عاد خطاب ملك المغرب محمد السادس لمناسبة عيد العرش، ليضيء على واقع العلاقات مع الجزائر مجدداً، وعلى الرغم من عبارات وكلمات الود المستخدمة فإن عدم رد الجزائر الرسمية يكشف عن توجه يثير التساؤلات، بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي وعناوين الصحف ونشرات القنوات تجاوبت مع الخطوة بين مرحب ومن يعتبرها استفزازاً.
خطاب ودي بعد خصام ناري
وفي تحول مفاجئ، خاطب الملك المغربي محمد السادس، ود الجزائر، بقوله "أجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سوياً، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار"، معتبراً "أن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول".
وأضاف "قناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين، لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله...".
طي صفحة الماضي
وتعليقاً على ما جاء في الخطاب، يقول أستاذ الحقوق والباحث في الشؤون المغاربية، المغربي عبد المجيد بن شاوية، إن ما جاء في الخطاب هو دعوة لطي صفحة الماضي بخاصة فيما يتعلق بمسألة إغلاق الحدود، و"هو أمر لا يمكننا نحن كمغاربيين عامة تقبل المزيد من تداعيات بعض المواقف"، مضيفاً أنه "فيما يمكننا أن نسجله في موقف رسمي من سلطة عليا في المغرب، وهو موقف يثار بصدده هنا وهناك بعض من الشكوك وعدم الاطمئنان، فقد كان بمثابة صمام أمان على بعض القراءات والتأويلات في علاقة المغرب بالشقيقة الجزائر".
وأوضح أن الخطاب "في نظري تعهد رسمي من قبل المغرب والتزام يعقد به العزم على مواصلة مسيرة الروح البناءة وتجاوز كل المعضلات والإشكاليات السياسية والدبلوماسية العالقة، التي بدورها تعرقل البناء الجزائري والمغربي وكل صروح البناء المغاربي، على جميع المستويات".
وتابع بن شاوية، أن الخطابات ذات الصبغة الشمولية، تكون بمثابة إعلان عن خطوط عريضة، وليس المطلوب تفصيلها، مبرزاً أن "الذي يجب علينا أن ننتبه له هو عدم الارتكان إلى كل ما من شأنه أن يؤجج مصارع السوء في قراءاتنا أو سماعنا أو اطلاعنا على وجهات نظر ما، تزيد في الطين بلة بين البلدين، وتعرقل مسيرة شعبين، وكذا مؤسساتهما الرسمية".
لا إساءة ولا أخطاء
من جانبه، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية ومدير مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات، المغربي إدريس لكريني، أن الخطاب جاء متضمناً عدة مسائل التي تبرز أن المغرب لا يزال منشغلاً بالبناء المغاربي، ويسعى لإرساء علاقات متينة مع الجزائر، كما كانت هناك مجموعة من الرسائل التي تبرز أن المغرب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسيء إلى الجزائر أو استقرارها، كما كانت أيضاً إشارة واضحة إلى أن استقرار الجزائر يعني استقرار المغرب والعكس صحيح، وقال إن الخطاب يأتي في ظرف شهدت فيه العلاقات بين البلدين قدراً من الارتباك والتأزم من الجانبين.
وأبرز لكريني، بخصوص من يرى بأن الخطاب فيه استفزاز للجزائر، أن الأمر سيكون مستفزاً ربما للأطراف التي تنتعش من بقاء الوضع على حاله، أو التي لا تهمها مصالح المنطقة المغاربية، وأوضح أن دعوة المغرب ليست نشازاً ولا استثنائية وإنما هي امتداد لدعوات سابقة، والملك يريد إبراز الموقف الحقيقي للمغرب كرد فعل على بعض الخرجات الإعلامية والتصريحات التي تظهر هنا وهناك.
