تكشف مصادر دبلوماسية عن أن الاجتماع الأخير الذي جمع وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة جرى خلاله الاتفاق على "خريطة طريق للأزمة اللبنانية"، الأولوية فيها لتشكيل حكومة وإجراء انتخابات نيابية. وأعلن جان إيف لودريان، بعد لقائه نظيره الأميركي أنطوني بلينكن، "اتفقنا على حل للبنان".
لكن، أي تفاصيل لم تُكشف عن كيفية الوصول إلى الحل؟ وما الوسائل المتاحة أمام الفرنسيين والأميركيين لتحقيق ذلك؟ وبات السؤال هل يمكن أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام العقوبات كوسيلة للضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل حكومة وإجراء الإصلاحات، شأنها شأن فرنسا والاتحاد الأوروبي؟
فرضت التساؤلات نفسها بعد سلسلة مؤشرات، كان أبرزها ما كشف عنه مساعد وزير الخارجية الأميركية بالإنابة جوي هود في إطلالة تلفزيونية، الذي تزامن مع زيارة وفد من مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع للخزانة الأميركية إلى بيروت، للبحث في قضايا متعلقة بالفساد والتمويل غير الشرعي ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن إعلان البيت الأبيض قرار الرئيس الأميركي التمديد لحالة الطوارئ الوطنية تجاه لبنان لعام جديد.
هل تكون حالة الطوارئ باب الضغط على لبنان؟
شكّل كلام هود الترجمة الأولى لما كان يُحكى دائماً عن تنسيق فرنسي أميركي حول الملف اللبناني منذ تسلّم جو بايدن الرئاسة. تحدث هود عن ضغط ستفرضه واشنطن مع باريس والشركاء الأوروبيين ودول الخليج على القادة اللبنانيين، ليعلموا أنه غير مرحب بهم في هذه الدول، وأنهم لن يتمكّنوا من العمل معها لا حكومياً ولا اقتصادياً.
وأعلن مساعد وزير الخارجية الأميركية عن تحركات ستنشط في الأيام المقبلة من قبل هذه الدول، موضحاً أن هذه النشاطات ستتغير من أسبوع إلى آخر وفق الرد الذي سيصل من بيروت، أي بكلام آخر من المحتمل أن تتغير القرارات، وفق ما سيحصل على خط الحكومة.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ "اندبندنت عربية" عن أن هود سيتوجه خلال هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط من دون أن يعني ذلك أن زيارته إلى المنطقة ستشمل لبنان. وإلى كلام هود، جاء قرار الرئيس الأميركي بتمديد حالة الطوارئ الوطنية تجاه لبنان، التي كانت ستنتهي الشهر المقبل.
وحالة الطوارئ التي وضعت عام 2007 في عهد الرئيس جورج بوش على إثر خروج الجيش السوري من لبنان، هي حق يمنحه الكونغرس الأميركي للسلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس البلاد، للتعامل مع الأزمات المستجدة واتخاذ قرارات حاسمة أمام ظروف طارئة تمثل تهديدات كبرى على الأمن القومي.
ربما يكون قرار التمديد طبيعياً، لا سيما أن كل الرؤساء الذين سبقوا بايدن ومنهم أوباما كانوا يمددون حالة الطوارئ الخاصة بلبنان كل عام. لكن أهمية التمديد هذه المرة أنه يأتي فيما البلد في أزمة سياسية حادة، وعلى وقع مفاوضات فيينا المتوقفة حالياً.
والمعلوم أن حالة الطوارئ تمنح الرئيس الأميركي حق إعلان أمر تنفيذي في لبنان، ومن خلاله يمكنه أن يتخذ قرارات كالعقوبات مثلاً بحق من يعتبره يقوّض السيادة اللبنانية، وهو أشار إلى "حزب الله" وسلاحه الإيراني، وضد من يعطّل المسار الديمقراطي في البلد وينتهك حقوق الإنسان فيه.
ويحق للرئيس الأميركي فرض عقوبات على البلاد أو تجميد بعض أصولها الخارجية أو معاقبة الحكام المستبدين أو الإرهابيين أو منظمات أجنبية تضرّ بالمصالح الأميركية. وحالة الطوارئ هي واحدة من الوسائل التي يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يستخدمها بحق مسؤولين وأحزاب من دون العودة إلى الكونغرس أو الخزانة الأميركية.
لا اهتمام فوق العادة
يشرح بعض المطلعين على كواليس السياسة الأميركية الخارجية أن الاهتمام في واشنطن حالياً ينصب على المواضيع الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين، وخارجياً يستحوذ ملف أفغانستان على اهتمام إدارة بايدن وبطبيعة الحال ملفات الصين وروسيا وإيران. أما في شأن لبنان، فما يُحكى في الإعلام يُحكى أيضاً في كواليس المقرات الأميركية، فالأولوية بالنسبة إلى واشنطن لا تزال تشكيل حكومة تسبق الانتخابات النيابية وقادرة على تنفيذ الإصلاحات، وهم ينسقون في ذلك مع فرنسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتكشف المصادر الدبلوماسية ألّا اهتمام أميركياً بالملف اللبناني خارج إطار حراك السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا مع زميلتها الفرنسية آن غريو والزيارة التي قامتا بها إلى الرياض، لتشجيع شركائهما العرب على المساعدة الإنسانية في لبنان للحؤول دون الانهيار الكامل.
