لأكثر من 70 عاماً، تجنبت الصين وتايوان الوصول إلى الانفجار. لقد فُصِلَ الكيانان منذ 1949، حينما انتهت الحرب الأهلية الصينية التي بدأت في 1927، بانتصار الشيوعيين وانسحاب القوميين إلى تايوان. منذ ذلك الحين، شكّل المضيق الذي يفصل جزيرة تايوان عن بر الصين الرئيس، بعرض 81 ميلاً (أكثر من 130 كيلومتراً) عند أضيق نقطة فيه، موقع أزمات معتادة وتوترات دائمة، لكن لم تقع حرب صريحة أبداً. وعلى مدى العقد ونصف العقد الماضيين، بدت العلاقات عبر المضيق مستقرة نسبياً. على أمل إقناع الشعب التايواني بالفوائد التي يمكن جنيها من خلال الوحدة التي طال انتظارها (مع الصين الشعبية في البر الرئيس للبلاد)، اتبعت الصين إلى حد كبير سياستها الطويلة الأمد المتمثلة في "إعادة الوحدة سلميّاً"، عبر تعزيز علاقاتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع تلك الجزيرة.
وبهدف مساعدة شعب تايوان على إدراك أهمية ذلك، سعت بكين إلى عزل تايبيه (عاصمة تايوان) دولياً، وقدمت حوافز اقتصادية لحلفاء الجزيرة إن هم وافقوا على التخلي عن تايبيه لمصلحة بكين. وكذلك استخدمت نفوذها الاقتصادي المتزايد كي تُضعِفَ مكانة تايبيه في المنظمات الدولية وتضمن أن تلتزم البلدان والشركات والجامعات والأفراد، كل فرد وفي كل مكان فعليّاً، بمفهومها عن سياسة "الصين الواحدة". وبقدر ما كانت هذه التكتيكات حادة، إلا أنها لم تصل إلى العمل العسكري. وعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين أكدوا دائماً حقّهم في استخدام القوة، فإن هذا الخيار بدا غير مطروح على الطاولة.
ومع ذلك، ظهرت إشارات مقلقة في الأشهر الأخيرة إلى أن بكين تعيد النظر في نهجها السلمي وتفكر في فرض الوحدة بقوّة السلاح. وقد أوضح الرئيس الصيني شي جينبينغ طموحه في حل قضية تايوان، وأصبح أكثر عدوانية بشكل ملحوظ بشأن قضايا السيادة، وأمر الجيش الصيني بزيادة نشاطه بالقرب من الجزيرة. كذلك أجج لهيب القومية الصينية وسمح للنقاش حول الاستيلاء بالقوة على تايوان بأن يتسلّل إلى موجة الأفكار السائدة في الحزب الشيوعي الصيني.
وقد تحقق التحول الملموس في تفكير بكين بفضل جهود التحديث العسكري المستمرة منذ عقود، التي سرَّعها شي بهدف أن يتيح للصين إجبار تايوان على العودة إلى صفوفها. وتخطط القوات الصينية للفوز حتى مع التدخّل العسكري للولايات المتحدة التي سلحت تايوان لكنها تركت مسألة الدفاع عنها ضد أي هجوم، مسألة مفتوحة على الاحتمالات [ولم تلتزم القيام بها]. وقد اعتاد القادة الصينيون التفكير في أن حملة عسكرية هدفها أخذ الجزيرة، تكون ضرباً من الخيال، إلا أنهم الآن يعتبرون ذلك إمكانية حقيقية.
قد يأمل صانعو السياسة في الولايات المتحدة أن تتراجع بكين أمام التكاليف المحتمل تكبّدها جراء مثل ذلك العدوان، لكن هناك أسباباً عدة تدفع إلى الاعتقاد بأنها قد لا تفعل ذلك. إذ يتزايد الدعم لفكرة الوحدة بقوة السلاح في صفوف الشعب الصيني والمؤسسة العسكرية. وينحسر القلق بشأن المعايير الدولية. وفي بكين أيضاً، يشكك كثيرون في امتلاك الولايات المتحدة القوة العسكرية اللازمة كي تحول دون استيلاء الصين على تايوان [وإحكام القبضة عليها]، أو النفوذ الدولي اللازم لحشد تحالف فاعل ضد الصين في أعقاب ما خلفته رئاسة دونالد ترمب. وعلى الرغم من أن الغزو الصيني لتايوان قد لا يكون وشيكاً، فقد حان الوقت للمرّة الأولى منذ ثلاثة عقود، كي نأخذ على محمل الجد إمكانية أن تستخدم الصين القوة قريباً لإنهاء وطي صفحة حربها الأهلية التي استمرت قرناً تقريباً.
"كل الخيارات مطروحة"
يجادل المشككون في كون التهديد الموجّه إلى تايوان يشكل تهديداً فورياً [مباشراً وداهماً]، بأن شي لم يصرّح علناً عن جدول زمني لعملية الوحدة، بل ربما لم يفكّر بينه وبين نفسه حتى بجدول زمني محدد. منذ 1979، حين توقفت الولايات المتحدة عن الاعتراف بتايوان، اعتمدت الصين سياسة "الاحتفاظ بإمكانية التوحيد السياسي في مرحلة ما غير محددة في المستقبل"، وفق تعبير جون كولفر وهو ضابط مخابرات أميركي متقاعد ومحلل لشؤون آسيا. وتلمّح هذه الصياغة إلى أن الصين يمكن أن تتعايش إلى الأبد مع الوضع الراهن، وقوامه أن تايوان مستقلة بحكم الأمر الواقع، لكن ليس بحكم القانون.