وختم أن المغرب لم يقدم أية إساءة للشقيقة الجزائر، وهو حريص على وحدتها واستقرارها، كما لم يرتكب أية أخطاء اتجاه الشقيقة الشرقية، وعليه فلا يمكن اعتبار أن هناك رسائل للتكفير عن الذنوب.
خطاب يعزز "لا ثقة"
في المقابل، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري، مبروك كاهي، أن مبادرات وقنوات حل المشاكل بين الدول معروفة وليست الخطب الموجهة عبر التلفزة.
وقال "كلنا شاهدنا كيف قدم رئيس دولة النيجر للجزائر وطلب صراحة فتح الحدود بين البلدين، ومثله فعل رئيس المجلس الرئاسي الليبي"، مبرزاً أنه بالعودة إلى الخطاب، لا يمكن اختزال المشاكل بين الدولتين في غلق الحدود فقط، فهناك المشاكل الأمنية، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، ووقف الحملات الاستفزازية العدائية، وضبط الحدود لا سيما من الجانب المغربي، والأهم إبداء حسن نية حقيقية، خصوصاً بعد سقطة سفير المغرب في الأمم المتحدة، إذ لم يُقل أو يُحاسب أو يُقدم ردٌّ رسميٌّ بشأن التوضيحات التي طلبتها الجزائر حول الحادثة الخطيرة والمخالفة للأعراف الدولية، وهو ما يعزز "لا ثقة".
ويواصل كاهي أن العاهل المغربي لم يوضح في خطابه ما "الجسم الدخيل"، وترك التأويلات على مصراعيها، مشدداً على أن الجانب الجزائري ينتظر إبداء حسن نية حقيقي وليس خطاباً تلفزياً، وذلك عبر الاستعداد لمفاوضات تعالج فيها القضايا الثنائية، وتضمن عدم تكرار ما حدث سنة 1994 من تصرف أحادي، وأيضاً بناء شراكة حقيقية تعود بالنفع على البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استعراض لتسويق التضليل
في سياق متصل، يرى أستاذ العلاقات الدولية، إدريس عطية، أن مطلب فتح الحدود هو قديم يتجدد منذ 2008، لأن "النظام المغربي تعود على تعليق كل مشاكله على الجزائر"، مبرزاً أن المغرب تجاهل بعض النقاط التي من أبرزها محاولة التلاعب بخريطة الجزائر ووحدتها الوطنية، وعدم رده على مطلب الجزائر بتقديم توضيحات بهذا الشأن.
دواعي الإغلاق
وفيما يتعلق بجذور المشكلة بين البلدين، يذكر أنه في صيف عام 1994 وقعت عملية تفجير بفندق "أطلس أسني" بمدينة مراكش، وهي الأولى من نوعها بالمغرب، واعتبرتها سلطات المملكة إرهابية واتهمت المخابرات الجزائرية بالضلوع فيها. وكشفت التحقيقات تنفيذ أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية وهم من أصول جزائرية ومغربية العملية، وقررت الرباط إثر ذلك فرض التأشيرات على الجزائريين، فيما كان رد الجزائر أكثر تشدداً، إذ أعلنت غلق الحدود مع المغرب من جانب واحد.
احترام حسن الجوار
يوضح المتخصص المغربي في المجال الأمني والاستراتيجي، محمد الطيار، أن "الخطاب الملكي لمناسبة عيد العرش خصص جزءاً مهماً لدعوة الجزائر إلى الحوار من أجل فتح الحدود، مع التركيز على تبديد كل المخاوف التي يعتمدها الطرف الجزائري في تبرير الاستمرار في إغلاق الحدود، مشيراً إلى أن بعض الجهات داخل الجزائر فهمت أن دعوات الملك محمد السادس نوع من التودد، وأن المغرب عليه أولاً أن يقدم اعتذاراً رسمياً، وأن دعوة الملك تبطن عكس ما تعلن، وأن لها أهدافاً غير بريئة إلى غير ذلك من التحليلات الغريبة التي تصدح بها الصفحات الأولى من الجرائد الجزائرية، إضافة إلى تصريحات المسؤولين في عدة مناسبات".
ويشير الطيار إلى أن موقف المجتمع الدولي تعكسه كبريات الصحف والقنوات العالمية، التي ترحب عادة بمساعي المغرب في هذا الشأن، معتبراً أن الرباط عندما تدعو الجزائر إلى الحوار والجلوس لمناقشة الملفات العالقة فهي تسلك تصرفاً يتماشى مع قواعد العلاقات الدبلوماسية وحسن الجوار، ويتماشى مع طبيعة الدولة في المغرب التي تستند في علاقتها إلى الحوار.
لماذا تكرار الدعوة؟
دعا العاهل المغربي في مناسبات عدة الجزائر إلى فتح الحدود، إضافة إلى دعوات متكررة لفعاليات مدنية مغربية وجزائرية، وعن أسباب تجديد تلك الدعوة، يقول محمد الطيار إن الملك محمد السادس يعي جيداً الوضعية الاقتصادية التي أصبحت تشهدها الجزائر وباقي الدول المغاربية المجاورة لها، وأن فتح الحدود من شأنه ليس فقط حصول نتائج إيجابية من انتعاش اقتصادي وازدهار في المناطق الحدودية بين الشعبين، ولكن سينعكس إيجاباً على باقي الدول المغاربية، إذ ستنشأ سوق تجارية مهمة في المنطقة تجعل معدلات التنمية في المستوى المطلوب، وتضع حداً لضياع العديد من الفرص الاقتصادية، مضيفاً أن ملك المغرب يعي المخاطر والتهديدات المحدقة بالمنطقة، ويسعى إلى وضع حد لمختلف الاستراتيجيات الأجنبية التي تستغل التوتر بين الدولتين لتنزيل سياستها، وتحقيق أهدافها.
الرد الجزائري
في سياق متصل، يتوقع المحلل السياسي الجزائري، رضوان بوهديل، أن يكون هناك رد فعل حقيقي لبلاده الذي سيكون دبلوماسياً، لأن "الجزائر مستعدة أيضاً لفتح باب الحوار في هذه القضية، إلا أن لديها شروطاً وهي الاعتذار عما تقوم به المملكة المغربية ومحاولة تبرير توقيع اتفاق السلام مع الكيان الصهيوني".
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد صرح في وقت سابق بإمكانية فتح الحدود، لكن فقط في حال تقديم المغرب اعتذاراً رسمياً للشعب الجزائري، معتبراً أن فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين زاد من عزلة بلاده خلال العشرية الدموية التي عرفتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن التكتلات الاقتصادية تقوي الدول خصوصاً أن السوق المغاربية تضم نحو 90 مليون مستهلك.
تفعيل الاتحاد المغاربي
يشكل المغرب والجزائر الدعامتين الأساسيتين لقيام اتحاد مغاربي فعلي، إلا أن الخلافات بين البلدين التي اندلعت منذ عام 1975 إثر استكمال المغرب لوحدته الترابية بعد استرجاعه منطقة الصحراء عكرت صفو العلاقات بين الطرفين، إذ تدعم الجزائر ما تسميه حق "الشعب الصحراوي" في تقرير المصير، وهو الأمر الذي يغضب المغرب، إضافة إلى استضافة ودعم جارته "جبهة البوليساريو" التي يتنازع المغرب معها السيادة على الصحراء.
من جانبه يعتبر الرئيس التونسي الأسبق، منصف المرزوقي، نداء ملك المغرب محمد السادس لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الجزائرية المغربية أمراً إيجابياً جداً، موضحاً "أمنيتي ككل المغاربيين ألا تبقى صيحة في واد ليخرج الاتحاد المغاربي من غرفة الإنعاش لغرفة النقاهة بانتظار عودته للمشي على قدميه".