عاد ملف استدعاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال محاكمات "الفساد" الجارية في الجزائر إلى المواجهة مجدداً، بعد أن اعترف شقيقه سعيد بوتفليقة، بأنه المسؤول عن إلغاء أوامر بالقبض الدولي على وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل وأفراد عائلته.
سعيد يورط شقيقه الأكبر
بعد الوزراء ورؤساء الحكومات وإطارات الدولة، جاء الدور على المستشار "المثير للجدل" سعيد بوتفليقة لتوريط شقيقه الرئيس المستقيل عبد العزيز، واتهامه بالوقوف وراء "طمس" فضائح الوزير الأسبق للطاقة شكيب خليل، التي أحدثت صدمة لدى الرأي العام الداخلي والأوساط الاقتصادية والمالية في العالم.
وقال سعيد بوتفليقة، خلال التحقيق معه، وفق ما تداولته الصحافة الجزائرية بناء على محضر استجواب، إن الرئيس بوتفليقة، أعطى أوامر مباشرة للوزير السابق للعدل، الطيب لوح، الموجود بالسجن، من أجل إبطال قرار جلب دولي ضد شكيب خليل وعائلته، مضيفاً أن اتصالاته المكثفة مع الوزير الهارب من العدالة، ووزير العدل المسجون، كانت بهدف الحصول على تطورات الملف لإبلاغها للرئيس لا أكثر، وأوضح أن "الرئيس أمرني بصفتي مستشاره، بمتابعة مجريات هذا الملف".
ومن أجل إبطال القرار بالقبض الدولي ضد الوزير الهارب شكيب خليل وعائلته، طلب وزير العدل آنذاك الطيب لوح، في أواخر عام 2017، من المفتش العام لوزارته أن يتكفل "بقضية الأوامر بالقبض الصادرة ضد نجاة عرفات زوجة وزير الطاقة السابق شكيب خليل، ونجليه خلدون خليل وسينا خليل"، وأمره بأن ينسق مع قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي محمد، وتبليغهما بتعليمات الوزير بإصدار إخطارات بـ"الكف عن البحث".
وتعود تفاصيل القضية إلى 2013، عندما تم إصدار قرار بالقبض الدولي ضد شكيب خليل وزوجته الفلسطينية الأصل نجاة عرفات، وابنيهما سينا وخلدون، في قضايا فساد مرتبطة بشركة المحروقات الحكومية ”سوناطراك″، حيث أعلن عن القرار الوزير السابق للعدل بلقاسم زغماتي، حين كان يشغل منصب النائب العام لمجلس قضاء الجزائر، وقد تمت إقالته من منصبه بسبب هذه القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع الصحي يمنع
وتعليقاً على مطالب الوزراء والمسؤولين بإحضار الرئيس السابق بوتفليقة، ولماذا لم يتم استدعاؤه كمتهم أو كشاهد؟ يقول رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان سابقاً، مصطفى فاروق قسنطيني، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن الحالة الصحية هي ما تمنع إحضاره، "فوضعه الصحي لا يسمح له أبداً بالتنقل إلى المحكمة أو مساءلته عن بعد، فهو لا يقوى على الحديث ولا يمكنه توضيح أي شيء للقاضي"، معترفاً أنه بذلك تصبح المحاكمات ناقصة حيث يجب التذكير بحقوق كل المتهمين، مضيفاً أنه "كنا نتمنى إحضاره، لكن فاقد الشيء لا يعطيه. ولا يعقل أن يتم جلب رئيس الجمهورية في وقت سابق إلى قاعة المحكمة في وضعية لا تشرف".
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها توريط الرئيس السابق بوتفليقة وتحميله مسؤولية عدة فضائح واختلاسات وفساد من طرف الشخصيات الموجودة في السجن، وتلك التي تخضع للمحاكمات والتحقيقات، إلا أن الإعلامي المهتم بالشأن السياسي عبد الرحيم خلدون، يرى أن الوضع الصحي للرئيس السابق لا يسمح باستدعائه كشاهد أو متهم في مختلف قضايا الفساد، وقال إنه "نتذكر تصريحات المسؤولين السياسيين والأمنيين بعد استقالة بوتفليقة وانقلاب موازين الحكم، حين أكدوا استحواذ العصابة وعلى رأسها سعيد شقيق الرئيس على مقاليد الحكم وختم الرئاسة"، وهو الأمر الذي يكشف أن الرئيس السابق لم يكن في كامل قواه الجسدية ولا العقلية، وعليه فالعائق الصحي سبب عدم استدعائه للمحكمة.
مطالب سياسية باستدعائه
وطالب في وقت سابق، حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، باستدعاء الرئيس المستقيل والتحقيق معه في ملفات تخص فترة حكمه وأعماله ومساعديه ومستشاريه المتابعين قضائياً، وقال إنه "إذا كنا نريد أن تطبّق العدالة ولا شيء غير العدالة، بالإضافة إلى الاستقلالية التي يجب أن تتمتع بها حتى عن الرأي العام، فعلى القيادة الحالية أن تبدأ بالنأي عن الطابع الانتقائي للاعتقالات، وذلك باستدعاء كل العصابة"، مضيفاً أنه "يجب أن يسمع لأقوال عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الدولة المخلوع، عن أعماله وعن نشاط مساعديه، وإن هذا يعتبر الضمان الوحيد لنيل الصدقية، حتى لا تتحول عملية الأيدي النظيفة في الواقع إلى ما يشبه حملة لمطاردة السحرة".
الدستور يرفض
استدعاء بوتفليقة كمتهم هو أمر لا يقره الدستور، لأن المادة 177 صريحة وتنص على أن رئيس الجمهورية يحاكم أمام محكمة عليا للدولة عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، والوزير الأول يحاكم عن الجنايات والجنح التي يرتكبها خلال أدائه مهامه، أما استدعاؤه كشاهد فالخطوة ممكنة قانوناً، ويبقى أمر شهادته عبر القدوم للمحكمة أو الانتقال إليها نظراً لحالته الصحية متروك للمحكمة.
وقد طلب الرئيس السابق في رسالة استقالته من منصبه، "المسامحة والمعذرة والصفح عن كل تقصير ارتكبته في حقكم بكلمة أو بفعل، وأطلب منكم أن تظلوا في مستوى مسؤولية صون أمانة شهدائنا الأبرار، والتماس الصفح ممن قصرت في حقهم من أبناء وطني وبناته، من حيث لا أدري على رغم بالغ حرصي على أن أكون خادماً لكل الجزائريين والجزائريات بلا تمييز أو استثناء".