عمل المغرب خلال العقود الأخيرة على اعتماد توجه يهدف إلى ضمان تسهيل وجود المرأة في المجالين التشريعي والتنفيذي، وتكريس مبدأ المساواة الذي نصت عليه عديد من الاتفاقات والعهود الدولية التي صادقت عليها المملكة، إضافة إلى الدستور المغربي الذي ينص على أنه "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء".
الطريق نحو المناصفة
قال الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، إن "موضوع النساء والعمل السياسي والطريق من أجل المناصفة، يكتسي أهمية خاصة في سياقنا الوطني المتميز بالاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية ومحلية وجهوية، وما يجري فيه من نقاش مؤسساتي وعمومي في شأن حضور النساء في المؤسسات المنتخبة وفي شأن المسار الطويل إلى تحقيق المناصفة بين النساء والرجال في هذه الهيئات، بعد أن اعتمدت بلادنا عديداً من الآليات التشريعية، ومنها آلية التمييز الإيجابي لتيسير حضور النساء في المؤسساتي المنتخبة، وبالنتيجة، بطبيعة الحال، في الهيئات التنفيذية"، معتبراً أن المغرب راكم عديداً من الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والسياسية على مدى نحو ثلاثة عقود، كانت المسألة النسائية وإشكالية النوع الاجتماعي وحقوق المرأة والمسؤولية المشتركة داخل الأسرة في صلبها.
ويضيف المالكي، "فلئن كان حق التصويت وحق الترشح، وحق تقلد المناصب المدنية والعسكرية حقاً متأصلاً مكفولاً للمرأة منذ أول دستور يصادق عليه الشعب المغربي من خلال الاستفتاء في مطلع الستينيات من القرن الماضي، فإن طموحنا الوطني الجماعي الثابت هو تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء، والإقرار الفعلي لتمتع النساء والرجال بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المنصوص عليها في الدستور، كما هو وارد في الفصل 19 من القانون الأسمى للبلاد، الذي ينص أيضاً على إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز لإعمال هذه الحقوق"، مذكراً باعتماد المغرب لمدونة الأسرة من خلال منهجية التوافق وإشراك الأحزاب السياسية والهيئات المدنية والعلماء والمثقفين من مختلف الاتجاهات، ما أثمر مدونةً خضعت لمسطرة التشريع وصودق عليها بالإجماع، واعتبرت وقتها (ولا تزال) خطوةً متقدمةً وجريئة في العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم إصلاح قانون الجنسية على النحو الذي يكفل لأبناء المرأة المغربية من زوج أجنبي الحصول على الجنسية المغربية، ثم مصادقة المغرب على عدد من الآليات الدولية المتعلقة بحقوق النساء، والمصادقة على عدد من القوانين التي تجرم وتعاقب على ممارسة العنف ضد النساء، فيما تعتبر كفالة حقوق النساء والتمكين الاقتصادي لهن، مقتضيات التقائية في عدد من القوانين والآليات التنظيمية.
وكان المجلس الوزاري قد أقر تعديلات على القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى)، حيث تم تعويض اللائحة الوطنية التي كانت تضم 90 عضواً بلائحة جهوية مقسمة على 12 جهة بحسب عدد السكان، وتضم كل لائحة جهوية مرشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد مقاعد كل دائرة انتخابية جهوية، مع تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة حصرياً للنساء.
التمييز الإيجابي
وكان المغرب قد نهج سياسة التمييز الإيجابي بحق النساء في الانتخابات، حيث اعتمد في عام 2002 نظام "الكوتا" (الحصة) مخصصاً لهن 30 مقعداً بالبرلمان قصد ضمان مشاركة النساء في المجال النيابي، وأصبحت تلك الحصة 60 مقعداً منذ عام 2011، إلا أن هناك من اعتبر الخطوة غير دستورية، وأنها تكرس نسق علاقات المرشحين بزعامات أحزابهم للحصول على التزكية بدل الاعتماد على الكفاءة. ويشير المحلل السياسي المغربي، رشيد الأزرق، إلى أن الأساس "ليس حضور النساء في الحياة السياسية عددياً فقط، بل الواجب وجود الكفاءة والنجاعة في العمل السياسي".
