خلص تقرير جديد يضم عشرات الشهادات التي أدلى بها جنود سابقون إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية متواطئة في "التصعيد الكبير" في أعمال العنف التي تستهدف الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
وقد ذكرت منظمة "كسر الصمت"، وهي مؤسسة خيرية إسرائيلية يؤلف قدامى المحاربين طاقم العمل فيها، أن تقريرها الجديد يظهر تحول القوات المسلحة الإسرائيلية في شكل متزايد، إلى جزء لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى الحفاظ على منظومة بيئة العنف وتغذيتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشار التقرير أيضاً إلى أن العسكريين يوفرون "عباءة حماية" للمستوطنين الذين باتوا يزدادون عدوانية. في ذلك الصدد، ينفى الجيش الإسرائيلي بشدة هذه الاتهامات، موضحاً أن الشرطة الإسرائيلية تشكل الجهة المسؤولة عن التعامل مع الشكاوى التي يقدمها الفلسطينيون في شأن الاستغلال غير القانوني لأراضيهم.
في المقابل، لاحظ أوري غيفاتي الذي يعمل مديراً في منظمة "كسر الصمت"، ويتولى مسؤولية مهام الدعم والمناصرة، أن التقرير الجديد يتضمن شهادات 36 جندياً إسرائيلياً سابقاً ممن كانوا على رأس عملهم في أوقات تعود إلى عام 2012، يبرهن أنه "لم تبادر الحكومة أو القوات المسلحة ولن تبادر إلى ما يحول دون شن المستوطنين مزيد من الهجمات".
وأضاف، "ذلك جزء من مهمة استراتيجية جرى التخطيط لها بشكل جيد كي يستولي المستوطنون على مزيد من الأراضي الفلسطينية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، تشير بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، علاوة على المعلومات التي جمعتها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسليم" بشكل منفصل، إلى ارتفاع ملحوظ في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون، بالمقارنة مع ما شهدته سنوات سابقة.
واستطراداً، تفيد مجموعة "بتسليم" بأنها أدرجت في سجلاتها هجمات تمثل زيادة بـ33في المئة خلال النصف الأول من 2021، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وأفادت تلك المجموعة أيضاً بأن ذلك العنف "نفذ عبر تعاون علني متزايد من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ودعم كامل من السلطات الإسرائيلية".
في هذه الأثناء، تدل الإحصاءات التي نشرها "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" على أن عدد الفلسطينيين الذين جرحوا على يد المستوطنين أو عناصر الأمن الإسرائيلية خلال هجمات نفذت أثناء النصف الأول من هذا العام، كان أكبر ممن جرحوا في 2020 بأكمله. وجاء ذلك الرقم مساوياً تقريباً للعدد الإجمالي للجرحى الفلسطينيين في 2019.
واستكمالاً، ينسجم تأجج العنف أيضاً مع ارتفاع حاد في وتيرة توسع المستوطنات في الضفة الغربية، خصوصاً مع تزايد عدد البؤر الاستيطانية التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي والقانون الإسرائيلي، بحسب مجموعة الرصد الإسرائيلية "السلام الآن".
من زاوية مغايرة، نفى الجيش الإسرائيلي صحة الاتهامات التي أوردها التقرير، مؤكداً أن الجنود الإسرائيليين "يعملون بشكل ثابت، في السر والعلن، بهدف الحفاظ على القانون والنظام في (الضفة الغربية) ومنع حصول انتهاكات للقانون من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين".
وفي بيانه له، اعتبر الجيش الإسرائيلي أن "المزاعم التي يتضمنها التقرير، عن عدم تصرف الجنود الإسرائيليين وفق ما ينبغي لهم، خلال المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تشكل مجرد ادعاءات غير صحيحة وتعميمية بشكل مفرط".
