تذبذبات تطرأ على أسعار النفط يراها المحللون "طبيعية" في مرحلة "حساسة" تمرّ بها الأسواق، حيث يرى المتخصصون في شأن أسعار النفط خلال عام 2021، أن الأسواق وعلى الرغم من اختلاف الرؤية تجاه مستقبل الاقتصاد العالمي وتعثّر الانتعاش المرتقب، إلا أن التوازن سيعود على الرغم من الرهانات من مستثمري النفط على خيارات تراجع الأسعار بعد الانخفاض الحاد، الاثنين الماضي، 19 يوليو (تموز)، بحسب ما ذكرت "وول ستريت"، إلا أن النفط عكس مسيرته نحو الصعو مواصلاً المكاسب في ظل تلقّيه الدعم من تنامي الشهية للمخاطرة على الرغم من بيانات تظهر زيادة غير متوقعة في مخزونات الخام الأميركية. إلى ذلك، واصلت الأسعار تحقيق المكاسب القوية اليوم التي جنتها في الجلستين الماضيتين بفعل توقعات بتراجع الإمدادات النفطية حتى نهاية العام مع تعافي الاقتصادات من أزمة كورونا.وزادت العقود الآجلة لخام برنت للجلسة الثالثة على التوالي، مضيفة 62 سنتاً بما يعادل 0.86 في المئة، مقتربة من مستوى 73 دولاراً، لتصل إلى 72.88 دولار للبرميل في الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش، بعد ما ربحت نحو 3.6 في المئة في جلسة الأربعاء. وصعدت عقود الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط 68 سنتاً، أو ما يعادل 0.97 في المئة، لتسجل 70.98 دولار للبرميل، بعد ارتفاع بنحو 4 في المئة في الجلسة السابقة.
نقاط ضعيفة
وقال بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي"، في مذكرة بحثية، إن هناك بعض النقاط الضعيفة ظهرت في تعافي الطلب على النفط، لكن من غير المرجح أن يغير هذا التوقعات بشكل أساسي. وأضاف البنك أن الطلب على الخام لا يزال يتجه نحو تجاوز العرض في النصف الثاني من عام 2021، ما يدفع أسعار برنت إلى التداول فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل خلال الفترة المتبقية من العام.
عمليات البيع
وتفاقمت عمليات البيع بفعل المخاوف من أن يؤثر تنامي إصابات سلالة "دلتا" من فيروس كورونا في الطلب في أسواق رئيسة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان. وجاءت المكاسب على الرغم من زيادة مخزونات الخام الأميركية للمرة الأولى منذ مايو (أيار) الماضي، بحيث أظهرت بيانات لإدارة معلومات الطاقة أن "مخزونات الخام زادت على غير المتوقع 2.1 مليون برميل الأسبوع الماضي إلى 439.7 مليون برميل، وكان محللون يتوقعون انخفاضاً 4.5 مليون برميل"، لكن مخزونات البنزين ونواتج التقطير سجلت انخفاضاً 121 ألف برميل و1.3 مليون برميل على الترتيب.
وقال جون كيلدوف، الشريك لدى "أجين كابيتال" في نيويورك، "زيادة النفط الخام كانت مفاجأة واضحة مدفوعة بارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات، الجوانب الإيجابية الوحيدة في التقرير، تظل قوة الطلب على البنزين وانتعاش وقود نواتج التقطير".
وقال محللو "جيه بي مورغان" إنه من المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي في المتوسط 99.6 مليون برميل يومياً في أغسطس، بارتفاع 5.4 مليون برميل يومياً عن أبريل (نيسان) الماضي.
وعلى الرغم من رأي متخصصين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" عن أن ارتفاع الأسعار الحالي فوق مستوى 70 دولاراً يُعتبر خرقاً ربما لا يكون مبرراً، في ظل استمرار ضعف الطلب على الخام ونمو في المعروض، ما يجعل الحديث عن وصول الأسعار إلى مستوى 100 دولار للبرميل جانباً من الخيال، في ظل هشاشة أساسات السوق الحالية، بينما يؤكد محللون آخرون أن محاولات إبقاء الأسعار في صعود هي للحفاظ على شركات نفطية كبرى من الوصول إلى حافة الانهيار .
وكانت أسعار النفط ارتفعت بأكثر من 50 في المئة هذا العام، إذ أدى طرح اللقاح في الاقتصادات الرئيسة مثل الولايات المتحدة إلى تسريع الانتعاش من الوباء.