وتخلص المصادر للقول إن الأميركيين يضعون حالياً الملف اللبناني في عهدة الفرنسيين. وربما يكون عدم تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى حتى الآن، مؤشراً إلى حجم الاهتمام الأميركي الحالي بمنطقة الشرق الأوسط، من بينها الملف اللبناني، الذي ليس الأولوية حالياً. فالمرشحة لتولّي هذا المنصب باربرا ليف، لم تُحدد لها بعد جلسة استماع في مجلس الشيوخ، بالتالي قبل تسلّمها مهماتها، لا يمكن الحديث عن متابعة أميركية لملفات المنطقة، حتى المساعد الحالي بالوكالة لديه ملفات آسيا أيضاً بالوكالة، ويجد أعضاء الكونغرس صعوبة في الاجتماع به نظراً إلى كثرة الملفات الملقاة على عاتقه.
مسار العقوبات الأميركية
على الرغم من سؤال البعض هل تسبق العقوبات الأميركية العقوبات الأوروبية؟ يعترف المطلعون على كيفية سير الأمور أن العقوبات الأميركية كما الأوروبية، تحتاج إلى مسار طويل، ولا يمكن أن تُتّخذ بين ليلة وضحاها، علماً أن الاهتمام الأميركي ينحصر حالياً بتوفير المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني وللجيش والقوى الأمنية، وهم كما كل الدول الأعضاء في مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، يشترطون قبل تقديم أي مساعدات أخرى تشكيل حكومة وتنفيذ الإصلاحات الضرورية.
وفيما تتحدث مصادر دبلوماسية عن إعلان فرنسي مهم سيصدر عن الإليزيه أو الرئيس الفرنسي في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ربطه البعض بموضوع العقوبات الأوروبية، يكشف بعض المطلعين على ما يدور في الكواليس الأميركية عن تساؤلات لدى المسؤولين الأميركيين في شأن العقوبات الأوروبية والفرنسية، وكيف يمكن تنفيذها في غياب قوانين خاصة بها، على غرار العقوبات الأميركية التي تستند إلى قانون "ماغنتسكي" المتعلق بالتعدّي على حقوق الإنسان أو الفساد وقوانين تتعلق بالإرهاب وقانون "قيصر" الخاص بالتعامل مع النظام السوري، فكيف يمكن لفرنسا وأوروبا أن يفرضا عقوبات وعلى أي أساس ووفق أي قانون؟، علماً أن هذه التساؤلات كانت لا تزال حاضرة لدى الدبلوماسية الأميركية حتى بعد الإعلان عن اتفاق أوروبي على فرض العقوبات على المسؤولين اللبنانيين بانتظار الاتفاق على آلية قانونية لتحقيق ذلك.
صحيح أن مساعد وزير الخارجية بالوكالة جوي هود هدد بإجراءات ستتخذها بلاده مع دول أوروبية وعربية، فإن المصادر الدبلوماسية تؤكد أن التدابير التي من المحتمل أن تستخدمها أميركا ستختلف عن تلك الأوروبية، لا سيما أن لا قانون أميركياً يسمح بملاحقة معرقلي المسار السياسي الداخلي في لبنان، وإن كانت الإجراءات المقصودة قد تبقى غير معلنة، وتقتصر على منع منح المعرقل تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، وهو ما لمّح إليه مساعد وزير الخارجية في قوله: "سنقوم بالضغط على القادة اللبنانيين ليعلموا أنه غير مرحب بهم في أميركا وأوروبا ودول الخليج، وأنهم لن يتمكنوا من العمل مع هذه الدول لا حكومياً ولا اقتصادياً".
حتى الآن، لا تزال الأمور غير واضحة على صعيد العقوبات الأميركية، لكن الأكيد أنه بدأت تترسخ لدى الأميركيين قناعة بضرورة التغيير، والتغيير لن يحصل، بحسب رأيهم، إلا من خلال انتخابات نيابية، في موعدها أو مبكرة إذا اضطر الأمر، والضغط لإجراء الانتخابات النيابية أمر متفق عليه بين الأميركيين والفرنسيين.
من هنا تنشط فرنسا ومعها أميركا باتجاه إقناع دول عربية لتأمين صمود لبنان بالحد الأدنى حتى موعد الانتخابات النيابية، ومؤتمر باريس في أوائل أغسطس (آب) المقبل والمخصص لمساعدة الشعب اللبناني بعد مؤتمر عُقد لمساعدة الجيش والقوى الأمنية، يصبّ في هذا الهدف.