018".