إذا جربت دخول حديقة شادي، فسترى حولك أدوات المطبخ والمنزل بحلة أخرى، وستظن للوهلة الأولى أنه ينفق كل أمواله لتزيين حديقته، وجعلها خضراء وملونة بهذا الشكل، لكن إن دققت النظر في التفاصيل فستجد أن "شادي يزرع في أي شيء يصادفه"، كما يصفه من يعرفه، فهو أنشأ حديقته المنزلية قبل خمسة سنوات، ليصممها ويزرعها بالأشجار والورود التي يحبها، ويعيد استخدام معظم الأشياء التي في محيطه للحفاظ على البيئة والاستثمار فيما توافر من مواد.
يقول شادي عبدالله، وهو صحافي وهاو للطبيعة، إنه تعلم إعادة الاستخدام والتدوير في المنزل منذ صغره، وعندما انتقل للعيش لوحده، بدأ يحاول استثمار محيطه في جعل الحديقة مريحة، ويستمر في تجربة الأشياء ليعرف مدى صلاحيتها للزراعة، فمثلاً يستخدم القمصان كأغطية للوسائد، ويزرع نباتاته في الأوعية الزجاجية الخاصة بالمربى والزيتون وغيرها أو في الأحذية التالفة، أو أوعية الطبخ ودلال القهوة وعجلات الدراجات الهوائية، وأحياناً في قنابل الصوت والغاز التي يجمعها بعد انتهاء المواجهات بين الشبان الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.
ملابس الدمى
أما الشابة براءة مصلح، فوجدت هوايتها وشغفها في شيء آخر، فهي قررت استثمار حبها للخياطة والتطريز في صناعة دمى قماشية ترتدي ملابس معاد تدويرها من المطرزات والملابس اليومية والجرابين والخرز الذي على الأقمشة.
وتوضح براءة أنها تعمل على تطوير نفسها في هذا الأمر، كأن تتعلم مهارات أكثر في رسم الوجوه وطبيعة الملابس لكل دمية، ونوع القماش المستخدم لكل جزء من الدمية، وتلوين الأقمشة باستخدام طلاء الأظافر المتوافر في المنزل، لأن هذه الملابس والمواد لم تعد تستخدم، وبالتالي فإن الخيارات المتاحة إما رميها في النفايات أو صنع أشياء جميلة منها، وأيضاً لأن أسعار المواد الخام مرتفعة وليس من السهل إيجادها في السوق.
مخلفات النحل
ليست فقط الملابس والأوعية التي من الممكن استخدامها مجدداً، بل شمع النحل أيضاً، فإسلام دغلس من جمعية مربي النحل التعاونية في جنين يقول إن النساء بدأن إعادة تدوير شمع العسل المستخدم في خلايا النحل لأسباب عدة، كان أبرزها صعوبة التخلص من الشمع التالف بالحرق، لأن الدخان الناتج منه يعتبر ملوثاً للبيئة، ولإيجاد مصدر دخل لبعض النساء في المنطقة وتوفير فرص عمل جديدة للنساء والشابات في هذا المجال.
ويوضح إسلام أن الشمع المستخدم في تربية النحل يصلح للاستخدام فقط ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، لأنه بعد ذلك سيسبب أمراضاً في خلايا النحل، لهذا جرى التوجه إلى إنشاء خطوط إنتاج وإعادة تدوير هذا الشمع وصنع شموع للزينة بروائح عطرية وأشكال مختلفة، أو عمل منتجات تجميلية كمرطبات الوجه، أو حتى الصابون اليدوي، كما أنه يجري العمل على توظيف مزيد من السيدات في هذا المجال.
ويشير إسلام إلى أن إنتاج الشمع الطبيعي يواجه مشكلات عدة، تتمثل في الكلفة المرتفعة للتصنيع، وبالتالي للمنتج النهائي أمام المنتجات المستوردة، إضافة إلى قلة الخطوط التسويقية وصعوبة الوصول لكل المناطق، عدا عن ارتفاع أسعار ماكينات التصنيع وعدم القدرة على توفيرها، لأن الجمعية غير ربحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعليم الأطفال إعادة التدوير
أما مجادة هاشم، وهي مسؤولة الزاوية الفنية في أحد المخيمات الصيفية، فتحاول دائماً تعليم الأطفال إعادة التدوير واستخدام المهملات في تزيين المنزل بدل التخلص منها، فمثلاً صنع المقالم وتلوينها من الأوعية البلاستيكية أو أزهار الزينة من الأكياس البلاستيكية الملونة، عبر الطلب من كل طفل إحضار ما يتوافر في منزله من بلاستيك وأقمشة، وترك المجال له ليتخيل ما يمكن صنعه، موضحة أن هذا الخيار أفضل للحفاظ على البيئة ولارتفاع كلفة المواد الخام.
لكنها تشير إلى أنه من الصعب أن يكون هذا العمل مصدر رزق، لأن ثقافة المجتمع التي لا تشجع على التدوير، وتقلل من شأن هذه المنتجات يبخس ثمنها، ولا تشجع أصحاب هذه المبادرات على الاستمرار فيها.
تأتي كل هذه المبادرات الشبابية الفردية في وقت تغيب فيه قوانين ناظمة أو سياسات وطنية أو مشاريع على أرض الواقع وطويلة الأمد في ما يتعلق بإعادة التدوير وإعادة استخدام النفايات في فلسطين، فقلة ما ترى أماكن وضعت فيها حاويات لفصل النفايات الورقية والزجاجية والعضوية عن بعضها، وحتى لو وجدت فإن الالتزام لا يكون عالياً.