وعلى الرغم من أن شي ربما لم يرسل بطاقة تعطي موعداً محدداً لذلك [لم يحدد موعدا]، لكنه أشار بوضوح إلى أن شعوره تجاه الوضع الراهن مختلف عن موقف أسلافه. لقد دعا علناً إلى التقدّم نحو الوحدة، واضعاً شرعيته على المحكّ للتحرك في هذا الاتجاه. ومثلاً، في 2017، أعلن أن "إعادة التوحيد الوطني الكامل شرط لا مفر منه في تحقيق التجديد العظيم للأمة الصينية"، وبالتالي ربط مستقبل تايوان ببرنامجه السياسي الأساس. وبعد ذلك بعامين، صرح بوضوح أن التوحيد شرط لتحقيق ما يسمى بالحلم الصيني.
كذلك أوضح شي أنه أكثر استعداداً من أسلافه لاستخدام القوة. ففي خطاب مهم ألقاه في يناير (كانون الثاني) 2019، وصف شي الترتيب السياسي الحالي بأنه "السبب الجذري لعدم الاستقرار عبر المضيق"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن يستمر (ذلك الترتيب السياسي) من جيل إلى جيل". ووفقاً للدارسين والاستراتيجيين الصينيين الذين تحدثتُ إليهم في بكين، فعلى الرغم من عدم تحديد جدول زمني واضح، فإن شي يريد أن تكون الوحدة مع تايوان جزءاً من ميراثه الشخصي. وعندما سأل صحافي في وكالة "أسوشيتد برس" نائبَ وزير الخارجية الصيني لو يو تشنغ في أبريل (نيسان) 2021 عن جدول زمني محتمل، لم يحاول تهدئة المخاوف من غزو وشيك أو إنكار تبدّل المزاج في بكين. وبدلاً من ذلك، انتهز الفرصة كي يعيد التأكيد أن الوحدة الوطنية "لن توقفها أي جهة أو قوة"، وأنه بينما تسعى الصين جاهدة من أجل التوحيد السلمي، فإنها لا "تتعهد التخلي عن الخيارات الأخرى. إن كل الخيارات مطروحة".
في بكين أيضاً، يشكك كثيرون في امتلاك الولايات المتحدة القوة العسكرية اللازمة كي تمنع الصين من الاستيلاء على تايوان
وصحيح أن القادة الصينيين، ومن بينهم شي، يمجدون بانتظام مزايا التكامل والتعاون مع تايوان، لكن احتمالات التوحيد السلمي تتضاءل منذ سنوات. ويتراجع كل يوم عدد التايوانيين الذين يعتبرون أنفسهم صينيين أو يرغبون في أن يكونوا جزءاً من بر الصين الرئيس. وقد أتت إعادة انتخاب الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين، في يناير 2020، التي تفضل إقامة علاقات أكثر حذراً مع الصين، كي تعزّز مخاوف بكين من أن شعب تايوان لن يعود مطلقاً عن طيب خاطر إلى الوطن الأم. ثم دُق المسمار الأخير في نعش التوحيد السلمي في يونيو (حزيران) 2020، حينما مارست الصين سلطات جديدة واسعة على هونغ كونغ من خلال قانون جديد للأمن القومي. إذ يُفترض أن توفر صيغة هونغ كونغ عن "دولة واحدة ونظامان" نموذجاً جذاباً للتوحيد السلمي، لكن حملة بكين القمعية هناك أظهرت بوضوح لماذا كان التايوانيون على حق في رفض مثل هذا الترتيب.
سيستمر القادة الصينيون في التشدق بالتوحيد السلمي حتى يوم اندلاع الحرب، لكن أفعالهم تشير بشكل متزايد إلى أنهم يفكرون في شيء آخر. فمع احتدام التوترات مع الولايات المتحدة، سرّعت الصين عملياتها العسكرية في محيط تايوان، فنفذت 380 عملية هجوم في منطقة الدفاع الجوي للجزيرة في سنة 2020 وحدها. وفي أبريل من 2021، أرسلت الصين أكبر أساطيلها على الإطلاق، 25 مقاتلة وقاذفات قنابل، إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية. من الواضح أن شي لم يعد يحاول تجنب التصعيد بأي ثمن الآن بعد أن أصبح جيشه قادراً على منافسة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. لقد ولت منذ فترة طويلة أيام أزمة عام 1996 المتعلّقة بتايوان، عندما أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات للإبحار بالقرب من المضيق فتراجعت الصين. لم تكن بكين مسرورة بتعرّضها للردع في ذلك الوقت، وأمضت السنوات الـ25 التالية في تحديث جيشها، سعياً إلى وضع مختلف في المرة المقبلة.
