في المملكة المتحدة تواجه المستشفيات وخدمات الإسعاف أزمة متفاقمة نتيجة ارتفاع كبير في أعداد إصابات "كوفيد-19"، في وقت يتزامن رفع جميع القيود مع عبء إضافي ناجم عن موجة الحر وعودة آلاف العمال إلى المكاتب.
في إحدى المستشفيات التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس NHS)، تغيب أكثر من نصف الموظفين عن وظائفهم لالتزامهم العزل الذاتي، مما تسبب بإلغاء العمليات الجراحية، فيما قفز عدد مرضى "كوفيد-19" في إنجلترا بمقدار الثلث في الأسبوع الماضي.
في مؤتمر صحافي عقده في "داونينغ ستريت" مقر رئاسة الوزراء، قال كبير المستشارين العلميين لدى الحكومة البريطانية باتريك فالانس، إنه يتوقع أن تشهد مستشفيات "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" دخول 1000 مريض يومياً في وقت قريب.
وتجيء تصريحات فالانس في وقت تشير المستشفيات وخدمات الإسعاف إلى زيادة في إقبال المرضى مع إعادة توزيع الموظفين على أجنحة "كوفيد-19" الجديدة وعدم الرد على المكالمات الواردة إلى خط الحالات الطبية الطارئة 999 خلال دقائق فاصلة بالنسبة إلى المرضى بسبب نقص الموظفين.
وجراء موجة الحر الحارقة التي ضربت البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت "خدمة الإسعاف في ويست ميدلاندز" عن "ضغط شديد" تتعرض له مع تجاوز أعداد المكالمات الواردة إلى رقم الطوارئ 999، المستويات التي يشهدها عادة عيد رأس السنة الجديدة.
في مختلف أنحاء إنجلترا استقبلت المستشفيات 3813 مريضاً بـ "كوفيد-19"، بزيادة بلغت 36 في المئة مقارنة مع الأسبوع الماضي. يشغل ذلك حوالى ثلاثة في المئة من إجمالي الأسرة في مستشفيات "أن أتش أس"، غير أن هذه الأعداد الصغيرة تترك تأثيراً في الخدمات أكثر من غيرها.
يوم الخميس الماضي، ألغت "مستشفيات برمنغهام الجامعية" جراحاتها الانتقائية كافة، من بينها عمليات زرع الكبد، وكذلك أرجأ "مستشفى ليدز التعليمي" جراحات لعلاج السرطان، مع حالات تأخير اضطرت إليها أيضاً مستشفيات في مانشستر ونيوكاسل.
في "مستشفى هال الملكي" Hull Royal Infirmary، تغيب أكثر من نصف الموظفين، أي ما يزيد على 400 عامل، لأنهم إما مصابون بالفيروس أو يعزلون أنفسهم مضطرين جراء ما يسمى "وباء التنبيهات" الذي تسبب به التطبيق الرقمي التابع لـ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" الخاص الذي يتتبع مخالطي مرضى "كوفيد-19".
وأعلنت الحكومة اعتزامها تخفيف تلك القواعد بالنسبة إلى موظفي الخدمات الصحية، في سبيل الإبقاء على بعض الخدمات الصحية متوافرة أمام المرضى.
كذلك شهد "مستشفى هال الملكي" التابع لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" مستويات عالية من الطلب على قسم "الحوادث والطوارئ"، إذ يقصده بانتظام أكثر من 400 مريض في وحدة صحية مصممة لاستقبال 350 مريضاً بحد أقصى. ويوم الأربعاء من الأسبوع الماضي لم يتوافر في المنشأة الطبية سوى سريرين شاغرين، وفق موظفين، فيما ينتظر بعض المرضى طويلاً، من 15 إلى 20 ساعة، قبل الحصول على سرير.
في "مستشفى ويست ميدلاندز"، أبلغ رؤساء خدمات الإسعاف عن مستويات غير مسبوقة من المكالمات الواردة إلى رقم الطوارئ 999، مع اعتراف الرئيس التنفيذي أنتوني مارش بأنه لم يتبق في الخدمة عدد كاف من الموظفين لاستقبال المكالمات.
وفي جلسة إحاطة للموظفين، ذكر المستشفى أنه خلال "الأسبوع الماضي تحطمت الأرقام القياسية كافة المتصلة بالطلبات الاستشفائية مقارنة مع مستويات بالكاد يمكن أخذها في الحسبان سُجلت قبل بضعة أشهر فقط. ويوم الاثنين الماضي (12 يوليو)، استقبل المرفق الطبي التابع لـ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" 6406 مكالمات طارئة في أقل تقدير، أي أكثر نحو 600 مكالمة من المكالمات الوادرة في يوم اعتبر سابقاً الأكثر ازدحاماً، وهو الخميس الماضي الواقع في 8 يوليو (تموز) الحالي. أما الإثنين الماضي فتلقى الموظفون على خط الطوارئ أكثر من 340 مكالمة خلال ساعة واحدة، وهو أمر ربما كنت تتوقع حدوثه في ليلة رأس السنة الجديدة، وليس صباح يوم إثنين".
