باشرت روسيا التحرك باتجاه قطاع النقل البحري والجوي مستحوذة على صفقات استثمارية لمواقع حيوية على الأرض السورية، ومستفيدة من خبرات تملكها في هذا المجال مع تقدم سريع تحرزه في الميدان العسكري منذ العام 2016.
الاستثمار والإعمار
تسعى موسكو إلى تسويات سياسية سورية بشروط منصفة لجميع الأطراف المتنازعة، بهدف وقف الحرب وانتزاع الحل السياسي للتفرغ باتجاه إعادة الإعمار.
وإلى ذلك الحين، تتغلغل الشركات الروسية كسند في إعادة بناء البنى التحتية المدمرة، بعدما دخلت من بوابات عديدة، منها العقارات والإنشاءات والنقل، للحصول على الصفقات التجارية في هذه القطاعات، الأمر الذي تودّه دمشق من حليفها الروسي، خصوصاً أن الحكومة السورية أعلنت أن من يعيد الإعمار هي دول صديقة في إشارة منها إلى الصين وروسيا وإيران.
المطار الدولي
تشي المعلومات عن تفكير جاد لتسليم مطار دمشق الدولي الذي يبعد 25 كيلومتراً عن العاصمة شرقاً إلى روسيا للاستثمار فيه، خصوصاً بعدما أعلن مدير مطار دمشق الدولي المهندس نضال محمد عن دراسة لاتفاقية مع شركة أجنبية جنسيتها روسية لاستثمار المطار. ويعزو أسباب ذلك إلى الواقع الفني المتردي للمطار الذي يحتاج إلى تأهيل وتوسيع، عدا عن العجز والحالة المتردية من الناحية الخدمية.
تفكيرٌ قوبل باعتراض من قبل المعارضة، وحتى من قبل موالين ممن لا يرغبون في تزايد تمدّد النفوذ الروسي. وقد وصفت المعارضة ما يحدث، خصوصاً مع تسليم المطار، بالبيع لمرافق البلاد. قبل فترة زمنية، وقّعت السلطات السورية اتفاقية استثمار مع روسيا بشأن ميناء طرطوس، كأنها جوائز ترضية تغدقها دمشق على الحليف الروسي، لإنجازاته التي تصبّ في خدمة السلطة.
حالة متردية
في المقلب الآخر، يخفّف مراقبون موالون للسياسة الاقتصادية للحكومة السورية من تلك الاتهامات. ويقولون إن هذا الخيار منطقي ويحدث في كثير من البلدان من بوابة الاستثمار (BOT) وليس بيعاً كما يروّج له. وذكر مصدر مطلع في قطاع النقل الجويّ أن تسليم المطار إلى الحلفاء الروس انتقل من مرحلة التفكير إلى التوافق، في وقت لم تتضح بعد الخطوط العريضة والتفصيلية لهذا الاتفاق.
والواقع أن قطاع النقل يسعى إلى لملمة خسائره التي تكبّدها طيلة فترة الحرب، مع توقف العديد من مرافقه الحيوية، كما هي حال الملاحة الجوية والبحرية، التي أدّت إلى انخفاض إيرادات بقيمة مئة مليون دولار سنوياً، أي ما نسبته 93 في المئة من إيرادات هذه الوزارة.
القدرة الاستيعابية
سوريا التي تملك خمسة مطارات، تفكّر اليوم بإنشاء مطار جديد في العاصمة، وفق ما أعلنه وزير النقل علي حمود، لكون القدرة الاستيعابية الصغيرة للمطار الحالي المقدرة بـ 5 ملايين مسافر غير كافية.
وتبرّر مصادر الاتفاق مع روسيا بالأوضاع المزرية للمطار، بما في ذلك حالة صالة الركاب القديمة البالغ عمرها أربعة عقود، وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل، وما تشوبها من حالة الترهّل عدا عن تراجع الخدمات فيه. وتؤكد إدارة المطار أن هذا التراجع على المستوى الخدمي سببه الحرب وقلّة الرحلات المسيّرة من المطار وإليه، وقصف إسرائيل جزءاً منه بذريعة تمركز مقاتلين لحزب الله ومجموعات إيرانية فيه.
الحليف الجديد
في المقابل تخفي إيران توجّسها من تزايد التمدّد الروسيّ واستحواذ شركاته على الاستثمارات، وعينها باتجاه ميناء اللاذقية حيث من الممكن، كما ترجّح مصادر معارضة، أن تقوم باستثماره في تكرارٍ للسيناريو الروسي، وإن بدت حالياً منشغلة باحتمال الاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة، في ظل تراجع اقتصادها داخلياً، ونزاعاتٍ سياسية مع دول الخليج، لتستفيد موسكو من الفراغ الحاصل مقتنصةً المزيد من الفرص الاستثمارية.
على أن استثمار الحليف الروسيّ لا يُحزن دمشق، فهي مرتاحة إلى الاستثمارات، خصوصاً في قطاع المرافئ البحرية والمطارات الجويّة، ما سيتيح لها كسر الحصار من البوابة الروسية على العالم.