لقد صُمّم جزء كبير من هذا التحديث، بما في ذلك تحديثات الأجهزة والتنظيم والهيكل البنيوي للقوات المسلحة والتدريب؛ صُمّم بهدف تمكين "جيش التحرير الشعبي" من غزو تايوان واحتلالها. وعمل شي على توسيع قدرات الجيش أكثر، منفّذاً عملية إعادة الهيكلة الأكثر طموحاً في "جيش التحرير الشعبي الصيني" منذ تأسيسه. وتهدف تلك العملية تحديداً إلى تمكين القوات الصينية من إجراء عمليات مشتركة تقاتل فيها القوات الجوية والبحرية والجيش والقوة الصاروخية الاستراتيجية معاً بسلاسة، سواء أثناء هبوط برمائي أو حصار أو هجوم صاروخي، أي أنها بالضبط أنواع العمليات اللازمة لفرض الوحدة بقوة السلاح. لقد دفع شي بشكل عاجل إلى هذه الإصلاحات المحفوفة بالمخاطر، بل إن كثيراً منها لا يحظى بشعبية لدى الجيش، بهدف ضمان قدرة "جيش التحرير الشعبي" على القتال والفوز بالحروب مع حلول عام 2020.
لقد تعالت في بكين الأصوات التي تزعم أن الوقت قد حان كي تُستخدم هذه القدرات العسكرية الجديدة ضد تايوان، ما يشكّل تطوراً مهماً في عصر الرقابة المتزايدة. وجادل عدد من الضباط العسكريين المتقاعدين علناً بأنه كلما طال انتظار الصين، زادت صعوبة السيطرة على تايوان. وعلى نحوٍ مماثل، كُتبتْ مقالات في القنوات الإخبارية التي تديرها الدولة وعلى المواقع الإلكترونية الشهيرة، تحثّ الصين على التحرك بسرعة. وإذا صدَقَتْ استطلاعات الرأي العام، يتفق الشعب الصيني على أن الوقت قد حان كي تُحَل قضية تايوان بشكل نهائي. فوفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الدولة، يؤيد 70 في المئة من سكان البر الرئيس بشدة استخدام القوة لتوحيد تايوان مع البر الرئيس، ويعتقد 37 في المئة أنه سيكون من الأفضل أن تندلع الحرب في غضون ما يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
في الواقع، كشف المحللون والمسؤولون الصينيون الذين تحدثت إليهم عن مشاعر مماثلة. حتى الأصوات المعتدلة، اعترفت بأن الدعوات إلى الوحدة بقوة السلاح تنتشر داخل الحزب الشيوعي الصيني، بل تشمل أصحاب هذه الأصوات (المعتدلة) أنفسهم الذين أوصوا القيادة الصينية العليا بتنفيذ عمل عسكري أيضاً. وتجاهل آخرون في بكين المخاوف بشأن الغزو الصيني ووصفوها بأنها مبالغ فيها، لكنهم في الوقت نفسه اعترفوا بأن شي مُحاط بمستشارين عسكريين يخبرونه بثقة أن الصين يمكنها الآن استعادة تايوان بالقوة مقابل تكلفة مقبولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجهوزية للمعركة
إذا لم تتحرك الولايات المتحدة أو تايوان أولاً بهدف تغيير الوضع الراهن، فمن المحتمل أن يفكر شي في بدء التوحيد بقوة السلاح بمجرد أن يغدو واثقاً من قدرة جيشه على السيطرة بنجاح على الجزيرة. ولكن هل جيشه قادر على ذلك؟
تبدو الإجابة قابلة للنقاش. وتعتمد على ما يتطلبه الأمر كي تجبر تايوان على الاستسلام. تستعد بكين لأربع حملات رئيسة يعتقد مخططوها العسكريون أنها قد تكون ضرورية في السيطرة على الجزيرة. تتمثل الأولى في ضربة مشتركة تجمع بين صواريخ "جيش التحرير الشعبي" وغارات جوية تهدف إلى تجريد أهداف تايوانية، عسكرية وحكومية في البداية، ثم مدنية، من السلاح، وبالتالي إجبار تايبيه على الرضوخ إلى المطالب الصينية. وتتجسّد الثانية في عملية حصار تحاول فيها الصين فصل الجزيرة عن العالم الخارجي بشتى الطرق، من الغارات البحرية إلى الهجمات الإلكترونية. وتشمل الثالثة الصواريخ والغارات الجوية ضد القوات الأميركية المنتشرة في أمكنة قريبة، ما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقديم المساعدة إلى تايوان في المراحل الأولى من الصراع. وتتجسّد الحملة الرابعة والأخيرة، في محاولة هبوط على الجزيرة تشنّ فيها الصين هجوماً برمائياً على تايوان، بل ربما تحتل أولاً مجموعة الجزر الصغيرة التابعة لتايوان كجزء من غزو مرحلي، أو تُنفّذ قصفاً مكثفاً على تلك الجزر، بينما تركز القوات البحرية والجوية والجيش على تايوان بحدّ ذاتها.