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تلقى المستشفى 16058 مكالمة طارئة، مقارنة بـ 12300 مكالمة بين 1 و3 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.
وتسبب حجم المكالمات المهول في تأخير كبير في الاستجابة للمرضى، لذا عاود هؤلاء والقلق يعتريهم الاتصال بالرقم مجدداً في وقت لاحق. وقال مدير المستشفى أنتوني مارش متوجهاً إلى الموظفين إنه "على الرغم من أننا ننقل الموظفين الذين تلقوا تدريباً مزدوجاً على خطي الطوارئ 111 و999 من الرد على مكالمات الرقم الأول إلى تولي الاتصالات الواردة على الرقم الثاني، إلا أننا ببساطة لا نملك عدداً كافياً من الموظفين".
وتكرر المشهد عينه في يوركشير، حيث قال أحد المسعفين إن الخدمة الطبية ليست آمنة.
ووجه "مستشفى يوركشير" نداء إلى الناس بعدم معاودة الاتصال أثناء انتظارهم وصول سيارة الإسعاف بعدما أدى ارتفاع الطلب إلى تلقيه 4449 مكالمة يوم السبت، بزيادة قدرها 40 في المئة عن المتوقع، وللأسف انتظرت المكالمات الأقل أهمية ساعات عدة قبل وصول سيارة إسعاف.
أحد المسعفين أخبر "اندبندنت" أن المكالمات الواردة إلى 999 أبقيت قيد الانتظار قبل الرد عليها، موضحاً أن واحدة منها في أقل تقدير كانت تنتظر 12 دقيقة للحصول على إجابة.
وأضاف المسعف أن "الوضع ليس آمناً، وعندما أنظر إلى المهمات (المرضى الذين يحتاجون إلى علاج)، أعلم أننا سنعجز عن إتمام أعمال عدة من بين تلك المهمات المتكدسة، بغض النظر عن مدى جودة فرز المرضى (بين حالات مستعجلة وأخرى تستطيع الانتظار)، وسيفوتنا تقديم المساعدة للبعض فقط جراء الحجم المهول من الحالات، وقد شهدنا مستويات قياسية من المرضى طوال شهر ولا أحد يعرف السبب".
وأوضح أن طواقم الإسعاف تواجه حالات تأخير طويلة من المستشفيات قبل استقبالها المرضى، مع انتظار مريض واحد أقله ست ساعات أمام "مستشفى بيندرفيلدز" في ويكفيلد.
من جهته، قال متحدث باسم "خدمة الإسعاف في يوركشير" إن هذه المنطقة شهدت خلال الأسابيع الأخيرة بعض أعلى الطلبات التي وصلتها على الإطلاق، مضيفاً أن الموظفين يواصلون "الاستجابة للمرضى الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية بأسرع ما يمكن، لكننا نقر بأن بعضهم يضطر إلى الانتظار لفترة أطول مما نبتغي، وتُصنف مكالمات الطوارئ كافة وفق طبيعة حال المريض أو إصابته، وتعطى الأولوية دائماً لمن يواجهون حالاً صحية تتهدد حياتهم".
وفي مختلف أنحاء إنجلترا، يفيد الآن سبعة من أصل 10 من إدارات الإسعاف التابعة لـ "أن أتش أس" عن "ضغوط شديدة" تتعرض لها خدماتها. عند الإعلان عن حالات "إنذار أسود" (العجز عن تقديم الخدمات الطبية الاعتيادية)، يفترض أن تستمر لفترات قصيرة فقط، ولكنها استمرت لأسابيع في بعض المناطق.
وتعيد المستشفيات أيضاً تنظيم عنابرها للتغلب على الارتفاع المتوقع في أعداد مرضى "كورونا" خلال الأسابيع المقبلة التي قد تشهد دخول ما بين 1000 و2000 مصاب يومياً.
واستعداداً للقفزة المتوقعة في الحالات، افتتح "مستشفى شيفيلد التعليمي"Sheffield Teaching Hospital جناحاً جديداً خاصاً بمرضى "كوفيد-19" أخيراً، فيما خفض تنفيذ بعض الجراحات الانتقائية، وقد ورد في رسالة موجهة إلى الموظفين اطلعت عليها "اندبندنت" أن كبار المديرين اتفقوا على أن بعض "العلاجات السريرية غير العاجلة يجب أن تتوقف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الأسبوعين الماضيين، شهد المستشفى زيادة في عدد مرضى "كوفيد-19" من ثلاثة إلى 54 مريضاً، في تسع من وحدات العناية المركزة، وقال متحدث باسم مستشفى شيفيلد التعليمي "إن معظم هؤلاء دون الـ 50 عاماً من العمر ولم يأخذوا اللقاح".
