كشفت رسائل نصّية مسرّبة أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون رفض في ما يبدو تطبيق إجراءات الإغلاق في المملكة المتّحدة خلال خريف عام 2020، لاعتباره أن أعمار "الأشخاص المتوفّين بعدوى "كوفيد" في الأساس، تتجاوز الثمانين سنة".
وتُظهر رسائل المحادثات المتبادلة عبر تطبيق "واتساب" التي سرّبها إلى شبكة "بي بي سي" دومينيك كامينغز الرئيس السابق لموظّفي رئاسة الوزراء في "10 داوننيغ ستريت"، أن جونسون لم "يأخذ على محمل الجدّ التنبيهات المتعلّقة بالضغوط الهائلة التي ترزح تحتها مرافق "الخدمات الصحّية الوطنية" في بريطانيا"، وذلك قبل شهورٍ من ارتفاع عدد الوفيات في البلاد إلى أكثر من ألف حالة في اليوم.
وفي أول مقابلةٍ تُجرى معه منذ تركه منصبه في مقرّ رئاسة الحكومة، زعم كامينغز أنه توجّب منع رئيس الوزراء من لقاء الملكة في بداية فترة الوباء. وآنذاك، أُبلِغَ جونسون فعلاً بأن عليه أن يتجنّب الاختلاط بالكبار في السن، بعدما أصيب موظّفون في "10 داونينغ ستريت" بعدوى كورونا.
واستطراداً، من اللافت أنه لم يصدر عن دوائر "رئاسة الوزراء" على أثر تسريب الرسائل النصّية، أيّ تشكيك في صحّتها، ولم تنفِ أوساطها الادّعاءات المتعلّقة بطريقة التعامل مع الوباء، على الرغم من أن مكتب بوريس جونسون أفاد بأن الحادثة المتعلّقة بالملكة لم تحصل.
وتذكيراً، استقال كامينغز على مضض العام الماضي [إثر جدال بشأن أدائه السياسي كمساعد مقرب من بوريس جونسون]. وفي حديث مع "بي بي سي" أخيراً، نَسَبَ إلى رئيس الوزراء قوله إنه "ما كان ينبغي لنا أبداً أن نطبّق الإغلاق الأول". وأضاف كامينغز أن "جونسون كرّر هذا الكلام مراراً في الاجتماعات التي عُقدت في مقرّ رئاسة الوزراء".
وأكد المستشار الأول السابق لجونسون أنه "بعدما عبرت الموجة الأولى من الوباء، وعلى أثر عودة (جونسون) إلى مقرّ عمله، تركّزت آراؤه على مدح قرار الحكومة تطبيق الإغلاق. لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك، بعد صيحات الاستهجان التي أطلقتها صحيفة "تليغراف" ومصادر أخرى مختلفة في وسائل الإعلام وحزب المحافظين، معتبراً أن "الوضع برمّته شكّل في الواقع كارثة في حدّ ذاتها، ولم يكن يجدر بنا اتّخاذ مثل هذه الخطوة. لقد كنتُ محقّاً في فبراير (شباط) 2020، إذ توجّب علينا في الأساس تجاهل التحذيرات وترك الوباء يتفشّى في البلاد تجنّباً لتدمير الاقتصاد، وكان يجب أن نمضي قدماً [من دون تنفيذ الإغلاق]". وفي المقابل، زعم كامينغز أن بوريس جونسون دأب على وصف صحيفة "تليغراف" التي دعمت حملته نحو القيادة، ودفعت له في السابق 250 ألف جنيه استرليني (345 ألف دولار أميركي) في السنة إضافةً إلى راتبه كسياسي مقابل كتابة عمود رأيٍ على صفحاتها، إنها "رئيستي الحقيقية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن الدعم الرسمي والعلمي لتطبيق إجراءاتٍ متشدّدة في مواجهة عدوى "كوفيد- 19" ظلّ مرتفعاً طيلة فترة تفشّي الوباء، إلا أن قسماً من الصحافة المؤيّدة لحزب المحافظين وبعضاً من نوّاب الحزب، دأبوا عند كل منعطف على رفض القيود الهادفة إلى مواجهة الوباء.
وتحدّث المساعد السابق لجونسون عن أن رئيس الوزراء رفض نصيحة كبير المستشارين العلميّين باتريك فالانس وكبير المسؤولين الطبّيين كريس ويتي، حينما طلبا منه أن يفرض إغلاقاً مشدّداً في مرحلة مبكّرة.
ويبدو من خلال الرسائل النصّية التي يعود تاريخها إلى الخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أي قبل أسبوعين من اتّخاذ رئيس الوزراء القرار بتطبيق إغلاقٍ آخر، أن بوريس جونسون لم يكن قلقاً من الارتفاع المتزايد في عدد الوفيات.
