رفع القضاة في الفاتيكان ،الثلاثاء، أولى جلسات المحاكمة المتعلقة بفضيحة مالية كبيرة تضمنت صفقة استثمارات عقارية خاسرة تم شراؤها بأموال خيرية، وأعطوا الدفاع مهلة حتى أكتوبر (تشرين الأول) للاستعداد للقضية المعقدة.
وجاء افتتاح المحاكمة، الثلاثاء، بعد تحقيق استمر سنتين طاول عشرة متهمين، من بينهم الكاردينال السابق أنجيلو بيتشيو الذي كان أحد المساعدين المقربين للبابا فرنسيس، متورطين في جرائم مختلفة مثل الاختلاس والاحتيال والفساد.
وجلس القضاة الثلاثة تحت صليب في غرفة داخل قاعة متاحف الفاتيكان، بحضور اثنين فقط من المتهمين.
وجلس الكاردينال بيتشيو في الجهة المقابلة لسكرتيره السابق المونسنيور ماورو كارلينو، وهو بدوره متهم في القضية.
وبيتشيو البالغ 73 سنة، يقول إنه بريء وضحية مؤامرة، وهو المتهم الأبرز في القضية التي تتعلق بشراء الكنيسة عقاراً في لندن مساحته 17 ألف متر مربع، في منطقة تشلسي الراقية، عندما كان الكاردينال يعد الرقم اثنين في أمانة الدولة.
اختلاس واستغلال النفوذ
القضية الملاحق فيها بيتشيو وتتعلق باتهامات بالاختلاس واستغلال النفوذ والضغط على شهود، تتضمن أيضاً اتهامات أخرى منفصلة تتعلق بدفع مئات آلاف اليورو من أموال الكنيسة لجمعية خيرية يديرها شقيقه.
والمحاكمة التي تطاول المساعد السابق للبابا فرنسيس الذي طرده الحبر الأعظم في سبتمبر (أيلول) وجرده من صلاحياته ككاردينال، تُعد الأولى التي يوجه فيها مدعون جنائيون في الفاتيكان اتهامات لكاردينال في التاريخ الحديث.
والثلاثاء، أصدر بيتشيو بياناً قال فيه، إن هناك أدلة وافرة ستظهر براءته "من كل التهم".
وتعد المحاكمة سابقة، إذ لم يسبق أن حوكم كاردينال أمام قضاة جنائيين. وكان البابا فرنسيس قد عدل القوانين في الفاتيكان لسحب امتيازات قضائية من الكرادلة والأساقفة. ولولا هذا التعديل لحوكم بيتشيو أمام محكمة عليا يرأسها كرادلة.
ترسم القضية المعقدة التي رفعها المدعون، صورة استثمارات مشبوهة ومحفوفة بالمخاطر بملايين الدولارات من أموال الفاتيكان، مع إشراف ضئيل أو معدوم، ومراوغة من قبل مستشارين خارجيين، ومن مطلعين موثوق بهم في المصالح المالية لأمانة الدولة، أهم دوائر الفاتيكان المكلفة بالشؤون العامة والدبلوماسية.
وقرار الاتهام المكون من 487 صفحة، ونُشر في وقت سابق هذا الشهر، يكشف تحويلات مصرفية كبيرة ورسائل نصية متبادلة بين المتعاملين تضمنتها الهواتف المصادرة، بل حتى تسليم حقائب من المال ولقاءات سرية في فنادق فخمة.
"نظام فاسد"
وكتب المدعون أن المتهمين الرئيسين هم "فاعلون في نظام فاسد متعفن ومربح، بات ممكناً في بعض الأحيان بفضل تواطؤ داخلي محدود، ولكنه شديد الوضوح".
منذ انتخابه رئيساً للكنيسة الكاثوليكية في 2013، تعهد البابا تنظيم الشؤون المالية للفاتيكان الغارقة في عقود من الفضائح. وبعد عملية لشرطة الفاتيكان في 2019 استهدفت مكاتب الأمانة العامة، جرد البابا الأمانة العامة من مهام الاشراف على أموالها، وسلم المسؤولية لآخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والفضيحة محرجة بشكل خاص، لأن الأموال التي استخدمت في عمليات محفوفة بالمخاطر، ومن بينها استثمار 350 مليون يورو (415 مليون دولار) لشراء العقار في تشلسي، جاءت من الصندوق "بيترز بنس" (صدقات بطرس) الذي تجمع فيه التبرعات المالية المقدمة إلى البابا.
تعود القضية لعام 2013، عندما اقترضت الأمانة العامة للفاتيكان أكثر من 200 مليون دولار، غالبيتها من بنك كريديه سويس، للاستثمار في صندوق في لكسمبورغ يديره رجل الأعمال الإيطالي السويسري رافاييلي مينسيوني. وكان نصف المبلغ مخصصاً لشراء أسهم في البورصة والباقي لشراء جزء من عقار لندن.
ويقول المدعون، إن مينسيوني استخدم الأموال للاستثمار في مشاريع تنطوي على مغامرة لم يكن للكنيسة سيطرة عليها. بحلول 2018 كانت الأمانة العامة قد خسرت الملايين وحاولت الانسحاب من الصفقة.
لكن مستثمراً آخر مقره لندن هو جانلويجي تورتسي، كُلف الوساطة في شراء باقي مساحة العقار وقطع العلاقات مع مينسيوني، لكنه قام بدلاً من ذلك بالتحالف معه وفق المدعين.
وتوسط تورتسي كي يدفع الكرسي الرسولي 40 مليون جنيه استرليني لشراء حصة المستثمر في عقار لندن، لكنه يُعتقد أنه وضع بنداً في الصفقة منحه السيطرة على المبنى من خلال حقوق التصويت.
ويُتهم تورتسي بأنه طلب 15 مليون يورو للتخلي عن تلك السيطرة.
ويقول المدعون، إن مينسيوني وتورتسي حصلا على مساعدة من إنريكو كراسو المستشار المالي السابق لدى الأمانة العامة للفاتيكان، والموظف فابريتسيو تيراباسي، وكلاهما يواجه اتهامات من بينها الاحتيال.
وتطال القضية أيضاً مسؤولين كبيرين سابقين في سلطة المعلومات المالية، أحدهما الرئيس السابق للسلطة المحامي السويسري رينيه برولهارت الذي يقول المدعون، إنه لم يبذل جهوداً كافية لحماية مصالح الأمانة العامة.
من جهة أخرى، يواجه بيتشيو اتهامات بدفع مبلغ 575 ألف دولار للمتهمة سيسيليا مارونيا، من أموال الفاتيكان المخصصة لجهود الإفراج عن رجال دين وراهبات مخطوفين في الخارج، أنفقتها مارونيا الملقبة "سيدة الكاردينال" في الصحف الإيطالية، على سلع فاخرة وفنادق.
ويقول المدعون، إن المسؤولين في أعلى هرم الفاتيكان، من بينهم رئيس بيتشيو وحليف البابا الكاردينال بييترو بارولين، كانوا مؤيدين لمشروع العقار في لندن، لكنهم لم يكونوا مدركين للتفاصيل المالية.