وأضاف المتحدث أن المستشفى افتتحت الآن جناحاً واحداً يضم 12 سريراً لمرضى "كوفيد-19"، كي تكون قادرة على تقديم العلاج للأعداد المتزايدة من المصابين.
"استعداداً لحدوث حالات إضافية الأسبوعين الحالي والمقبل، افتتحنا جناحاً واحداً لمصابي "كوفيد-19" بسعة 12 سريراً يتوفر لها موظفون".
في "مستشفيات نوتنغهام الجامعية"Nottingham University Hospitals Trust التابعة لـ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، قيل للموظفين بأن تفاقم حالات "كوفيد-19" خلال عطلة نهاية الأسبوع أفضى إلى أن جناحاً في مستشفى المدينة يُستخدم عادة للجراحات المقررة، سيستعمل بدلاً من ذلك كـ "سعة إضافية" للمرضى، وحتى الآن لم يتم تأخير أي جراحة.
أما في ليفربول، فأخبر موظفون "اندبندنت" أنهم بصدد وضع خطط لافتتاح جناح من أجل الأعداد المتزايدة في "مستشفى ليفربول الملكي الجامعي"Royal Liverpool University Hospital حيث كان أكثر من 80 مريضاً بـ "كوفيد-19" يتلقى العلاج يوم الجمعة، بينهم 19 في العناية المركزة.
وقال أحد الأطباء، "لا أعتقد أن الناس يدركون مقدار العبء الذي تنوء تحته المستشفيات فعلاً في الموجة الرابعة من كورونا. موظفونا منهكون ومعنوياتهم في الحضيض".
وأوضح أن المستشفى كان يمتلك أصلاً عدداً قليلاً جداً من الأسرة الطبية لنقل المرضى بين المستشفيات والمناطق الأخرى لأسباب تتعلق بالسعة فقط.
وأضاف أن "بعض أسرة العناية المركزة موضوعة خارج الاستخدام لأنه لا يتوفر لدينا عدد كاف من الموظفين لها، خمسة أسرة في أقل تقدير خارج الخدمة لهذا السبب".
أما ماثيو تيلور، الرئيس التنفيذي لدى "اتحاد الخدمات الصحية الوطنية" (الجهة التي تمثل منظمات الرعاية الصحية في أنحاء البلاد)، فقد قال إن خطة الحكومة البريطانية كانت في الأساس أشبه بالمقامرة، "ترزح الخدمات الصحية تحت ضغوط شديدة ومتزايدة إذ تبدو وكأنها تواجه اكتظاظ المرضى الذي تشهده أيام الشتاء عادة مع أننا في الصيف، ليس فقط في المستشفيات، ولكن عبر مجالات الرعاية الأولية والصحة العقلية والنفسية، وفي سيارات الإسعاف والخدمات المجتمعية".
"لقد رفعت الحكومة جميع القيود التي أملاها "كوفيد-19"، لكن القرار يمثل مقامرة مع وجود 50 ألف حالة تقريباً آخذة في الارتفاع، وتوقع البعض أننا قد نصل إلى 200 ألف إصابة يومياً في وقت لاحق من الصيف الحالي، يجب أن يكون توخي الحذر أمراً أساسياً"، أضاف تيلور.
تحدثت في هذا الشأن أيضاً إيلين ريابوف، رئيسة قسم العمليات في "مستشفيات جامعة هال التعليمية" التابعة لـ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، فقالت إننا "ما زلنا نواجه ضغوطاً على سعة الأسرة في "مستشفى هال الملكي"، لكن الأسبوع الماضي لم يكن مختلفاً عن الأسابيع الأخيرة الأخرى".
وأضافت، "لم نشهد أعداداً كبيرة من المرضى ينتظرون في قسم الطوارئ الخاص بنا طوال الفترة الزمنية المذكورة على الرغم من أن البعض يمكثون في الطوارئ وقتاً أطول كثيراً مما نود قبل الدخول إلى الجناح. نعتذر إليهم عن حالات التأخر تلك".
"على غرار المستشفيات الأخرى، اضطر بعض موظفينا إلى الالتزام بالعزل الذاتي خلال الأسابيع الأخيرة، وقد أثر ذلك سلباً في خدماتنا"، قالت ريابوف.
ولكن، ختمت ريابوف، "تمكنا من الإبقاء على معدل إلغاء الجراحات المقررة عند الحد الأدنى، مع إعادة توزيع موظفين وموارد إلى مناطق أخرى حرصاً على استمرارية العلاجات الاختيارية. وليست لدينا خطط لإلغاء العلاجات الاختيارية في المستقبل، ولكننا نبقي هذا الخيار قيد المراجعة المستمرة."
© The Independent