وأضاف البيان، أن "الجيش الإسرائيلي يجري تحقيقات دقيقة بشكل منتظم سعياً إلى كشف ملابسات حوادث تتعلق بالنشاط العملياتي، من أجل التحقق من حدوث أي خروج عن الأوامر والإجراءات، واستخلاص الدروس التي ينبغي تعلمها، بما في ذلك حوادث يكون من المزعوم فيها أن جنوداً من جيش الدفاع الإسرائيلي لم يتصرفوا بالشكل المطلوب حيال جرائم ارتكبها إسرائيليون".
وتذكيراً، احتل الإسرائيليون الضفة الغربية في إطار حرب "الأيام الستة" عام 1967، وتضم حاضراً نحو 3 ملايين فلسطيني يتخذونها موطناً لهم. في الوقت نفسه، هنالك 500 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون فيها أيضاً ضمن مستعمرات تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
في سياق تلك المشهدية، ينفذ الجنود دوريات في الضفة الغربية، بيد أن الشرطة الإسرائيلية تعتبر الجهة المسؤولة عن التعاطي مع انتهاكات القانون، وكذلك الحال بالنسبة إلى الشكاوى التي يقدمها الفلسطينيون في شأن الاستغلال غير القانوني لأراضيهم من قبل الإسرائيليين.
وفي أوقات سابقة، تحدث بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق، وخلفه نفتالي بينيت رئيس الوزراء الحالي، عن الرغبة في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. في المقابل، لم تطالب الأخيرة بالضفة الغربية بشكل رسمي حتى الآن بسبب المعارضة الدولية الشديدة، خصوصاً من إدارة بايدن في واشنطن، لأن ضم الأراضي التي جرى احتلالها في سياق حرب ما يعتبر عملاً غير قانوني في ظل القانون الدولي.
وفي ملمح آخر، ذكرت منظمة " كسر الصمت" أن تقريرها يوضح قدرة المستوطنين العنيفين على الإفلات من العواقب القانونية التي تترتب على أفعالهم، وكذلك عدم وجود أوامر واضحة للجنود فيما يتعلق بإدارة المستوطنين، أو ما تسميه تلك المنظمة "العلاقة المزدوجة" التي تربط بين المستوطنين والجنود، مع الإشارة إلى أنها "تغذي أحياناً العلاقة الوثيقة مع الجنود، ثم لا تلبث أن تطلق العنف ضدهم في اللحظة التالية".
وكذلك توثق الشهادات المدرجة في التقرير عدداً من الأمثلة على العنف الذي يستهدف الفلسطينيين، بما فيها إضرام الحرائق بشكل متعمد، والاعتداء الجسدي، وإطلاق النار، إضافة إلى أمثلة عن تعرض الجنود للاعتداءات.
في سياق متصل، يشير أوري غيفاتي، وهو جندي سابق، إلى أن "المستوطنين لا يرتكبون العنف في فراغ، إذ إنهم يمثلون أكبر مؤسسة إجرامية في إسرائيل، ولا يتمتعون بمجرد الحصانة من تداعيات ما يفعلونه، بل يتلقون دعماً من القوات المسلحة والحكومة اللتين تحتضنان المستوطنين".
ويضيف، "بالنسبة لنا نحن الجنود الذين يقفون وقفة المتفرج فيما هم على علم بما يجري، فإن ذلك في أحسن الأحوال لا يساعد أي جانب، ونكون نحن أيضاً في أسوأ الحالات من المشاركين في الهجوم على الفلسطينيين". ويتابع غيفاتي، "نحن جزء من منظومة البيئة العنيفة هذه". وإذ تغطي الشهادات الواردة في التقرير فترة تسع سنوات، فإنها توضح هذه العلاقة الإشكالية.
وقد نقلت منظمة "كسر الصمت" في تقريرها عن رقيب أول خدم في 2017 في نطاق مستعمرة "يتسهار" القريبة من نابلس، "إن عملك يتمثل في حماية (المستوطن). يتوجب عليك أن تحميه. أنت بواب المستوطنات وحارسها، وأنت كالملاك الذي يحرس المنطقة".