وفي السياق نفسه، جاء في إحدى تلك الرسائل النصّية "لا بدّ لي من القول إنني قد أصبتُ بصدمةٍ طفيفة لدى اطّلاعي على بعض البيانات المتعلّقة بوفيات "كوفيد". إن متوسّط أعمار المتوفّين يتراوح بين 81 سنة و82 ما بين الذكور، و85 سنة لدى النساء. إن هذه العتبة هي أعلى من متوسّط العمر المتوقّع. لذا من الأفضل التقاط العدوى والعيش لفترةٍ أطول".
وتضيف رسالة جونسون، "نادراً ما يدخل أيّ ممن تقل أعمارهم عن الستين سنة إلى المستشفى (4 في المئة) وهؤلاء جميعهم إلى حدٍّ ما يتمكّنون من البقاء على قيد الحياة. إنني لم أعد أصدّق المعلومات التي تتحدّث عن الضغوط التي تتعرّض لها مرافق "الخدمات الصحّية الوطنية". أيها الأعزاء، أعتقد أننا في حاجةٍ إلى إعادة تقويمٍ للوضع".
واستطراداً، أخبر دومينيك كامينغز للمذيع الذي حاوره، "لقد كان موقفه (بوريس جونسون) في تلك المرحلة (خريف 2020) مزيجاً غريباً من التصريحات المتفاوتة. فتارةً، يشير إلى أن كلّ ما يحصل هو مجرّد هراء، وأن عمليات الإغلاق غير نافعة. وتارةً أخرى، يصف الوضع بأنه مأسَوي لكنه يشير إلى أن الأشخاص الذين يموتون هم في الإجمال ما فوق سنّ الثمانين، بالتالي، لا يمكننا القضاء على الاقتصاد لمجرّد وفاة أفرادٍ من هذه الفئة العمرية".
وأضاف المستشار الأول السابق لجونسون، "لقد سمع كثيرون رئيس الوزراء يقول ذلك. وقد بعث برسالة نصّية إليّ وإلى أشخاصٍ آخرين تشير إلى المضمون ذاته. لقد وضع بالتأكيد مصالحه السياسية قبل حياة الناس".
وفي وقتٍ سابق، تبيّن أيضاً أن جونسون ذكر إنه يفضل "تكدّس الجثث بالآلاف" على أن يأمر بتطبيق إغلاقٍ آخر. ولم ينف مقرّ رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت"، ذلك الأمر أيضاً.
وفي المقابلة نفسها، تحدّث كامينغز عن وقائع محاولةٍ مزعومةٍ من بوريس جونسون لزيارة الملكة، في وقت ظهرت إمكانية أن يكون قد تعرّض لفيروس "كوفيد- 19". وقد سأله كامينغز عمّا ينوي فعله، فأجاب جونسون بأنه سيلتقي بالملكة. وحينذاك، بادره كامينغز بالسؤال التالي، "هل تعي حقّاً ما تتحدّث عنه؟ بالتأكيد لا يمكنك الذهاب لرؤية الملكة". فكان ردّه "إن هذا ما أقوم به كلّ أربعاء، وسأذهب للقائها".
وأضاف المستشار السابق لرئيس الوزراء أنه أخبر بوريس جونسون، "ثمة موظّفون في هذا المكتب يعزلون أنفسهم الآن، وقد يكون كلانا مصابٌ بالعدوى. لذا، لا يمكنك الذهاب للقاء الملكة. ماذا لو اجتمعتَ بها ونقلتَ الفيروس إليها"؟ وتابع، "لا يمكنك بتاتاً القيام بهذه الخطوة. ماذا ستفعل إذا نقلتَ المرض إليها وتُوفّيت؟ لا يمكنك الإقدام على ذلك، ولا يمكنك المخاطرة بذلك، إنه جنونٌ مطلق". وأضاف بأن (جونسون) ردّ متأفّفاً بأنه لم يفكّر جيّداً في الأمر، ثم أقر في وقت لاحق، "حسناً، لا يجوز الذهاب".
في سياق متصل، علّق متحدّث باسم رئاسة الوزراء البريطانية على تلك المعطيات، مشيراً إلى أنه "منذ بداية تفشّي الوباء، اتّخذ رئيس الوزراء الإجراءات اللازمة في حماية الأرواح وسُبُل عيش الناس، مستعيناً بأفضل النصائح العلمية". وأضاف، "لقد نفّذت الحكومة التي يقودها (بوريس جونسون) أسرع حملة تطعيم في أوروبا، وأنقذت ملايين الوظائف من خلال مخطّط الإجازات المدفوعة، وحمت مرافق "الخدمات الصحّية الوطنية" من الوقوع تحت تأثير الضغوط من خلال تطبيق ثلاث عمليّات إغلاق على المستوى الوطني".
وخلص الناطق الرسمي إلى أن "الحكومة تركّز بشكل كامل على إخراج البلاد بحذر من الوباء، والتعافي وإعادة البناء بشكلٍ أفضل".
© The Independent