واستطراداً، لم يَثُر سوى جدل صغير بين خبراء الدفاع حول قدرة الصين على تنفيذ الحملات الثلاث الأولى، أي الضربة المشتركة، والحصار، ومهمة مكافحة التدخل. فلا جهود الولايات المتحدة في جعل قواعدها الإقليمية أكثر صموداً ولا أنظمة الدفاع الصاروخي التايوانية، تضاهيان صواريخ الصين الباليستية والطويلة المدى، وهي الأكثر تقدماً في العالم. يمكن للصين أن تدمر بسرعة البنية التحتية الرئيسة لتايوان، وتمنع وارداتها من النفط، وتقطع اتصالها بشبكة الإنترنت، ثم تحافظ على ذلك النوع من الحصار إلى أجل غير مسمى. وبحسب لوني هينلي، ضابط مخابرات أميركي متقاعد ومتخصص في شؤون الصين، "من المحتمل أن تتمكّن القوات الأميركية من تمرير القليل من إمدادات الإغاثة، لا أكثر". ولأن الصين تملك نوعاً متطوّراً في نظام الدفاع الجوي، فلن يكون لدى الولايات المتحدة أمل كبير في استعادة التفوق الجوي أو البحري من خلال مهاجمة ناقلات الصواريخ أو المقاتلات أو السفن الصينية.
لقد تعالت في بكين الأصوات التي تزعم أن الوقت قد حان كي تُستخدم هذه القدرات العسكرية الجديدة ضد تايوان
في المقابل، تبدو حملة الصين الرابعة والأخيرة، أي شن هجوم برمائي على الجزيرة بحدّ ذاتها، بعيدة كل البعد عن النجاح المضمون. ووفق تقرير وزارة الدفاع الأميركية لعام 2020، "تواصل الصين بناء القدرات التي من شأنها أن تسهم في غزو واسع النطاق"، لكن "محاولة غزو تايوان من المرجح أن ترهق القوات المسلحة الصينية، وتستدعي تدخلاً دولياً". وفي مارس (آذار) 2021، ذكر فيليب ديفيدسون قائد القوات الأميركية في المحيطين الهندي والهادي آنذاك، أن الصين ستتمتع بالقدرة على غزو تايوان بنجاح في غضون ست سنوات. بينما يعتقد مراقبون آخرون أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول، ربما حتى عام 2030 أو 2035 تقريباً.
من جهة أخرى، يُجمع الجميع على أن الصين قد أنجزت خطوات كبيرة في بناء قدرتها على إجراء عمليات مشتركة [بحرية وجوية] في السنوات الأخيرة، وباتت الولايات المتحدة بحاجة إلى تحذير في الوقت المناسب [مبكر] كي تنفّذ دفاعاً ناجحاً. وإذ تعمل بكين على تحسين تقنيات التشويش والانتحال [بمعنى أن تظهر على شاشات الرادار ونُظُم الرصد، بوصفها أميركية أو حليفة]، فقد تكون قادرة على إحداث اضطرابات في أنظمة الإنذار المبكر الأميركية، وبالتالي إبقاء القوات الأميركية في الظلام [بمعنى حرمانها من المعلومات] أثناء الساعات الأولى من الهجوم. وكذلك أدّت الإصلاحات العسكرية التي أجراها شي إلى تحسين قدرات الحرب السيبرانية والإلكترونية في الصين، إذ جُرِّبَتْ على أهداف مدنية وعسكرية. وفي 2019، أدلى دان كوتس، مدير "الاستخبارات الوطنية" في الولايات المتحدة حينها، بإفادة تضمنت أن بكين تقدر على شن هجمات سيبرانية هجومية ضد الولايات المتحدة من شأنها أن تتسبب في "آثار تخريبية محلية مؤقتة على البنية التحتية الحيوية". وفي الواقع، يمكن للأسلحة الهجومية الصينية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والبعيدة المدى، أن تدمّر القواعد الأميركية في غرب المحيط الهادي في غضون أيام.
في ضوء هذه القدرات المعززة، يشعر عدد من الخبراء الأميركيين بالقلق من أن الصين يمكن أن تسيطر على تايوان حتى قبل أن تتاح للولايات المتحدة فرصة في الرد. وقد أظهرت المناورات الافتراضية الحربية الأخيرة التي أجراها "البنتاغون" ومؤسسة "راند" RAND أن الصدام العسكري بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان يُرجح أن يؤدي إلى هزيمة الولايات المتحدة، مع استكمال الصين غزواً شاملاً لتلك الجزيرة في غضون أيام أو أسابيع فحسب.
في نهاية المطاف، بشأن مسألة إمكانية استخدام الصين القوة [في تايوان]، فإن تصورات القادة الصينيين عن فرصهم في النصر ستكون أكثر أهمية من فرصهم الفعلية فيه. لذلك، يتمثّل الخبر السيئ في أن المحللين والمسؤولين الصينيين يعبرون بشكل متزايد عن ثقتهم في أن "جيش التحرير الشعبي" بات على أتَّم الاستعداد لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة من أجل تايوان. وعلى الرغم من اعتراف الاستراتيجيين الصينيين بالتفوق العسكري العام للولايات المتحدة، فقد توصل كثيرون منهم إلى الاعتقاد بأنه نظراً إلى قرب الصين من تايوان وتهتم بشأنها أكثر من الولايات المتحدة، فإن ميزان القوة المحلي يميل لمصلحة بكين.
مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة في الصين أكثر صخباً في مدحها القدرات العسكرية للبلاد. في أبريل، كتبت "غلوبال تايمز" نقلاً عن خبير عسكري لم تذكر اسمه، إن "تدريبات (جيش التحرير الشعبي) ليست مجرد تحذيرات، لكنها تظهر أيضاً قدرات حقيقية وممارسة عملية لإعادة الوحدة مع الجزيرة، إذا اقتضى الأمر". وأضاف المحلل أنه إذا اختارت الصين الغزو، فإن الجيش التايواني "لن يحظى بفرصة".
