في خطوة مفاجئة، قرر البنك المركزي الأوروبي عدم تمديد توصيته الخاصة بأن تحد جميع البنوك من توزيعات الأرباح إلى ما بعد سبتمبر (أيلول) 2021. بدلاً من ذلك، سيقوم المشرفون بتقييم رأس المال وخطط التوزيع لكل بنك كجزء من عملية الإشراف المنتظمة.
وقال إنه سيرفع سقف ما يمكن للبنوك إعادته إلى المساهمين من خلال أرباح الأسهم وإعادة شراء الأسهم، في الوقت الذي يحثهم فيه على توخي الحذر نظراً لحالة عدم اليقين مع استمرار جائحة كورونا، وظهور عدد من المتحورات التي تنتشر حول العالم في الوقت الحالي.
قرار "المركزي الأوروبي" يعود إلى حالة الانتعاش التي يشهدها الاقتصاد الأوروبي، والتي جاءت مع التوسع في توزيع لقاحات فيروس كورونا، ما دفع إلى استقرار حالات الإصابة، وإمكان تجاوز الأزمة خلال موسم الشتاء المقبل. وبين "المركزي الأوروبي" أن "أحدث توقعات الاقتصاد الكلي تؤكد الانتعاش الاقتصادي، وتشير إلى انخفاض حالة عدم اليقين، ما يحسن موثوقية مسارات رؤوس أموال البنوك. ومع ذلك، يجب أن تظل البنوك حذرة عند اتخاذ قرار بشأن توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم".
الحالة الضبابية تفرض ضرورة توخي الحذر
ومنتصف يوليو (تموز) الحالي، رفع بنك إنجلترا المركزي قيوداً فرضها وقت الجائحة على توزيعات الأرباح الخاصة بالبنوك. وقال إن اختبار ضغط يجريه، أظهر أن القطاع يحظى برأسمال جيد للتصدي للتداعيات الناجمة من فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد. وقالت لجنة السياسة المالية في البنك، "حواجز الحماية الاستثنائية على توزيعات المساهمين لم تعد ضرورية، ونرى أن النتائج الموقتة لاختبار الضغط، بجانب التوقعات المركزية، تتسق مع القرار".
كان البنك المركزي الأوروبي قد أصدر حظراً فعلياً على المدفوعات في مارس (آذار) من العام الماضي، تزامن مع انتشار عنيف لحالات الإصابة بفيروس كورونا على مستوى العالم. وفي ديسمبر (كانون الأول)، قرر البنك تحديد توزيعات الأرباح وإعادة الشراء للأشهر التسعة الأولى من عام 2020 بنسبة 15 في المئة من أرباح العامين الماضيين، أو 20 نقطة أساس من نسبة رأس المال الرئيسة للبنك. وكان من المتوقع أن يرفع الحد الأقصى بعد أن قال إنه سيفعل ذلك "في حال عدم وجود تطورات معاكسة مادياً". ووفق حسابات وكالة "بلومبيرغ"، فإن أكبر عشرة بنوك في منطقة اليورو لديها أكثر من 22 مليار يورو (26 مليار دولار) مخصصة لتوزيعات الأرباح على المساهمين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من التوصية بعدم تمديد قرار حظر توزيع الأرباح، لكن "المركزي الأوروبي" عاد ليشدد على البنوك بضرورة توخي الحذر عند اتخاذ أي قرار بشأن المكافآت. إذ طالب بأن تقوم البنوك، بما فيها "دويتشه بنك" و"يوني كريديت" و"بي أن بي باريبا"، بتخفيض مجموعات المكافآت الخاصة بها لعام 2020، معتبراً إياها سخية للغاية.
وكشف "المركزي الأوروبي" أنه حتى الآن لم تظهر التداعيات الخطيرة التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصادات في جميع دول العالم، التي لم تنعكس حتى الآن على الميزانيات الخاصة بالبنوك، وهو ما دفعه إلى حث البنوك على ضرورة الحذر من خسائر محتملة في حال قيام الحكومات والبنوك المركزية بوقف خطط التحفيز والدعم، التي دعمت الاقتصادات والميزانيات العمومية في مواجهة المخاطر التي خلفتها الجائحة الصحية.
هل نعود إلى المربع "صفر"؟
وقبل أيام، قالت مارغريتا ديلغادو، نائب محافظ البنك المركزي في إسبانيا وعضو في مجلس الإشراف على البنك المركزي الأوروبي، إن البنك يمكن أن يتخذ إجراءات لضمان عدم قيام البنوك العاملة في منطقة اليورو بصرف توزيعات نقدية مبالغ فيها بنهاية العام الحالي، إذ من المحتمل جداً رفع القيود على توزيعات البنوك، التي فرضت في العام الماضي تحسباً لتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد.
وأوضحت أن البنك سيدعو البنوك التجارية إلى استمرار "توخي الحذر". وقالت إن البنك المركزي سيضغط على البنوك التي تقترح صرف توزيعات نقدية مبالغ فيها للمساهمين من أجل العودة إلى سياسة توزيعات أكثر وسطية. لدينا أدوات أخرى إذا لم تقبل البنوك توصية مجلس الإشراف.
وترى مديرة التداول في شركة "تيم" لتداول الأوراق المالية، أماني عبد المطلب، أن الأوضاع تشير إلى التحسن بشكل عام، سواء على صعيد الإصابات بفيروس كورونا حول العالم، أو التوقعات الخاصة بعودة الاقتصاد العالمي إلى النمو منذ النصف الثاني من العام الحالي.
وأوضحت أن توزيعات الأرباح المحتجزة لدى أكبر بنوك أوروبا منذ منتصف العام الماضي، ستكون لها تأثيرات إيجابية كبيرة على الأسواق، وخصوصاً الأسهم والتجزئة، إذ من المتوقع ضخ رقم كبير في الأسواق مع بداية البنوك الأوروبية بالقيام بإعادة توزيع الأرباح على المساهمين.
تداعيات سلبية محتملة
لكن في الوقت نفسه، حذرت عبد المطلب من تداعيات سلبية محتملة لضخ مزيد من السيولة في الأسواق، لا سيما مع وجود تضخم مرتفع واتجاه البنوك المركزية على مستوى العالم إلى تشديد السياسة النقدية لتقليل حجم السيولة والسيطرة على التضخم، بالتالي فإن قرار توزيعات الأرباح يجب التعامل معه بحذر من قبل البنوك المركزية، التي تعاني أسواقها من تضخم مرتفع حتى لا ترتفع المعدلات وتواجه بعض الأسواق ما يعرف بالركود التضخمي أو التضخم المرتفع، الذي يحتاج إلى قرارات صعبة تدفع الأسواق إلى ركود صعب.
وأشارت إلى أن هناك مؤشرات تؤكد بدء تعافي الاقتصاد العالمي، التي جاءت في بيانات صادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث من المتوقع أن يصل النمو في بعض الاقتصادات إلى أكثر من ستة في المئة خلال العام الحالي، وهذه النسبة أعلى بكثير من الأرقام المحققة خلال فترة ما قبل ظهور وباء كورونا. لكن في الوقت نفسه، هناك كثير من البلدان التي تعاني بشدة مع عدم قدرتها على إيجاد لقاحات كورونا، وهذه الدول سوف تضغط على الاقتصادات المتقدمة، خصوصاً أنها تعد من الأسواق المستهلكة لما تنتجه الدول المتقدمة، بالتالي فإن الأوضاع مازالت في حالة من الضبابية التي تفرض مزيداً من الحذر حتى لا تعود الاقتصادات إلى المربع "صفر" من جديد.