من جانبها، أشارت عضوة ائتلاف "المناصفة دابا"، خدوج السلاسي، أن المتتبع لمسلسل الاستحقاقات الانتخابية في المغرب على المستويات الوطنية والترابية يقف على التطور النسبي الحاصل في مجال التمثيلية السياسية للنساء، تلك التمثيلية التي ظلت شبه غائبة سنوات طويلة، ويعود الجزء الأكبر في هذا التطور إلى اعتماد نظام الحصص أو (الكوتا) على المستويين الجهوي والوطني، لتظل النسبة أقل على مستوى الجماعات المحلية، نظراً لغياب المقتضيات الملزمة، معتبرة أن نظام الحصة كان، ولا يزال، موضوع جدل دستوري فقهي وسياسي، لأنه لا يتناسق في المنطلق مع مفاهيم حقوقية كونية، مثل المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، باعتباره شكلاً من أشكال التمييز المعتمد لصالح النساء، إلا أنه تمييز إيجابي يسهم في معالجة مواطن الاختلال في مجال التمثيلية السياسية للنساء، مشيرة إلى وجود أصوات منادية بإلغاء هذا التمييز الإيجابي باعتباره "ريعاً سياسياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف السلاسي أن الوعي كان حاصلاً منذ البدء، وأن نظام الحصص إجراء غير ديمقراطي يساهم في تقليص المسافة نحو بلوغ وضع ديمقراطي، وكانت القناعة قائمة أنها آلية مؤقتة، محدودة في الزمان والمكان يتم الاستغناء عنها متى تحققت الأهداف المنشودة منها على المستويات السياسية والبيداغوجية والثقافية.
ويشير المالكي إلى أن آليات التمييز الإيجابي يسرت في ما يخص انتخاب أعضاء مجلس النواب، على سبيل المثال، ابتداءً من 2002، ضمان وجود 35 سيدة في مجلس النواب، بعد أن كان عدد النساء لا يتجاوز اثنتين خلال الولاية التشريعية 1993-1997، وخمس سيدات خلال الولاية التشريعية 1997-2002، ومكّن التمييز الإيجابي اليوم من انتخاب 70 سيدة على الأقل من خلال اللائحة الوطنية، ما رفع العدد الإجمالي للنساء في المجلس إلى 81 سيدة، أي بنسبة 21 في المئة من مجموع أعضاء المجلس، مشدداً على كون الإصلاحات والتعديلات التي جرى اعتمادها أخيراً على القوانين الانتخابية، من شأنها تعزيز تمثيلية النساء في البرلمان وفي الجماعات الترابية، المحلية والإقليمية والجهوية.
مبادرة المناصفة الدستورية
عمل ائتلاف "المناصفة دابا" الذي يضم جمعيات الدفاع عن حقوق النساء وحقوق الإنسان وقيادات حزبية نقابية على جمع توقيعات على عريضة "تفعيل المناصفة الدستورية الفعلية في أفق 2030"، التي تهدف إلى تعزيز حضور المرأة على الساحة الوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وفق الفصل 19 من الدستور، وكذا تسريع عملية بناء المغرب الديمقراطي، إضافة إلى وضع قانون إطار يحدد قواعد المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، وتقوية وظيفة البرلمان في مراقبة التطبيق الفوري للنصوص القانونية المتعلقة بتمثيلية النساء في جميع المجالات.
وصرحت منسقة ائتلاف "المناصفة دابا"، وفاء حجي، بأن العمل انطلق منذ عام 2017، لتحقيق المناصفة الشاملة عبر إقرار قانون إطار للمناصفة في أفق 2030، مشيرة إلى إعداد "كتاب أبيض" من أجل المناصفة في المجال السياسي والمؤسساتي من خلال القيام بمسح شامل للنصوص التشريعية المعنية بموضوع تمثيلية المرأة في هيئات ومؤسسات صنع القرار على المستوى الوطني والمحلي، وتقديم مقترحات تهدف إلى إدخال تعديلات عليها بما يحقق المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء.