سِرْ بسرعة، سِرْ ببطء
في نهاية المطاف، بمجرد أن تمتلك الصين القدرات العسكرية في حل مشكلة تايوان، قد يجد شي أنه من غير المقبول سياسياً عدم فعل ذلك، بالنظر إلى النزعة القومية المتعاظمة لدى الحزب الشيوعي الصيني والجمهور العام. في تلك المرحلة، من المرجح أن تشق بكين طريقها نحو حملة عسكرية واسعة النطاق، بدءاً من تكتيكات "المنطقة الرمادية" التي تشمل زيادة الدوريات الجوية والبحرية، ووصولاً إلى الاستمرار في دبلوماسية الإكراه بهدف إجبار تايبيه على التفاوض بشأن حل سياسي.
واستطراداً، ستكون الحرب النفسية أيضاً جزءاً من كتاب قواعد اللعبة في بكين. إذ لا تساعد التدريبات الصينية في جميع أنحاء تايوان على تدريب "جيش التحرير الشعبي" فحسب، بل تُضعف أيضاً الجيش التايواني وتُظهر للعالم أن الولايات المتحدة لا تستطيع حماية الجزيرة. يريد "جيش التحرير الشعبي" أن يجعل وجوده في مضيق تايوان أمراً روتينياً، وكلما أصبحت أنشطته أكثر شيوعاً هناك، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تحديد متى يكون الهجوم الصيني وشيكاً، ما يسهل على "جيش التحرير الشعبي" وضع العالم أمام الأمر الواقع.
في الوقت نفسه الذي ستكثف فيه الصين أنشطتها العسكرية في المضيق، ستواصل حملتها الدبلوماسية الأوسع الرامية إلى إزالة القيود الدولية على قدرتها في استخدام القوة، مع تفضيل الحقوق الاقتصادية على الحقوق السياسية في علاقاتها مع الدول الأخرى وداخل الهيئات الدولية، والتقليل من أهمية حقوق الإنسان، وقبل كل شيء، تعزيز معايير السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. إذ سيتمثّل هدف الصين في صنع سردية مفادها أن أي استخدام للقوة ضد تايوان سيكون دفاعياً ومبرراً بالنظر إلى استفزازات تايبيه وواشنطن. وستُقرّب جهود الإكراه والدبلوماسية المسافة بين الصين وبين التوحيد، لكنها لن توصلها إلى ذلك الهدف. إن تايوان ليست جزيرة مرجانية غير مأهولة في بحر الصين الجنوبي يمكن للصين المطالبة بها بنجاح طالما أن الدول الأخرى لن ترد عسكرياً. تحتاج الصين إلى استسلام تايوان الكامل، وسيتطلب ذلك على الأرجح استعراضاً مهماً للقوة.
بمجرد أن تمتلك الصين القدرات العسكرية في حل مشكلة تايوان، قد يجد شي أنه من غير المقبول سياسياً عدم فعل ذلك
إذا قررت بكين الشروع في حملة لإخضاع تايوان بالقوة للسيادة الصينية، فستحاول ضبط أفعالها كي تثبّط أي تدخل أميركي. ومثلاً، فقد تبدأ بخيارات عسكرية منخفضة التكلفة كالصواريخ والضربات الجوية المشتركة، وتصعّد إلى مجرد حصار، ثم الاستيلاء على الجزر البحرية، وأخيراً، ستنفذ غزواً شاملاً إذا فشلت أفعالها السابقة في إجبار تايوان على الاستسلام. سيكون من شأن هذا النهج التدريجي المُعتَمَدْ ببطء على مدى أشهر عدة بهدف الوصول إلى التوحيد المفروض بقوة السلاح؛ أن يجعل من الصعب على الولايات المتحدة تنفيذ رد قوي، خصوصاً إذا رغب حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة في تجنب الحرب بأي ثمن. ومن شأن النهج التدريجي والقسري أن يجبر واشنطن أيضاً على البدء بأعمال عدائية مباشرة بين القوتين [الصينية والأميركية]. وإذا لم تطلق الصين رصاصة على القوات الأميركية، فستجد الولايات المتحدة صعوبة أكبر في الدفاع داخل أميركا وفي العواصم الآسيوية، عن التدخل العسكري الأميركي الرامي إلى وقف الغزو الصيني البطيء الحركة. سيكون من شأن أي نهج تدريجي أن يولد فوائد سياسية داخلية لبكين أيضاً. وإذا تلقت الصين صداً دولياً أكثر من المتوقع، أو انخرطت في حملة ضد الولايات المتحدة بدأت تسير بشكل سيئ، فسيكون لديها مزيد من الفرص للانسحاب واعتبار أن "المهمة قد أنجزت".
وفي المقابل، تستطيع الصين أن تقرر التصعيد بسرعة أكبر إذا استخلصت أن الولايات المتحدة من المرجح أن تتدخل عسكرياً بغض النظر عن تحرك بكين بسرعة أو بتدرج. كذلك يعتقد الاستراتيجيون العسكريون الصينيون أنهم إذا منحوا الولايات المتحدة وقتاً كي تعبئ قوة السلاح وتحشدها بالقرب من مضيق تايوان، فإن فرص الصين في تحقيق النصر ستنخفض بشكل كبير. نتيجة لذلك، يمكنها أن تقرّر ضرب القواعد الأميركية في المنطقة بشكل استباقي، ما يعيق قدرة واشنطن على الرد.
