تبين أن الانتشار السريع الذي حظيت به المتحورة "ألفا" من فيروس كورونا، في بريطانيا خلال خريف العام الماضي، شكّل "مناسبة للتفشي الفائق" لتلك المتحورة. ولم تتباطأ وتيرة انتشار "ألفا" إلا بعد فرض قيود إغلاق صارمة آنذاك، بحسب دراسة جديدة.
وتذكيراً، جاء التفشي المتكاثر لنسخة "ألفا" مدفوعاً بتغيرات بيولوجية في الفيروس جعلته أكثر قدرة على الانتقال بين الناس، لكنه يُعزى أيضاً إلى حقيقة مفادها أن عدداً كبيراً من السكان سافروا إلى أجزاء مختلفة من بريطانيا قادمين من لندن والجنوب الشرقي حيث نشأت تلك المتحورة.
واستطراداً، أشار باحثون إلى أن معدل انتقال الفيروس بين السكان لم يبدأ في التباطؤ إلا بعد فرض قيود احتواء كورونا من المستوى الرابع (الشديد). وكذلك لم ينخفض تصدير متحورة "ألفا" التي سُميّت أيضاً متحوّرة "كِنت" Kent (لأنها رُصِدَتْ أولاً في مقاطعة "كِنت" البريطانية) إلى أجزاء أخرى من البلد، قبل بداية يناير (كانون الثاني) 2021 بسبب ارتفاع أعداد الحالات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دخلت لندن والجنوب الشرقي إجراءات الإغلاق الأكثر صرامة في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2020. وفي الأسابيع التي سبقت ذلك، أعاد رئيس الوزراء بوريس جونسون، تأكيد خطة "فقاعة" عيد الميلاد التي تسمح باختلاط ثلاث عائلات مدة تصل إلى خمسة أيام، في الفترة الممتدة بين 23 و27 ديسمبر 2020.
ومع ذلك، نظراً إلى انتشار متحورة "ألفا"، سرعان ما قلّص جونسون من خطة عيد الميلاد غير أنه لم يعلن عن قيود أشد صرامة، أو يثني عن الرحلات الطويلة المسافة القادمة من لندن ومعظم جنوب وشرق إنجلترا، حتى تاريخ 19 ديسمبر 2020.
وفي التفاصيل يرد أن "جامعة أكسفورد" قادت تلك الدراسة التي نُشِرت في مجلة "ساينس"Science . وترسم الدراسة خريطة انتشار متحورة "ألفا"، المعروف علمياً أيضاً بـ"بي. 1. 1. 7"، بداية من المنطقتين اللتين رصدت فيهما أولاً، وهما "كِنت" ولندن الكبرى، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وتناول تلك المسألة الدكتور موريتز كريمر، الباحث الرئيس في الدراسة وزميل بحوث في مجتمع العلوم برانكو فايس في قسم علم الحيوان في "جامعة أكسفورد". وأشار كريمر إلى أنه "في بداية ديسمبر 2020، تحولت بؤرة "كوفيد-19" في إنجلترا بسرعة من الشمال الغربي والشمال الشرقي إلى لندن والجنوب الشرقي، مع ترسخ وجود المتحورة "ألفا" [من فيروس كورونا]".
وفق الدكتور كريمر "تسبب سفر السكان من لندن والجنوب الشرقي إلى مناطق أخرى من المملكة المتحدة، في (نشر) سلاسل عدوى جديدة للمتحورة. وقد استمر ذلك على شكل (نشر فائق) للمتحورة في البلاد، ولم يبدأ تباطؤ ذلك الانتشار حتى أوائل يناير".
وأضاف، "على الرغم من تقييد الرحلات، بعد فرض (الحكومة البريطانية) قيود السفر في 20 ديسمبر، شهدت بريطانيا نمواً متسارعاً ومستمراً في الإصابات بتلك المتحورة".
من النتائج المهمة الأخرى التي توصلت إليها الدراسة أن الخبراء بالغوا في تقدير قدرة المتحوّرة "ألفا" على العدوى، إذ اعتقدوا أنها تصل حتى 80 في المئة.
في المقابل، خلص الباحثون إلى أنه على الرغم من أن نسخة "ألفا" أكثر قدرة في العدوى بالمقارنة مع سلالة كورونا الأصلية، فإن تنقلات السكان في مختلف أنحاء البلد أثرت بشكل كبير في انتشارها ومعدلات نموها المبكرة.
في ذلك المنحى، أوضح البروفيسور أوليفر بيبوس، الباحث الرئيس في "برنامج أكسفورد مارتن لعلم الجينوم الوبائي" أن "تقديرات تفوّق (ألفا) على السلالات السابقة فيما يتصل بالقدرة على العدوى بلغت 80 في المئة في البداية، لكنها تراجعت مع مرور الوقت. وجدنا أن ظهور (ألفا) جاء مزيجاً من تغيرات جينية للفيروس وعوامل وبائية مؤقتة".
ووفق البروفيسور بيبوس، "من المستطاع تفسير الانتشار السريع الأولي، بحدوث موجة أولى من تصدير متحورة (ألفا) إلى أماكن في إنجلترا تمتعت آنذاك بمعدلات إصابة منخفضة. وقد ابتدأت تلك الموجة من التفشي الهائل في مقاطعة كنت ومنطقة لندن الكبرى اللتين شهدتا حينئذ تفشياً هائلاً للمتحورة الفيروسية".
وبحسب البروفيسور بيبوس، يُعرف عن المتحورة "ألفا" من فيروس كورونا أنها "تحتوي تغيرات في التركيبة الجينية تجعلها أكثر قدرة على العدوى (بالمقارنة مع السلالة الأصلية)". ربما تكون "ألفا" أكثر قابلية للانتقال بنسبة 30 إلى 40 في المئة بالمقارنة مع السلالة الأولى. وقد أشارت التقديرات المبكرة بشأنها إلى امتلاكها قدرة أعلى في العدوى (80 في المئة)، لأننا كنا نجهل إلى أي مدى قد تفاقم نموها جراء التنقل البشري وحالات التخالط التي شهدتها مجموعات مختلفة من الناس (وليس تميزها بقدرة انتقال عالية جداً).
والأهم، أنه مع ظهور متحورات إضافية وانتشارها في بلدان أخرى حول العالم، يجب أن نكون حريصين على مراعاة تلك الظواهر عند تقييم القدرة المتأصلة على العدوى للنسخ المتحورة الجديدة من فيروس كورونا.
© The Independent