وقام الائتلاف بتقديم مشروع المناصفة إلى مجلس النواب من أجل تنزيل المناصفة في إطار قانون خاص قائم على منهجية مندمجة لحقوق النساء بحيث يكون تطبيقه من مسؤولية جميع الهيئات العمومية والخاصة: الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الوطنية والمحلية والشركات وفق ما ينص عليه الفصل التاسع عشر من الدستور.
وإثر قبول البرلمان المغربي للعريضة في يونيو الماضي أشاد الائتلاف بتفعيل مبدأ الديمقراطية التشاركية التي رسخت في الدستور، قائلاً "إننا نعتبر انفتاح المؤسسة التشريعية على المجتمع المدني وتجاوبها مع المطالب الحقوقية والاجتماعية هو تشجيع للمبادرات الهادفة وبناء جسور الثقة بين الفاعلين والمؤسسات، وترسيخاً لمبدأ الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، والمساهمة في توسيع المشاركة النسائية في كل المجالات، انسجاماً مع روح ومضمون الدستور الذي كرّس مبدأ المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز".
خطة المساواة
اعتمد المغرب خطة حكومية للمساواة تهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص أمام المرأة في المشاركة السياسية، حيث تشير وزارة الأسرة والتضامن إلى أن "المملكة المغربية، ولأول مرة، تعتمد سياسة عمومية مندمجة للمرأة كإطار لتحقيق التقائية مختلف المبادرات المتخذة لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات الوطنية وبرامج التنمية، وفق إجراءات دقيقة لتنزيل المساواة ومكافحـة كل أشـكال التمييز والعنف، حيث صادقت عام 2012 عـلـى خطو حكومية للمساواة (إكرام 1) تهـدف إلى المشاركة الكاملة والمنصفة في مختلف المجالات، كمـا تضمن الاستفادة المتساوية والمنصفة مـن نتائج وثمار هـذه المشاركة".
وتعتبر الوزارة أنه" تنزيلاً للبرنامج الحكومي 2017-2021 الذي أولى عناية خاصة للنهوض بأوضاع النساء وحمايتهن من خلال مجموعة من المقتضيات: تعزيز حقوق المرأة وتفعيل مبدأ المساواة، إرساء وتفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، إطلاق سياسة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء، اعتماد خطة حكومية ثانية للمساواة: إكرام، تقوية برنامج الإدماج الاقتصادي للمرأة والتمكين لها في الحقل التنموي"، مشيرة إلى أنه تفعيلاً للمكتسبات المحققة ضمن النسخة الأولى للخطة الحكومية للمساواة (إكرام 1) (2012-2016)، "تـم اعتماد النسخة الثانية للخطة الحكومية للمساواة (إكرام 2) (2017 2021)، التـي ترتكـز على التخطيط المبني علـى النتائج، وعلى المقاربة المجالية والتنزيل الترابي في البرمجة والتتبع، وفق مقاربة حقوقية وتشاركية ديمقراطية، من أجل التعاطي عــن قرب أكثر مع احتياجات المواطنات والمواطنين مــن جهة، والمساهمة في تقليـص التفاوتات الاجتماعية والمجالية من جهة ثانية".
وفي الوقت الذي لم يصل فيه المغرب حتى الآن إلى مناصفة كاملة، يعتبر رئيس مجلس النواب، أن الطريق إلى المناصفة لا يزال طويلاً، حيث لا يرتبط الأمر فقط بالإقرار بذلك في الدستور وفي التشريعات المتفرعة عنه وبالقرارات السياسية على أهميتها، لكن بالأساس بالثقافة المجتمعية، بتمثلات المجتمع لقضايا وحقوق النساء، بتمكين النساء من وسائل الاستقلال في التفكير والقرار، ومن وسائل الرقي الاجتماعي والتفتح، أي من التعليم والتكوين والولوج إلى المعرفة.