بعبارة أخرى، يمكن للردع الأميركي، إذا استند إلى تهديد فعلي بالتدخل عسكرياً في حماية تايوان، أن يحفز في الواقع هجوماً على القوات الأميركية بمجرد أن تقرر بكين التصرّف. كلما زادت مصداقية التهديد الأميركي بالتدخل، ارتفعت إمكانية أن تضرب الصين القوات الأميركية في المنطقة ضمن هجومها الافتتاحي. وفي المقابل، إذا اعتقدت الصين أن الولايات المتحدة قد تظل بعيدة عن الصراع، فسوف ترفض مهاجمة القوات الأميركية في المنطقة، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى دخول الولايات المتحدة في الحرب.
آمال وأمنيات
ما الذي قد يثني شي عن السعي وراء تحقيق الوحدة بقوة السلاح، سوى القوة العسكرية الأميركية؟ يعتقد معظم المحللين الغربيين أن تفاني شي في خطته المميزة في تحقيق "الحلم الصيني" بـ"تجديد الأمة"، الذي يتطلب منه الحفاظ على النمو الاقتصادي وتحسين مكانة الصين الدولية؛ (أن تفانيه) سوف يردعه عن استخدام القوة العسكرية والمخاطرة بإفساد أجندته. وكذلك يجادلون بأن التكاليف الاقتصادية للحملة العسكرية ضد تايوان ستكون باهظة للغاية، وستترك الصين معزولة تماماً دولياً، إضافة إلى أن الاحتلال الصيني للجزيرة سيقيّد بكين عقوداً آتية.
من وجهة مغايرة، تبدو الحجج حول تكلفة تنفيذ سياسة الوحدة بالقوة صينيّاً، مستندة إلى التوقعات الأميركية والأمنيات أكثر منها على الحقائق. فمن شأن نزاع قاسٍ وطويل الأمد أن يكون مكلفاً بالفعل بالنسبة إلى الصين، لكن مخططي الحرب الصينيين اعتزموا تجنب هذا السيناريو. وبالتالي، فمن غير المرجح أن تهاجم الصين تايوان ما لم تكن واثقة من قدرتها على تحقيق نصر سريع، بل تكون صيغته المثالية في أن يُنجَزَ حتى قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من الرد.
في المقابل، حتى لو وجدت الصين نفسها في حرب طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، فقد يعتقد القادة الصينيون أن لديهم مزايا اجتماعية واقتصادية من شأنها أن تمكنهم من الصمود أكثر من الأميركيين. إنهم يرون أن الشعب الصيني أكثر استعداداً لتقديم تضحيات من أجل قضية تايوان، بالمقارنة مع الشعب الأميركي. ويجادل البعض أيضاً بأن السوق المحلية الكبيرة للصين تجعلها أقل اعتماداً على التجارة الدولية بالمقارنة مع بلدان عدّة أخرى. (كلما انفصلت الصين اقتصادياً عن الولايات المتحدة واقتربت من الاكتفاء الذاتي تكنولوجياً، تزداد هذه الميزة). كذلك يمكن للقادة الصينيين أيضاً أن يشعروا بالراحة بسبب قدرتهم على الانتقال السريع إلى قاعدة صناعية في زمن الحرب. بينما لا تملك الولايات المتحدة قدرة مماثلة على إنتاج معدات عسكرية بسرعة.
في إطار واسع، قد تبدو العزلة الدولية والعقاب المنسق لبكين بمثابة تهديد أكبر لتجربة شي الصينية العظيمة. في ذلك الصدد، يبرز أن ثمانية من أكبر عشرة شركاء تجاريين للصين هم من الدول الديمقراطية، ونحو 60 في المئة من صادرات الصين تذهب إلى الولايات المتحدة وحلفائها. إذا استجابت تلك الدول لهجوم صيني على تايوان بقطع العلاقات التجارية مع الصين، فمن الممكن أن تهدد التكاليف الاقتصادية كل المكونات التنموية لخطة التجديد التي ينوي شي تنفيذها.
قد يعتقد شي أنه يستطيع استعادة السيطرة على تايوان من دون تعريض حلمه الصيني للخطر
ومن جهة أخرى، يملك القادة الصينيون سبباً وجيهاً للشك في أن العزلة والازدراء الدوليين سيكونان معتدلين نسبياً. وتذكيراً، حينما بدأت الصين في عقد شراكات استراتيجية في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، طلبتْ بكين من الدول والمنظمات الأخرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، التوقيع على اتفاقات طويلة الأجل هدفها إعطاء الأولوية لتلك العلاقات، مع إدارة أي توترات أو اضطرابات بشكل استباقي. في تلك الاتفاقات كلها، يرد ذكر التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي والعمل معاً في الأمم المتحدة. كذلك يتضمن معظمها بنوداً تدعم موقف بكين بشأن تايوان. (منذ عام 1996، أقنعت الصين أكثر من 12 دولة بتحويل اعترافها الدبلوماسي إلى بكين، تاركة تايوان مع 15 من الحلفاء المتبقين). وبتعبير آخر، أرسل عدد من أهم شركاء الصين التجاريين إشارة قوية بأنهم لن يَدَعوا تايوان تعرقل علاقاتهم مع بكين.