وذكر رقيب أول آخر يعمل في نابلس أن اعتقال مستوطنين "لم يكن خياراً متاحاً"، حتى حين يتصرفون بعنف مع جنود إسرائيليين.
وكذلك لفت عسكري ثالث يخدم أيضاً في مستعمرة "يتسهار" إلى أنه "لم يكن من الممكن إخضاعهم (المستوطنين) إلى عدالة من أي نوع كانت، أو أن تحاول التفكير في كيفية تمكنك من منع حدوث هذا الشيء في المرة التالية".
وفي نفس مشابه، نقل ضابط سابق خدم في الجيش الإسرائيلي برتبة كابتن، وكان على رأس عمله بين عامي 2013 و2018 كقائد احتياطي لفصيل من الجند في الضفة الغربية، نقل إلى "اندبندنت" أن المشكلة تكمن في حقيقة أن الجنود يفتقرون إلى البروتوكول. وبدلاً من ذلك، "يركز النظام على كيفية التعامل مع الفلسطينيين".
وتابع، "ليس هناك بروتوكول بخصوص استعمال العنف الجسدي في كبح المستوطنين".
وأضاف الكابتن السابق، "يبدو الأمر كأن النظام القانوني الإسرائيلي على مستوى الدولة لا يتخيل إمكانية تحقق سيناريو يتعين فيه على الجنود أن يتعاملوا مع العنف الذي يمارسه المستوطنون. نحن لم نعط الأدوات المناسبة لتنفيذ ذلك العمل".
وكذلك وصف الكابتن كيف أن المستوطنين الذين كانوا يعيشون بالقرب من قرية "بورين" الفلسطينية جنوب غربي نابلس، حيث أدى خدمته، لم يهاجموا الفلسطينيين بوحشية فحسب، بل عمدوا أيضاً إلى منع الجنود من الوصول إلى مواقع الاعتداءات من خلال غرس مسامير معدنية في الأرض، الأمر الذي أعاق تقدم سيارات الجيش إلى المنطقة.
وزعم هذا الضابط أيضاً أنه عثر على كتيب إرشادي أعده مستوطنون أوجزوا فيه كيفية ارتكاب عمل عنيف في قرية فلسطينية. وقد وزع ذلك العمل على فصول استناداً إلى عدد المستوطنين المتوفرين للمشاركة.
وقد أخبر "اندبندنت" أن الكتيب يحتوي على مفكرة وهمية في نهايته، مقلداً بذلك نوع الكتيبات التي يستخدمها الجيش، وذلك لإعطاء المستوطنين فكرة عن مدى طول المدة التي يمكن أن تستغرقها أي وحدة عسكرية كي تلاحظ أن هجوماً يجري، وحتى تستجيب لهذا الهجوم.
وأضاف الضابط أن العنف في الضفة الغربية بات "يوسع نطاقه"، ويصبح "أكثر تطرفاً". وأردف، "المستوطنون يرون أنفسهم كدولة ضمن دولة." وأخيراً، لفت ذلك الضابط إلى أن "بعضهم (المستوطنين) يتحدث علناً عن تسليح مجموعات ميليشيات من أجل قتال الجيش الإسرائيلي إذا غير موقفه في يوم ما وحاول أن يطبق ضدهم القوانين نفسها التي يستعملها ضد الفلسطينيين".
وفي زاوية مقابلة، يتحدث الفلسطينيون ممن كانوا هدفاً لعنف المستوطنين عن حدوث طفرة في الفترة الأخيرة ضمن ذلك السلوك الذي يواجهونه، إذ ذكرت وجدان، 39 عاماً، وهي من سكان قرية "بورين"، إن ابنها قد أصيب قبل شهرين برصاصة في رأسه أثناء وجوده ضمن عقار تعود ملكيتهم إليهم. وأوضحت أن حياتها تتحول بشكل متزايد إلى ما يشبه "فيلم الرعب".
