حبست الأحداث التي تعيشها تونس الأنفاس في الجزائر، ليس بسبب ما يدور من تطورات، ولكن مخافة من الانزلاق نحو الفوضى، على اعتبار أنها الجهة التي تتميز بالاستقرار مقارنة مع باقي دول الجوار، وبين مرحب ومنتقد يتابع الجزائريون الأوضاع.
رد فعل سريع وزيارة أسرع
جاءت المكالمة الهاتفية التي تلقاها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من نظيره التونسي قيس سعيد، لتؤكد حقيقة موقع الجزائر مما يدور في الجارة الشرقية، التي دأبت على التمسك بالاستقرار وبمواصلة المسيرة الديمقراطية في هدوء، على الرغم من الهزات السياسية والتهديدات الإرهابية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أطلع الرئيس التونسي نظيره الجزائري على آخر التطورات في بلاده بعد القرارات التي اتخذها بإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتعليق عمل البرلمان لمدة شهر.
وقال بيان الرئاسة الجزائرية، إن الرئيس تبون، تلقى مكالمة هاتفية من قيس سعيد تبادلا فيها مستجدات الأوضاع في تونس، كما تطرق الرئيسان إلى آفاق العلاقات الجزائرية التونسية وسبل تعزيزها.
وفي الإطار نفسه، توجه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى تونس، حاملاً معه رسالة "أخوة وصداقة" من تبون إلى سعيد، وفق ما جاء في بيان للخارجية، الذي أكد أن لعمامرة حظي باستقبال من الرئيس التونسي الذي أكد له التزام بلاده تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الجزائر.
مكانة تونس ودور الجزائر
بالنظر إلى السرعة التي اعتمدتها الجزائر من أجل معرفة ما يجري، يظهر مدى الاهتمام الذي توليه لتونس لعدة اعتبارات، أهمها الروابط التاريخية والعلاقات القوية، إضافة إلى مكانة تونس في السياسة الخارجية للجزائر، حيث تعد الخاصرة الآمنة والمنفذ المستقر والجهة المتناسقة والجار المؤتمن في ظل محيط إقليمي مضطرب على جميع الأصعدة.
وبقدر ما كانت الجزائر قريبة من حكام تونس منذ سقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي، كانت حركة "النهضة" تزداد تقرباً من النظام الجزائري، حيث عرف رئيس الحركة راشد الغنوشي زيارات مكثفة للجزائر ولقاءات ومكالمات لم تنقطع مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وعدد من الشخصيات، وهو ما فهمته عدة أطراف في تونس والجزائر آنذاك، على أن الجزائر باتت تلعب "دور ضامن توازن السلطات في تونس"، أو الدولة التي لا تمنح أي طرف الانفراد بالسلطة.
دعم لا ينقطع
لم تتأخر الجزائر يوماً عن مساعدة ودعم تونس في محنها، ولعل القروض من دون فوائد التي منحها الرئيس تبون وقبله بوتفليقة، والتشجيع السياحي من الجزائر إلى تونس، وأيضاً المساعدات اللوجستية في مجالات محاربة الإرهاب والتدريب، وآخرها هبات صحية لمواجهة فيروس كورونا، تدل على المكانة التي تحتلها تونس لدى الجزائر التي لخصها الإعلامي التونسي سمير الوافي بعد وصول الأوكسجين من الجزائر لبلاده، أن تونس تتنفس برئتين جزائريتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الوافي، في منشور له على "فيسوك": "شكراً للشقيقة التي لم تخذلنا في زمن الاختناق"، مضيفاً أن "آلاف التوانسة تم إنقاذهم واسترجعوا حياتهم بأوكسجين جزائري، وبمحبة الأشقاء وتضامنهم وكرمهم ووفائهم للعهد وللتاريخ".
إيهام الإسلاميين؟
بحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مومن عوير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، فإنه بعد الذي حدث في تونس والقرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، من الطبيعي أن يتصل بالرئيس تبون ليطلعه على الخطوة التي قام بها، وربما ليعرف الموقف المبدئي للجزائر من الأوضاع، معتقداً أن الجزائر تراقب الوضع بحذر، وستقف بكل تأكيد مع من يحفظ مصالحها وهي السلطة الحاكمة برئاسة قيس سعيد والجيش التونسي ولو بطريقة غير مباشرة، وقال إن الجزائر ستلجأ إلى اعتماد مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى لإيهام حزب "النهضة" في تونس، وحركة "مجتمع السلم" في الجزائر، وجماعة الإخوان ككل، بأن الدولة تلتزم الحياد.
أكبر حزب إسلامي يدعو بلاده للتدخل
وفي السياق، دعت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، الجزائر إلى دعم المؤسسات الشرعية التونسية وإدانة ما وصفته بـ"الانقلاب" واعتبار القرارات الأحادية خطيرة على تونس وعلى جوارها، ومساعدة التونسيين لتجاوز مشكلاتهم السياسية والاقتصادية، موضحة في بيان أن "ما يحدث في تونس انقلاباً على الدستور التونسي وعلى الإرادة الشعبية لأشقائنا التونسيين المعبر عنها في الانتخابات التشريعية السابقة، وإفشالاً ممنهجاً للانتقال الديمقراطي التونسي الذي صنع التميز والأمل لدى التونسيين والشعوب الحرة في العالم".
وضع مقلق
من جانبه، يرى الدبلوماسي المقيم في جنيف السويسرية، محمد خذير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر معنية بما يجري في تونس، وقال إن مشكلات تونس متعددة، لكن اليوم نرى أن المشكل سياسي بالدرجة الأولى، وعليه فإن دور الجزائر سيكون تهدئة الوضع بين الأطراف المتنازعة، بخاصة بين الرئيس قيس سعيد والأحزاب الإسلامية، متسائلاً: هل تستطيع الجزائر فعل ذلك، وهل تونس تقبل هذا التدخل؟ هي أسئلة تبقى مطروحة، يضيف خذير، الذي أبرز أن الوضع بصفة عامة مقلق، وانزلاق الأمور وارد جداً، متوقعاً أن يذهب سعيد بعيداً في إجراءاته وخطواته بما يعيد تونس إلى المربع الأول.
وتابع بخصوص تصريحات رئيس أكبر حزب إسلامي في الجزائر، أن تصريحات رئيس حركة "مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، غير مسؤولة، على اعتبار أن الجزائر تتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشون الداخلية للدول.