في ذلك الصدد، سواء أكانت الصين تجبر شركات الطيران على إخراج تايوان من خرائطها أو تضغط على شركة "باراماونت بيكتشرز" Paramount Pictures لإزالة العلم التايواني من سترة البطل في فيلم "توب غان مافريك" Top Gun Maverick، فقد نجحت إلى حد كبير في إقناع بلدان عدّة بأن تايوان مسألة داخلية يجب عدم التدخّل فيها. في المقابل، أبدت أستراليا حذراً بشأن توسيع تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وترددت حتى في التفكير في خطة طوارئ مشتركة من أجل تايوان (على الرغم من أن مسار الأمور يتغيّر في "كانبيرا" على ما يبدو). وتُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأوروبيين يقدّرون علاقاتهم الاقتصادية مع الصين والولايات المتحدة بالقدر نفسه تقريباً، ولا يريدون أن يعلقوا وسط مرمى النيران. وكذلك يسري شعور مماثل بين دول جنوب شرقي آسيا. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية صانعي السياسة وقادة الفكر في الدول الأعضاء في "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان) يعتقدون أن أفضل نهج للتعامل مع السجال بين الولايات المتحدة والصين يتمثّل في أن تعمل الرابطة على "تعزيز صمودها ووحدتها كي تصد ضغوطهما معاً". وقد صاغ تلك الفكرة نفسها أحد المسؤولين الكوريين الجنوبيين بشكل لافت في مقابلة مع مجلّة "ذا أتلنتيك"، حين قارن الحاجة إلى اختيار طرف في النزاع الأميركي الصيني بـ"سؤال الطفل من يحبّ أكثر، والده أو والدته". وبالتالي، تشير مثل تلك المواقف إلى أن الولايات المتحدة ستكافح كي تقنع حلفاءها بعزل الصين. وإذا شكلت ردّة الفعل الدولي على حملات بكين القمعية في هونغ كونغ ومقاطعة "شينجيانغ" [ضد الأويغور] مؤشراً، فإن أقصى ما يمكن أن تتوقعه الصين بعد غزو تايوان يتجسّد في بعض العقوبات الرمزية وكلمات النقد.
من وجهة متصلة، لم يعد رادعاً ذلك الخطر المتمثل في استمرار التمرد الدموي في تايوان طيلة سنوات واستنزاف موارد بكين فيه، بل إن فكرة أن يشكّل رادعاً مرتبطة بندبات الولايات المتحدة من حرب أفغانستان والعراق أكثر من ارتباطها بالسيناريوهات المحتملة في تايوان. وتفترض الكتب المدرسية العسكرية في "جيش التحرير الشعبي" أنه من الضروري تنفيذ حملة كبيرة هدفها تعزيز السلطة، بعد اختراق قوات الجيش دفاعات تايوان الساحلية، لكنها لا تعبّر عن قلق كبير حيال ذلك. واستطراداً، فقد يكمن السبب وراء ذلك في أنه على الرغم من عدم خوض "جيش التحرير الشعبي" أي حرب منذ 1979 [ضد فيتنام]، فإن الصين تملك خبرة واسعة في القمع الداخلي، وتخصص موارد لمصلحة تلك المهمة أكثر مما تخصّصه لجيشها. إذ تضم "الشرطة الشعبية المسلحة" ما لا يقل عن 1.5 مليون عنصر، تتجسّد مهمتهم الأساسية في قمع المعارضة. وبالمقارنة مع المهمة العسكرية المتمثلة بغزو تايوان والاستيلاء عليها في المقام الأول، فإن احتلالها ربما يبدو بغاية السهولة.
لكل هذه الأسباب، قد يعتقد شي أنه يستطيع استعادة السيطرة على تايوان من دون تعريض حلمه الصيني للخطر. وكذلك من الملفت أن مقالات قليلة ضمن سيول التعليقات التي خرجت من الصين في الأشهر الأخيرة في موضوع تايوان، قد أشارت إلى تكاليف الحرب أو ردّة الفعل المحتملة من قِبَل المجتمع الدولي. ووفق ما أوضح لي أخيراً أحد الضباط العسكريين الرفيعي المستوى من المتقاعدين، فإن اهتمام الصين الرئيس ليس التكاليف، بل السيادة. إذ سيقاتل القادة الصينيون دائماً من أجل ما هو ملكهم. وإذا هزمت الصين الولايات المتحدة أثناء تنكبها ذلك الطريق، فستصبح القوة المهيمنة الجديدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي. تبدو الآمال مغرية. علاوة على ذلك، يتكوّن السيناريو الأسوأ من أن تتفاعل الولايات المتحدة بشكل أسرع وأكثر فعالية مما قد يكون متوقعاً، ما يجبر الصين على إعلان النصر بعد مكاسب محدودة والعودة إلى الوطن. وحينها، ستعيش بكين بانتظار الاستيلاء على تايوان يوماً آخر.
