في إطار مساعيها الحثيثة أخيراً، تواصل الإدارة الأميركية الجديدة تكثيف ضغوطها الدبلوماسية على ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران لإجبارها على الرضوخ لدعوات السلام الدولية المتنامية نحو إنهاء الحرب في اليمن، وسط تشكيك يمني وشعبي حول جدية واشنطن.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، إن الحوثيين مسؤولون عن الكثير من المعاناة التي شهدها الشعب اليمني، وتسببهم في أسوأ كارثة إنسانية في العالم معظمها من صنع الإنسان، والفاعل في هذه الحالة هم الحوثيون.
وأشار برايس، خلال الإيجاز الصحفي اليومي، إلى أن المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، دعا عند زيارته الأسبوع الماضي المنطقةَ الحوثيين إلى وقف إطلاق النار في مأرب وجميع أنحاء البلاد، إذ إن القتال قد زاد من معاناة الشعب اليمني، مضيفاً استمرار رفض الحوثيين الانخراط في اجتماع لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات سياسية.
وأفاد برايس أن أميركا تواصل دعم تلك الدبلوماسية لمعالجة الظروف الإنسانية، وللتوصل إلى اتفاق بين الأطراف يمكن أن يخفف من معاناة الشعب اليمني.
وأضاف "بدلاً من ذلك، يواصل الحوثيون هجومهم المدمر على مأرب الذي يدينه المجتمع الدولي ويترك الحوثيين في عزلة متزايدة"، غير أن محللين كثراً يتساءلون عما يجعل واشنطن تحجم عن استخدام أدوات الضغط التي يفهمها الحوثي وهي "الحرب".
ما جديد المباحثات الجديدة؟
وعاد المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن بعد جولة مباحثات جديدة في السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والأردن، لمناقشة الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن والحاجة الملحة إلى وقف إطلاق النار الشامل لإغاثة اليمنيين.
يأتي هذا فيما يواصل الحوثيون في الآونة الأخيرة حملة على منطقة مأرب الغنية بالغاز، بهدف انتزاع السيطرة على آخر معقل للحكومة في شمال اليمن، وحذرت الأمم المتحدة من أن ملايين المدنيين في خطر.
وفي تعليق على رفض الحوثيين دعوات السلام بما فيها المبادرة السعودية التي أيدتها الحكومة الشرعية وحظيت بإجماع دولي، استنكرت الناطقة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث، في مقابلة خاصة مع "اندبندنت عربية" أخيراً، ما وصفته بـ"تعنت الحوثيين"، مشددة على أن الولايات المتحدة تكرس جهودها الدبلوماسية لتحقيق حل دائم ونهائي وسلمي للأزمة، بينما تتعاون مع حلفائها في العالم، خصوصاً في الخليج، لتحقيق وقف إطلاق النار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تقر المتحدثة الأميركية أن الحوثيين يمثلون الطرف الرافض لدعوات السلام، قالت إن الولايات المتحدة تستخدم ورقة العقوبات للضغط عليهم، واستشهدت بالعقوبات الأخيرة على بعض القيادات بالجماعة اليمنية المتهمة بولائها لإيران، مؤكدة استمرار ممارسة الضغط على الحوثيين، والعمل مع الشركاء لإيجاد أدوات إضافية.
مساع بلا جديد
وبمجيء إدارة الرئيس جو بايدن، وضعت الولايات المتحدة عملية إنهاء الحرب في اليمن في أولوياتها الخارجية وفقاً للأطر الدبلوماسية، بدأتها بوقف الدعم العسكري للتحالف العربي المساند للحكومة الشرعية اليمنية التي انقلب عليها الحوثيون بقوة السلاح، وعينت مبعوثاً خاصاً بهذا الشأن، وفي خطوة جريئة، رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، ضمن حزمة قرارات دفعت مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى التحدث في مايو (أيار) الماضي، عن طاقة دبلوماسية لم تكن موجودة من قبل، داعياً كل الأطراف إلى انتهاز الزخم الدبلوماسي الإقليمي والدولي لإنهاء الصراع الدامي.
إلا أن الحلول الدبلوماسية لم تجد نفعاً لإسكات آلة الحرب الضروس التي تطحن واحداً من أفقر الشعوب العربية، على الرغم من المبادرة السعودية التي عدها مراقبون يمنيون وعرب خطوة بناءة متقدمة نحو وقف الحرب ورغبة حكومة الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي، في تسوية الخلافات، كما لم يحقق تعاقب المبعوثين الأمميين من نيويورك، وسفرهم بين الرياض ومسقط وعدن، وأخيراً، صنعاء التقدم المرجو، إذ لا يزال الرفض الحوثي لمبادرات السلام عقبة أمام الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها، الأمر الذي يثير التساؤلات حول موقف واشنطن من اليمن بعد أكثر من ستة أشهر من تغييرات عاصفة، ركزت أنظار المجتمع الدولي على الحرب لكن من دون إحداث تقدم جوهري نحو السلام الذي ينشده ملايين الأطفال والنساء المشردين في أصقاع العالم.
عندما تجهز الميليشيا للسلام
سبق ذلك حديث مماثل للمبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، منتصف مارس (آذار) في كلمة له أمام مجلس الأطلسي بعد زيارة للمنطقة لإحياء الجهود لإنهاء الصراع، أكد خلالها طرح واشنطن خطة تشمل إنهاء الحرب، لكنه كشف عن عدم جاهزية الحوثيين للامتثال لها. وقال "سأعود على الفور عندما يكون الحوثيون على استعداد للحوار".
وقال إن "الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تحثان الحوثيين على الرد... إذا لم نتمكن من إحراز تقدم الآن، فسوف تدخل البلاد في صراع وعدم استقرار أكبر".
وقال ليندركينغ "لدينا الآن خطة متماسكة لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد بعناصر من شأنها أن تعالج على الفور الوضع الإنساني المزري في اليمن مباشرة... هذه الخطة معروضة على قيادة الحوثيين لعدد من الأيام".
ولم يقدم مزيداً من التفاصيل، وقال إن الخطة تلقى دعماً من السعودية.
أولوية الحرب
وكما جرت العادة، يرجع الحوثيون حربهم إلى ما يقولون إنه للدفاع عن اليمن وسيادته من الاحتلال الأميركي. وقال القيادي في الجماعة، محمد علي الحوثي، إن "أميركا تضع خيار الحرب أولوية لها في اليمن في حين تتظاهر بالسلام".
وأضاف في تغريدة له أن "فرض العقوبات بزعم فرض السلام عائق له من دون جدوى"، وفق ما نقلت قناة "المسيرة" الناطقة باسم الجماعة.
ومنذ نحو سبع سنوات، يشهد اليمن حرباً مستمرة، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 في المئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.