في القتال العسكري الأخير الذي بدأ وانتهى في مايو (أيار) الماضي بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وإسرائيل، أطلقت الأولى من قطاع غزة نحو أربعة آلاف قذيفة صاروخية، معظمها محلي الصنع، وتنوعت ما بين قصيرة المدى ومحدثة طويلة المدى، إلى جانب صواريخ من طراز "غراد".
وفق التقديرات، فإن قذائف الفصائل الفلسطينية المسلحة وصل منها نحو 3680 صاروخاً على مدن إسرائيل، وأغلبها سقط في مناطق يوجد فيها مدنيون، وأسفرت عن مقتل جندي و12 مدنياً وجرح عدة مئات آخرين، فيما أصيب آلاف بحالات الهلع.
من جهة إسرائيل، فإن مقاتلاتها الحربية شنت آلاف الغارات على جميع مناطق قطاع غزة، وأسفرت عن مقتل 260 فلسطينياً، بينهم مقاتلون و66 طفلاً، بحسب ما أفادت هيئة الأمم المتحدة، ووزارة الصحة الفلسطينية، وتسببت هذه الغارات في مسح عائلات مدنية بأكملها من السجل الحكومي.
هجمات استهدفت مدنيين
وبحسب "هيومن رايتس ووتش" (منظمة دولية تقدم معلومات موثوقة عن أزمات وتطورات حقوق الإنسان) فإن إسرائيل والفصائل المسلحة، بما فيها "حماس"، ارتكبت في قتال مايو (أيار) انتهاكاً للحظر المفروض على الهجمات المتعمدة أو العشوائية ضد المدنيين من دون مراعاة القانون الدولي الإنساني المعروف بقانون الحرب.
وبالتحديد حول هجمات "حماس" على إسرائيل خلال القتال العسكري، يقول المدير المساعد لقسم الأزمات والنزاعات في "هيومن رايتس ووتش" جيري سيبمسون، إن الجماعات المسلحة الفلسطينية "ارتكبت هجمات غير قانونية" عند استخدامها "صواريخ غير موجهة وقذائف هاون" وأطلقتها باتجاه "مراكز سكنية إسرائيلية".
ويضيف سيبمسون، "صواريخ الجماعات المسلحة تفتقر إلى أنظمة التوجيه، وتكون عشوائية بطبيعتها عند إطلاقها نحو إسرائيل، وتسقط في مناطق يوجد فيها مدنيون، وهذا مخالف لقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، وأوقعهم في جرائم قد ترقى لتكون جرائم حرب تحاسب عليها الجنائية الدولية".
من جهة حركة "حماس"، يقول الناطق باسمها حماد الرقب إنهم "يدافعون عن الحقوق المشروعة، ولهم الحق في الرد على الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وهذا مكفول في جميع الأعراف الدولية، بما فيها القانون الدولي، وعلى الرغم من الاعتداءات المتكررة فإن جميع الفصائل ملتزمة القانون الإنساني، وبالعادة يرفضون استهداف المدنيين الإسرائيليين".
صواريخ من دون أنظمة توجيه
وبموجب القانون الدولي الإنساني والمعروف عنه لدى الحقوقيين أنها قوانين الحرب، فإنه يوجز للأطراف المتحاربة استهداف الأهداف العسكرية فقط، مع اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، وتوفير تحذيرات مسبقة عن الهجمات، كما تحظر النصوص القانونية الهجمات العشوائية.
وتفيد "هيومن رايتس ووتش" بأن قذائف الفصائل المسلحة "تفتقر إلى أنظمة التوجيه"، وهذا جعلها "لا تميز بين الأعيان المدنية والعسكرية"، وأوقعت ضرراً للمدنيين والممتلكات المدنية، وهذا "غير متناسب مع الميزة العسكرية المتوقعة". يشير سيبمسون إلى أنهم "ما زالوا يجرون تقريراً عن الهجمات الصاروخية التي شنتها الجماعات المسلحة، وقتلت مدنيين بشكل غير قانوني في إسرائيل". لافتاً إلى أن الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسمية لقوانين الحرب بقصد إجرامي "هم مسؤولون عن جرائم حرب يحاسب عليها النظام الدولي".