لا يوجد مخرج
تجعل هذه الحقائق من الصعب للغاية على الولايات المتحدة تغيير حسابات الصين بشأن تايوان. لقد حاجج ريتشارد هاس وديفيد ساكس من "مجلس العلاقات الخارجية" Council on Foreign Relations في مقال لهما في مجلة "فورين أفيرز" Foreign Affairs بأن الولايات المتحدة يمكنها تحسين الردع عبر المضيق من خلال إنهاء سياستها الطويلة الأمد المتمثلة في "الغموض الاستراتيجي"، أي رفض تحديد ما إذا كانت ستدافع عن تايوان أم لا. في المقابل، لا تكمن المشكلة الرئيسة في عزيمة الولايات المتحدة، بما أنّ القادة الصينيين يفترضون أصلاً أن الولايات المتحدة ستتدخل. يتمثّل الأمر الذي يهتم به شي وغيره من كبار القادة الصينيين في مدى اعتقادهم بإمكانية انتصار "جيش التحرير الشعبي" حتى في مواجهة التدخل الأميركي. لهذا السبب، يتطلب الردع الناجح إقناع الصين بأن الولايات المتحدة يمكن أن تمنعها من تحقيق أهدافها العسكرية في تايوان، وهي مهمة صعبة ستأتي مع سلبياتها ومخاطرها المحتملة.
وبالتالي، تتمثل إحدى طرق إقناع بكين في تطوير القدرات اللازمة لمنعها فعلياً من الاستحواذ على تايوان، في أسلوب الردع بالمنع. وسيشمل ذلك وضع قاذفات صواريخ وطائرات مسلحة من دون طيار في أمكنة قريبة من تايوان، وتكديس مزيد من الذخائر البعيدة المدى، وخصوصاً الأسلحة المضادة للسفن، في أماكن تشمل جزر غوام واليابان والفيليبين. ستساعد هذه الأسلحة في صد اعتداء جوي وبرمائي صيني في المراحل الأولى من الهجوم. إذا علم القادة الصينيون أن قواتهم لا تستطيع عبور المضيق فعلياً، فلن يفكروا في المحاولة إلا في حال اتخذت تايوان الخطوة المرفوضة كلياً، أي إعلان استقلالها.
واستكمالاً، ستحتاج الولايات المتحدة أيضاً إلى الاستثمار بكثافة في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في تلك المنطقة. إذ تكمن جاذبية الغزو الكامل من منظور الصين، في إمكانية تحقيق المفاجأة، بمعنى ألا تتمكن الولايات المتحدة من الرد عسكرياً إلا بعد سيطرة بكين على الجزيرة وانتهاء الحرب. وبغض النظر عن التحديات العملياتية بشأن مثل هذا الرد، سيكون من الصعب سياسياً على أي رئيس أميركي أن يأذن بشن هجوم على الصين في حال لم تُطلَق رصاصة واحدة آنذاك.
سيكون الوجود العسكري والاستخباراتي الأميركي المعزز في منطقة المحيطين الهندي والهادي كافياً لردع معظم أشكال تنفيذ الوحدة بقوة السلاح، لكنه لن يمنع كلياً الصين من استخدام القوة. فمن الممكن أن تحاول بكين استخدام الضربات الصاروخية بهدف إقناع تايوان بالانصياع لإرادتها. وكي تردع كامل العدوان العسكري الصيني، ستحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون مستعدة لتدمير بطاريات الصواريخ الصينية، وقد ينطوي هذا على ضربات أميركية على البر الصيني الرئيس. حتى إذا تحسنت القدرات الاستخباراتية الأميركية، يُخشى أن تعتقد الولايات المتحدة خطأً بأن التدريبات العسكرية الصينية تشكل استعدادات لغزو الجزيرة، فتشعل حرباً عن طريق الخطأ. وتدرك الصين ذلك، وقد تستنتج أن الولايات المتحدة لن تجازف.
وكخلاصة، إن الطريقة الأكثر فعالية في ردع القادة الصينيين عن مهاجمة تايوان هي أيضاً الأكثر صعوبة، بمعنى أنها تتجسّد في إقناعهم بأن تحقيق الوحدة بقوة السلاح سيكلف الصين حلمها بتجديد الأمة. ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل ذلك بمفردها. ستحتاج واشنطن إلى إقناع ائتلاف كبير من الحلفاء بالالتزام بردّ اقتصادي وسياسي وعسكري منسق على أي عدوان صيني. ولا يزال ذلك احتمالاً بعيداً، بما أن بلداناً كثيرة غير مستعدة للمخاطرة بآفاقها الاقتصادية، إضافة إلى دخول حرب بين القوى الكبرى، من أجل الدفاع عن جزيرة ديمقراطية صغيرة.
إذاً، في النهاية، لا وجود لحل سريع وسهل بشأن التوترات المتصاعدة عبر المضيق. وتتمثّل الطريقة الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها ضمان أمن تايوان في جعل الغزو مستحيلاً بالنسبة إلى بكين أو إقناع القادة الصينيين بأن استخدام القوة سيجعلهم منبوذين. في المقابل، على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، سعت بكين إلى منع واشنطن من تنفيذ أيٍّ من الأمرين. ولسوء حظ تايوان، لم تستيقظ الولايات المتحدة إلا الآن على الواقع الجديد.
* أوريانا سكايلر ماسترو زميلة في "معهد فريمان سبوغلي" للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد وزميلة غير مقيمة رفيعة الشأن في "معهد أميركان إنتربرايز".
مترجم من فورين أفيرز، يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 2021