في عام 2008 انهارت سوق العقارات بالولايات المتحدة ما أدخلها في أعمق ركود اقتصادي منذ الكساد الكبير، وحالياً بعد ارتفاع أسعار العقارات في أميركا لأعلى مستوى منذ 30 عاماً، ونقص المعروض إلى أدنى مستوى منذ 50 عاماً، يتخوف الخبراء من فقاعة أخرى وشك الانفجار، ما دفع بعضهم إلى مطالبة الرئيس جو بادين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بإصلاحات عاجلة.
في مايو (أيار) الماضي ذكرت شركة "غوغل" أن البحث عن جملة "متى سينهار سوق الإسكان؟" ارتفع بنسبة 2450 في المئة مقارنة بشهر أبريل (نيسان)، حيث يتوقع كثيرون أن يعيد التاريخ نفسه. وعقب انهيار سوق العقارات العالمي عام 2008، طورت دول عدة أدوات اقتصادية صممت لمنع تكرار هذا الحادث الاقتصادي الأليم.
غير أن الولايات المتحدة تأخرت آنذاك عن اللحاق بهذا الركب، والآن يشعر المحللون الاقتصاديون في أميركا بالخطر، بسبب ارتفاع أسعار المساكن بأسرع وتيرة لها في تاريخ أميركا، ووصولها أيضاً إلى أعلى مستوى منذ 30 عاماً، ما يثير القلق من تشكّل فقاعة عقارية جديدة، مطالبين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالتدخل، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول برفع أسعار الفائدة.
وهو مطلب رفضه باول سابقاً بقوله "إنه شيء لا نخطط للقيام به، لأن رفع معدل الفائدة سيضر الاقتصاد الأميركي بأكمله، وسيؤدي إلى تراجع التوظيف في وقت تسببت فيه آثار فيروس كورونا بالفعل في فقدان ملايين الأميركيين لوظائفهم"، مضيفاً أنه "سيتم الاعتماد على الاحتراز الكلي وأدوات أخرى لمعالجة قضايا الاستقرار المالي".
وقال أسعد مالك المحلل المختص بسوق العقارات الأميركية إن "أهم رقم في هذه المشكلة والجزء الأساسي من الأزمة هو أن المعروض في سوق العقارات بالولايات المتحدة تراجع إلى أدنى مستوى له منذ 50 عاماً، بالتالي فإن من يمتلك عقاراً يرفض بيعه في انتظار ارتفاع سعره مع توقع ارتفاع مستوى التضخم، ومن يريد أن يشتري يلهث بسرعة وراء عملية الصفقات خوفاً من وصول الأسعار إلى مستويات لا يمكنه معها شراء عقار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن المستهلك الأميركي لديه توقعات بارتفاع التضخم إلى مستويات عالية، بسبب وصول ديون الحكومة الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة في العامين الماضيين، بخاصة بعد شيكات الإعانة التي دفعتها الحكومة الأميركية مباشرة إلى مواطنيها بسبب أزمة كورونا، وسواء كان هذا التوقع صحيحاً أو غير صحيح، فإن العقلية الجماعية اجتمعت على أن التضخم سيرفع أسعار العقارات بطريقة تجعل من الصعب شراءها مستقبلاً".
لكن هناك طرقاً أخرى يمكن للحكومة أن تستهدف بها الفقاعات في سوق الإسكان. وقال جريج جيلزينيس، المدير المساعد للسياسة الاقتصادية في مركز التقدم الأميركي، إن هناك مجموعة أدوات يمتلكها المنظمون، لكنها غير مكتملة في أميركا، إذ يمكن للجهات التنظيمية بالمملكة المتحدة وبعض دول أوروبا وضع قيود على نسب القرض إلى القيمة، التي تتغير بناء على حالة الاقتصاد، هناك سقف للأوقات العادية، وآخر عندما تكون السوق محمومة. وكان نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق دونالد كوهن قد أشار إلى هذه النقطة في خطاب ألقاه عام 2017 مفادها بأن المنظمين في واشنطن يحتاجون إلى وضع قيود على مقاييس القرض إلى القيمة والدين إلى الدخل.
وتقيس نسبة القرض إلى القيمة، حجم قرض الرهن العقاري بالنسبة إلى قيمة العقار. وقد تشير ارتفاع معدلات القرض إلى القيمة إلى سلوك مضاربي، لأن المشتري يمكن أن يأخذ مثل هذا القرض المحفوف بالمخاطر، متوقعاً ارتفاع قيمة العقار.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، وضعت 19 دولة أوروبية مختلفة حدوداً قصوى للقرض إلى القيمة تتراوح من 30 في المئة إلى 100 في المئة، مع حدود أعلى للقروض لمشتري المنازل لأول مرة والحد الأقصى المنخفض لمن يشترون منازل ثانية وعقارات استثمارية. وقالت دراسة صندوق النقد الدولي إن نتائج هذه السياسات غالباً ما تبطئ وتيرة نمو الأسعار في سوق عقارات معينة.
وبخصوص الأدوات التي في يد الحكومة الأميركية قال أسعد إنه "بخصوص رفع سعر الفائدة فإن بنك الاحتياطي الأميركي لا يملك القدرة ولا الاختيار على تحريك سعر الفائدة، ولا حتى ربع نقطة، بسبب ارتفاع حجم الديون الأميركية، لأن هذا التحريك سيزيد حجم الديون الحكومية بشكل كبير، بالتالي فإنه لا يمكن للاحتياطي الفيدرالي استخدام هذه الأداة في حل أزمة سوق العقارات بالولايات المتحدة، أمّا الحل الآخر بتحديد سقف للاقتراض، فإنه في ظل إدارة ترمب، جرى إلغاء حد الدين إلى الدخل واتباع نهج يعتمد على قوى السوق وعلى شركات التأمين الخاصة لتحديد ما إذا كان بوسع المقترض أن يقوم بالسداد، وهو أمر يمكن أن تنظر فيه إدارة الرئيس الأميركي الحالي بايدن، ولا يستطيع أحد التنبؤ بما يمكن أن تقوم به".
وقال أسعد مالك "من النقاط المهمة التي يجب الإشارة إليها أن ما حدث عام 2008 هو سهولة منح الرهون العقارية، حيث كانت مرنة جداً في شروطها، وأعطيت لكل من طلبها من دون تدقيق كاف، لكن الوضع أضيف إليه عنصر آخر هذه المرة، لأن جائحة كورونا كانت سبباً في توقع المستهلكين أن العمل من المنزل سيستمر ليس لمدة 5 أو 6 أشهر من بدء الجائحة، لكن لمدة 5 أو 6 سنوات، فحدثت نقلة نوعية العقار التي يبحث عنها المستهلكون، الذين خرجوا من المدن الكبيرة بحثاً عن مساحات سكنية أكبر وحديقة أكبر، لأنهم لم يعودوا مشغولين بالانتقال من وإلى العمل، وفي مخيلة العقلية الجماعية أنها صفقات رابحة مع انتظار ارتفاع قيمة هذه العقارات لاحقاً".