مثلت القرارات الاستثنائية، التي اتخذها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في 25 يوليو (تموز) 2021، إثر موجة عارمة من الاحتجاجات عمت المناطق التونسية كلها، متنفساً للتونسيين.
ويشير متابعون للشأن السياسي في تونس إلى أن القضاء تخلص من سيطرة حركة "النهضة"، ومن التجاذبات السياسية ومحاولات دفن ملفات قضائية عدة، منها الاغتيالات السياسية.
إيقاف البشير العكرمي
وبعد سجال طويل، تمكن مجلس القضاء في تونس، من إيقاف القاضي بشير العكرمي، المحسوب على "النهضة"، عن العمل وأحال ملفه على النيابة العامة، بتهم ارتكاب "إخلالات في المسار القضائي في ملفي اغتيال المناضل السياسي شكري بلعيد والنائب محمد البراهمي، وبالتستر على جرائم إرهابية وتعطيل التحقيق في آلاف الملفات المتعلقة بالإرهاب".
وسبق أن اتهمت "جمعية القضاة التونسيين" رئيس البرلمان وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، بمحاولة التدخل في عمل القضاء والمساس باستقلاليته والضغط على قراراته. وذلك على خلفية تصريحات دافع فيها عن حليفه ورئيس "حزب قلب تونس" نبيل القروي، وقلل من أهمية قضايا الفساد المتهم بها.
وفي خطوة اعتبرت مؤشراً على تخلص القضاء في تونس من السلطة السياسية، أكد مصدر قضائي أن قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس 2، قرر الجمعة 30 يوليو 2021، الإبقاء على أربعة من المنتمين إلى حركة "النهضة" بحالة سراح، إثر استنطاقهم بشأن ما نسب إليهم من محاولة تحريض شبان على التظاهر والقيام باعتداءات أمام مجلس النواب في باردو. وذلك إثر الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية.
القضاء تحرر من السلطة السياسية
ويعتبر القاضي السابق والرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الإداريين، أحمد صواب، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن القضاء في تونس تحرر من السلطة السياسية، بعد 25 يوليو، داعياً إلى أن تكون المحاكمات عادلة لكل المطلوبين للعدالة من حركة "النهضة" وغيرها.
ويشير صواب إلى أن "القضاء فشل فشلاً ذريعاً بعد 2011"، مؤكداً أن هناك عدداً من الملفات التي تحوم حولها شبهات التدخل من حركة "النهضة"، وخصوصاً في وكالة الجمهورية في تونس، ذات الاختصاص في الإرهاب، وفي ملفات الفساد الاقتصادي والمالي، إضافة إلى الرئاسة الأولى لمحكمة التعقيب، باعتبارها أعلى درجة قضائية.
ويؤكد صواب أن "الجهاز القضائي في تونس لو اشتغل بعيداً من التجاذبات السياسية، لما وصلت البلاد إلى هذه المرحلة"، التي يعتبرها إفرازاً لعدم استقلالية القضاء، لأن العدالة لم تشمل الجميع لافتاً إلى إفلات السياسيين والنواب من العدالة.
ويشدد صواب على أن الأحزاب السياسية، التي تعاقبت على الحكم في تونس، بعد 2011، كلها تدخلت في القضاء وبدرجات متفاوتة، لافتاً إلى ما قال إنه "مذبحة" في حق القضاء عندما تم في عهد وزير العدل السابق القيادي في حركة "النهضة" نور الدين البحيري، عزل أكثر من ثمانين قاضياً في 28 مايو (أيار) 2012، قبل أن ينصفهم القضاء الإداري. ويقول إن ما حصل مخالف للقانون والغرض منه السيطرة على القضاء من أجل تخويف القضاة وابتزازهم.
تصحيح المسار القضائي
ويأمل التونسيون أن تشمل العدالة الجميع في كنف احترام القانون والحيلولة دون الإفلات من العقاب. ويؤكد منير الشرفي، رئيس "المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة"، أن "رئيس حركة النهضة توصل إلى التحكم في القضاء، من خلال القاضي العكرمي"، لافتاً إلى أن "الحقائق التي أعلنتها هيئة الدفاع عن الشهيدين بالعيد والإبراهمي تتضمنها أدلة واضحة وموثقة بوجود اختراق للجهاز القضائي، بتواطؤ القاضي المذكور".
ويدعو الشرفي إلى "عودة الوعي إلى القضاة من أجل تصحيح المسار القضائي لتشمل العدالة التونسيين كافة"، معتبراً "استنطاق عدد من المنتمين إلى حركة النهضة مؤشراً على تخلص القضاء من الضغط السياسي الذي كانت تمارسه النهضة على القضاء". ويلفت إلى أنه "لولا الإجراءات الاستثنائية لما تم إيقاف هؤلاء المنتمين إلى الحركة على الرغم من توفر الأدلة التي تدينهم".
ويشدد الشرفي على أن "الرهان كبير على استقلالية القضاء في هذا الظرف الذي تمر به تونس، من أجل تكريس دولة القانون والمؤسسات"، داعياً إلى توفير ضمانات استقلالية القضاء من أجل إنجاح المسار السياسي الجديد في تونس".
ويختم بدعوة رئيس الجمهورية إلى "التعجيل في إرساء مراحل المسار الجديد، من أجل قطع الطريق أمام عودة قوى الظلامية والفساد، ومن أجل طمأنة الرأي العام إلى أن هناك برنامجاً واضحاً وخريطة طريق للمستقبل".
قيس سعيد لم يتدخل في القضاء
في الأثناء، أكد رئيس الجمهورية، خلال لقائه، الجمعة 30 يوليو، بصحافيين من "نيويورك تايمز" الأميركية في قصر قرطاج، أن من سرق أموال الشعب لا بد أن يعيدها، مضيفاً "سنحترم الإجراءات القضائية كلها، ولم يتم اعتقال إلا من كانت لديه قضايا ولم أتدخل ولكن لن أتركهم ينهبون الشعب التونسي ويضربون الدولة ويهددون المؤسسات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أنه تم توقيف النائب، ماهر زيد، عضو "حزب الكرامة" الإسلامي، الصادر في حقه حكم بالسجن لمدة عامين، بتهمة الإساءة إلى مستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأفادت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري، الجمعة، بأنه تم إيداع النائب ياسين العياري السجن تنفيذاً لحكم قضائي، يقضي بسجنه مدة شهرين من "أجل المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته".
وجاء تنفيذ الحكم المذكور تبعاً لصدور الأمر الرئاسي المتعلق برفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب.
"النهضة" ترفض توقيف النواب
ونددت رئاسة مجلس نواب الشعب (المجمد) باعتقال العياري، وقالت في بيان إن "الاعتقال إيقاف غير قانوني يمس من حرمة نواب الشعب".
وأكدت الحركة "رفضها تتبع نواب الشعب، ومحاكمتهم وسجنهم، من دون احترام إجراءات رفع الحصانة التي ينظمها الدستور".
وعادة ما تنفي حركة "النهضة"، أي تدخل لها في القضاء، وتدعو إلى الابتعاد عن التوظيف السياسي للمؤسسة القضائية. وسبق أن تعهد رئيسها بالكشف على حقيقة الاغتيالات السياسية في تونس، داعياً إلى عدم التشويش على القضاء، في ما يعرف بقضية "الجهاز السري لحركة النهضة"، الذي بات لغزاً محيراً في الساحة السياسية. فهل تتمكن المؤسسة القضائية من كشف القضايا الغامضة التي هزت تونس بعد 2011، بعد أن تخلصت من سيطرة السلطة السياسية؟