ويوضح القيادي الحمساوي الرقب، أنهم كانوا يتخذون جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين في الجانب الإسرائيلي، إذ كانوا يحددون الساعة والمنطقة التي يرغبون في إطلاق الصواريخ عليها، وعلى سكانها أخذ الحيطة والحذر، لافتاً إلى أن ذلك أقصى درجات التدابير التي يمكن اتخاذها في ظل وجود فارق تكنولوجيا تمتلكها إسرائيل، ولا تقوم بإنذار المنطقة والسكان المراد استهدافها وتوقع غاراتها قتلى مدنيين.
الوضع القانوني
وفيما يتعلق بالوضع القانوني للهجمات الصاروخية التي شنتها الفصائل الفلسطينية، توضح "هيومن رايتس ووتش" أنه كان على الأذرع المسلحة لـ"حماس" والجهاد الإسلامي التقيد بالقانون الإنساني الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات المتاحة، لتجنب الإضرار بالمدنيين، بخاصة أن قوانين الحرب تحظر على "حماس" شن هجمات عشوائية أو هجمات من شأنها إحداث أضرار غير متناسبة بالمدنيين مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة، لذلك كان على قادة الحركة اختيار وسائل الهجوم التي يمكنهم توجيهها نحو أهداف عسكرية، وتقليل الضرر العرضي الواقع على الإسرائيليين السكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه كان من المفترض على "حماس" الامتناع عن استخدام أسلحة توقع مخاطر كبيرة على المدنيين، وأن استخدام مثل تلك الصواريخ يقع ضمن الهجمات العمدية والعشوائية، وقد يسقط في مناطق مكتظة بالسكان، أو ربما لا يتخذ كل الاحتياطات المعقولة لحماية المدنيين الخاضعين لآثارها من الهجمات.
في الواقع، بعد انتهاء القتال العسكري وتثبيت وقف إطلاق النار، نشرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" مقطعاً مصوراً يظهر المواقع التابعة للجيش الإسرائيلي والمطارات الحربية التي قصفتها، وكانت ترغب في استهدافها في حال استمرت العملية العسكرية، واعتمدت بشكل أساسي على تحديد مواقعها بناء على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) مع توجيه بوصلة القذيفة نحوه بعد دراسة عوامل الجو ونسبة الخطأ، لكن الخبراء العسكريين يقولون إن ذلك "غير كاف"، ومن الممكن أن يسقط الصاروخ في منطقة مجاورة أو يصيب هدفه.
يقول عضو مكتب العلاقات الدولية في حركة "حماس" باسم نعيم، إنهم حريصون على عدم استهداف المدنيين في هجماتهم على إسرائيل، وملتزمون بالقوانين الدولية وقوانين الحرب، ويمارسون حقهم المشروع في مقارعة المحتل في إطار القانون الإنساني الدولي، بما يملكون من إمكانات متاحة.
محاسبة الفصائل
وبحسب نعيم فإن "حماس" أظهرت حرصها على تجنب استهداف المدنيين في إسرائيل، رغم كل ما ارتكبه جيشها من مجازر بحق الأطفال والنساء والمدنيين، وذلك انطلاقاً من التعاليم الدينية والوطنية والقوانين الدولية.
ويثير تقرير وإفادات منظمة "هيومن رايتس ووتش" مخاوف من استخدامها كدليل لمحاسبة الفصائل الفلسطينية في محكمة الجنايات الدولية، بعد ما أعلنت اختصاصها القضائي على الأراضي الفلسطينية كونها عضواً منضماً لنظامها، وشرعت في تحقيق بالجرائم المشمولة التي ارتكبتها الجيش الإسرائيلي والفصائل المسلحة خلال العمليات العسكرية الأربعة التي شنتها تل أبيب على قطاع غزة.
تعقيباً على ذلك، يرى نعيم أنه على الجهات الدولية محاسبة إسرائيل وملاحقة قادتها وجلبهم لقاعات المحاكم الدولية، كونهم مرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين.