توجت دول جنوب وجنوب شرقي آسيا بميداليات ذهبية، في منافسات لعبة كرة الريشة خلال الأولمبياد المقامة حالياً في طوكيو، وتنتشر رياضة كرة الريشة بشكل واسع في الأرخبيل، وتعد اللعبة الشعبية الأولى في المنطقة، كما تشهد اللعبة هيمنة آسيوية في المنافسات العالمية والأولمبية، في وقت يعتبر الإندونيسيون كرة الريشة ككرة القدم للبرازيليين.
لعبة بتاريخ قديم
وبدأ ظهور لعبة كرة الريشة في الهند والصين واليونان القديمة، وتشير بعض المراجع إلى أن اللعبة بدأت في الهند بمسمى "بونا"، وتبنى في 1860 ضباط الجيش البريطاني في الهند هذه اللعبة ثم نقلوها معهم إلى إنجلترا حيث حظيت بشهرة واسعة.
وتُلعب كرة الريشة باستخدام المضرب الذي قد يختلف شكله ووزنه بشرط ألا يتجاوز طوله 680 ميليمتراً، وإجمالي عرضه 230 ميليمتراً، وتُصنع كرة الريشة المعروفة باسم "الشتلكوك" من 16 ريشة جناح من الأوز أو البط، وترتكز اللعبة على نظام النقاط، وتحتسب نقطة لصالح اللاعب الذي يستطيع ضرب الكرة فوق الشبكة ليسقطها على أرضية الملعب الخاصة بالخصم قبل أن يستطيع الخصم ردها مرة أخرى.
أولمبياد ميونيخ
كما ظهرت اللعبة لأول مرة في أولمبياد ميونيخ عام 1972 كرياضة استعراضية، ثم أُقرت كلعبة أولمبية بعد عقدين في أولمبياد برشلونة، وشهدت الأولمبياد الأولى للعبة اكتساحاً آسيوياً للتتويج، وحصد الآسيويون 15 ميدالية من إجمالي 16 ميدالية قدمت في اللعبة، وكانت الميدالية غير الآسيوية الوحيدة في هذه البطولة من نصيب الدنمارك.
وتسبب تأخير إدراج اللعبة في الأولمبياد بحرمان عدد من أساطير كرة الريشة القدامى كالإندونيسي ليم سوي كينغ، واللاعب الهندي باركاش بادكون، واللاعبة الصينية لي لينغوي من الفوز بميداليات أولمبية.
تفوق نسوي آسيوي
ومنذ عام 1992 الذي أقرت فيه كرة الريشة لأول مرة في الأولمبياد، حصدت أولى الميداليات الذهبية اللاعبة الإندونيسية سوسي سوسانتي، التي تعد بطلة شعبية في بلادها، كما أن ذهبية كرة الريشة أهدت لإندونيسيا أول ميدالية أولمبية في تاريخها.
وتهيمن السيدات الآسيويات على اللعبة، فبدءاً من فوز سوسي سوسانتي في أولى الأولمبياد، وحتى فوز اللاعبة الصينية تشن يوفي بذهبية أولمبياد طوكيو 2020، كان لسيدات آسيا النصيب الأكبر من ميداليات المنافسات الأولمبية، فمن بين ما يصل إلى 60 ميدالية لم تحصل السيدات غير الآسيويات إلا على 10 ميداليات أولمبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير الإحصائيات إلى تفوق دول آسيا، بخاصة شرق وجنوب شرقي آسيا، في حصد ميداليات اللعبة على مر المنافسات الأولمبية المتعاقبة. وتهيمن الصين على اللعبة بامتلاكها ما يصل إلى 44 ميدالية منذ أولمبياد 1992 وحتى فوز لاعبيها في منافسات أولمبياد طوكيو، وتليها إندونيسيا وفي رصيدها 21 ميدالية أولمبية، ثم كوريا الجنوبية بـ20 ميدالية في منافسات اللعبة. ومن بين ميدالياتها الـ12 في كل الألعاب الأولمبية التي شاركت فيها ماليزيا، تدين بتسع ميداليات (أي ما يصل إلى ثلثي الميداليات) لرياضة كرة الريشة، وجاءت ميداليتها الأولى مع أول أولمبياد تدرج فيها اللعبة، وحصلت ماليزيا على البرونزية في منافسات زوجي الرجال.
أربع ميداليات
وحصلت اليابان على أربع ميداليات، وتايوان على ميداليتين، والهند على ثلاث ميداليات خلال الأولمبياد المختلفة منذ إدراج اللعبة في المنافسات الأولمبية.
كما فاز التوأم الصيني لو ينج ولو يو بلقب سلسلة "السوبر" العالمية لكرة الريشة في فئة زوجي السيدات لعام 2015، وكانت سابقة من نوعها حيث كانتا أول توأم يحصل على اللقب، وتصدرت اللاعبتان التصنيف الأول في اللعبة بعد فوزهما بالبطولة، ولكنهما لم تستمرا كثيراً في اللعب إذ أعلنتا الاعتزال في 2017 بعد إخفاقهما في التأهل إلى الأدوار النهائية بأولمبياد ريو 2016.
رياضة شعبية
بحسب ما تذكر بعض المصادر التاريخية، فإن بداية دخول لعبة كرة الريشة إلى إندونيسيا كانت في عام 1930، كما أدخلت بريطانيا اللعبة لسنغافورة وماليزيا اللتين كانتا مستعمرتين لها في هذه الفترة، ومع انتشار شعبية اللعبة، تشكل الاتحاد الإندونيسي لكرة الريشة في 1951 والتحقت إندونيسيا بعد ذلك بعامين بالاتحاد الدولي للعبة ما أهلها للمشاركة في المنافسات الدولية. وتعد إندونيسيا أكثر الدول نجاحاً حتى الآن في منافسات كأس توماس للعبة كرة الريشة حيث حازت 13 لقباً من بين 30 لقباً، تليها الصين بـ10 ألقاب، في وقت فازت ماليزيا بخمسة ألقاب.
وتنتشر الرياضة على نطاق واسع في إندونيسيا وماليزيا، فمعظم السكان المحليين يمارسونها، ومن بين الأسباب التي جعلتها تحظى بذلك الانتشار كونها رياضة غير مكلفة إلى جانب سهولة الوصول إليها حيث يمكن لعبها في المناطق المجاورة أو الباحات أو الشوارع، ووجود عادات لعبها في المناطق المفتوحة المختلفة، كما أن لعبة كرة الريشة لا توجد بها تفرقة عنصرية وأخرجت عدداً من الأبطال الإندونيسيين والماليزيين ما يجعل اللاعبين من الصغار والشباب يطمحون في أن يكونوا يوماً من الأسماء التي تحضر على منصات التتويج العالمية وفي الأولمبياد.
وتعتبر كرة الريشة مصدر فخر للإندونيسيين إذ ترفع اللعبة اسم بلادهم وعلمها في المحافل الرياضية والدولية، ويرونها جزءاً من هويتهم، كما كان لفوز إندونيسيا بالذهبية مع إدراجها في الأولمبياد قبل عقود عاملاً مهماً في زيادة شعبيتها بين الأطفال والشباب.
ككرة القدم
وشبه البعض رياضة كرة الريشة بالنسبة للإندونيسيين ككرة القدم للبرازيليين و"الهوكي" و"الكريكيت" للهنود، فعندما نظمت جاكرتا دورة الألعاب الآسيوية في 2018، شهدت مباريات كرة الريشة حضوراً حاشداً من الجمهور الإندونيسي، وتميز بحماسه الذي كتبت عنه وسائل إعلامية عدة وقتها. ومن بين أهم الأسباب التي أسهمت في تفوق إندونيسيا باللعبة نظام أندية كرة الريشة في البلاد، حيث تسعى أعلى أندية اللعبة في إندونيسيا إلى البحث عن المواهب الجديدة من أنحاء البلاد كافة إلى جانب أنها ممولة جيداً وتمتاز بالتنافسية.
ويؤكد ميشيل تشاي، المدير العام السابق لاتحاد كرة الريشة في ماليزيا، أن سبب شعبية اللعبة في المنطقة هو رغبة الجميع في الانخراط في ما يجيدون فيه، وأن آسيا أدت على أكمل وجه في المنافسات الدولية والعالمية هذه الرياضة ما أكسبها شعبية كبيرة للغاية في البلدان الآسيوية، كما يشير إحصاء أجراه اتحاد كرة الريشة في ماليزيا عام 2018 أن واحداً من بين كل ثمانية ماليزيين يلعبون كرة الريشة أكثر من كرة القدم.