زيادة المخزونات الأميركية
وأظهرت بيانات صادرة من معهد النفط الأميركي عن زيادة قدرها 806 آلاف برميل في مخزونات الخام الأميركية للأسبوع المنتهي في 16 يوليو (تموز).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضغوط بيعية
وقال محللو "آي إن جي إيكونوميكس" في مذكرة إن السوق "تعرضت لبعض الضغوط البيعية أوائل المعاملات الصباحية، الأربعاء، بعد تقرير مخزونات مفاجئ ينبئ بتراجع الأسعار من معهد البترول الأميركي". وأفاد المحلل لدى "أكتيف تريدرز" ريكاردو إيفانجليستا، بأن "النفط وجد الدعم مع زيادة الرغبة بالمخاطرة مرة أخرى"، وأضاف، "يأتي الدعم بعد الانخفاضات الواضحة التي سُجلت خلال الجلسات القليلة الماضية والتي أثارتها مخاوف من تأثير متغيرة دلتا وكذلك اتفاق أوبك+ في زيادة الإنتاج".
عوامل تتحكم بالأسعار
ووفقاً لمركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية في لندن، فإن هناك عدداً من العوامل الاقتصادية التي تتحكم في حركة أسعار النفط في الوقت الراهن، بعضها إيجابية والأخرى سلبية. ويرى أن العوامل الإيجابية التي تدعم الأسعار تتمثّل في أن استهلاك النفط في الولايات المتحدة وصل إلى مستوى قياسي على الخام بسبب نمو الاقتصاد الأميركي خلال الأشهر الستة السابقة، الذي أدى إلى ارتفاع الطلب على النفط في أكبر اقتصاد في العالم. وأوضح أن من بين العوامل السلبية، انخفاض واردات الخام إلى الصين ثلاثة في المئة خلال العام الحالي، فزيادة الاستهلاك الأميركي مقابل تراجع الواردات الصينية تسببت في القلق بين المستثمرين في الأسواق النفطية.
وأشار مركز "كوروم" إلى أن من بين العوامل المؤثرة سلباً تأتي نتيجة التذبذبات التي تشهدها الأسواق المالية بسبب المخاوف من تأثير متحورات كورونا الجديدة، خصوصاً في الاتحاد الأوروبي والصين، إضافة إلى تأثير إضافي لارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى معدلاته منذ عام 2008، علاوة على أن البنوك المركزية غير مستعدة لتغيير سياستها بغض النظر عن مستوى التضخم الحالي، بخاصة في سوق السندات الحكومية، إلى جانب المخاوف من مدى قوة أو استدامة نمو الاقتصاد العالمي.
أمر طبيعي
من جانبه، قال محلل الأسواق العالمية أحمد حسن كرم إن تذبذب أسعار النفط يُعتبر أمراً طبيعياً في الوقت الراهن، وهذا يأتي بعد اتفاق "أوبك+" الأخير برفع إنتاجها تدريجاً، إذ جاءت أصداء هذا القرار بالسلب على الأسعار، بخاصة الدول المنتجة التي تعتمد موازناتها تماماً على الإيرادات النفطية.
وأفاد كرم بأنه على أي حال مع الاستمرار بزيادة الإنتاج تدريجاً في الفترة المقبلة، فإن المراقبين يرون أن أسعار النفط ستظل على مستوياتها الحالية أو تنخفض قليلاً حتى يتمّ استيعاب الرفع بالإنتاج، ولذلك يجب على "أوبك" مراجعة قراراتها في المستقبل القريب.
ارتفاع الطلب
إلى ذلك، ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير عن أسواق النفط أن على "أوبك+" زيادة الإنتاج لمواجهة ارتفاع الطلب عام 2022. وأشارت الوكالة إلى أنه بناء على توقعات النمو الاقتصادي العالمي الحالية، سيصل الطلب على النفط الخام والمنتجات البترولية إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول عام 2022. الوكالة التي تعرضت لانتقادات كبيرة، بعد تقريرها الذي دعت فيه إلى وقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز، تطلب من "أوبك+" زيادة الإنتاج لإبقاء أسواق النفط العالمية مزوّدة بإمدادات كافية، لكن في الوقت ذاته، أكدت أن واقع السوق يتعارض مع استراتيجياتها المقترحة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. في الوقت ذاته، يتوقع محللون في شؤون النفط بأن الطلب على النفط سيزداد بشكل لافت، حتى إن بعضهم يؤكد أن الطلب سيكون عام 2022 أعلى من مستويات عام 2019، على الرغم من ارتفاع الأسعار.