وزادت السيدة الفلسطينية، "كان الوضع سيئاً، بيد أنه ازداد سوءاً مع مرور الزمن". وتابعت، "لقد حولت بيتي إلى ما يشبه السجن، إذ نصبت سياجاً وسوراً حوله بسبب الهجمات".
وأشارت إلى أن المستوطنين قد أطلقوا النار على الأطفال في المدرسة المحلية، وأحرقوا أشجار الزيتون والأراضي أيضاً.
وتابعت، "الجيش يسهم مئة في المئة في الهجمات ويحمي المستوطنين. أستطيع أن أقول حقاً إن هذا العام أسوأ من العام الماضي".
وتظهر البيانات التي جمعها "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" أن 349 فلسطينياً قد أصيبوا بجروح في هجمات بدأها مستوطنون في النصف الأول من العام الحالي، بالمقارنة مع 248 جريحاً في عام 2020 بكامله، و384 إصابة سجلت في عام 2019 كله.
واتصالاً بذلك، وثق المكتب نفسه 273 حادثة وقع حين أصاب المستوطنون فلسطينيين بجراح أو ألحقوا أضراراً بممتلكاتهم في الأشهر الستة الأولى من 2021 بالمقارنة مع 360 حادثة خلال 2020 بكامله، و340 حادثاً في عام 2019 كله أيضاً.
وبصورة عامة، تفيد جمعية "بتسليم" أنها أوردت في سجلاتها هجمات تمثل زيادة بـ33في المئة خلال النصف الأول من 2021، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وقد نقلت تلك الجمعية إلى "اندبندنت"، أن "عنف المستوطنين الذي يستهدف الفلسطينيين أو ممتلكاتهم، يتصاعد، وقد نفذ بتعاون علني متزايد من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، مع دعم كامل من السلطات الإسرائيلية. ويشكل ذلك العنف جزءاً من سياسة إسرائيل في الضفة الغربية، التي أعدت خصيصاً بهدف تعزيز مصالحها". وأضافت الجمعية، "يشكل ذلك العنف عنصراً ثابتاً في نظام فصل عنصري يطمح إلى إخراج الفلسطينيين من أرضهم بغية تسهيل الاستيلاء عليها".
في ذلك المنحى، يشار إلى أن صحيفة "اندبندنت" تواصلت مع الجيش الإسرائيلي ومع "كوغات"، وهي وحدة تعمل ضمن وزارة الدفاع الإسرائيلية، بيد أنها لم تتلقَ أي رد حتى الآن.
وكخلاصة، يترافق تصاعد العنف مع ارتفاع مقلق في عدد البؤر الاستيطانية التي جرى بناؤها، وتوسع في المستوطنات الموجودة، بحسب مجموعة "السلام الآن".
وقد أحصت "حركة السلام الآن" منذ يوليو (تموز) 2018، إنشاء 42 بؤرة استيطانية غير مشروعة، بالمقارنة مع 16 بؤرة من النوع نفسه أنشئت في ثلاث سنوات سابقة على هذا التاريخ.
وقد علقت هاجيت عفران، من مجموعة "السلام الآن" على تلك المعطيات مشيرة إلى أن "المستوطنين في هذه الأثناء يشعرون بأنهم أصحاب عقارات في الضفة الغربية، وقد جاء الجيش والشرطة كي يخدمهم ويحميهم".
وأخيراً، ذكرت القوات المسلحة الإسرائيلية في بيان لها، أن "الإدارة المدنية تعمل بانتظام على إنفاذ قوانين التخطيط والبناء ضد إنشاء أبنية غير قانونية في "المنطقة سي" (داخل الضفة الغربية) فيما يتصل بالفلسطينيين والإسرائيليين، بالتوافق مع السلطات المعنية والإجراءات المرعية". وأضافت، "فيما يتعلق بالشكاوى التي تقدم من الفلسطينيين في شأن الاستغلال غير القانوني لأراضيهم من الإسرائيليين، تعتبر الشرطة الإسرائيلية الجهة المسؤولة عن التعامل مع شكاوى من ذلك النوع".
© The Independent