انتاب الحاج شير أحمد أحمدي شعور مألوف ومطمئن فيما وجّه قاذفة صواريخ "آر بي جي" نحو موقع قوات "طالبان" وراء أحد المباني المهجورة. لقد حمل السلاح نفسه منذ ثلاثة عقود عندما كان شاباً يحارب الروس.
كان يفضل أن يقضي هذا الوقت في الاهتمام بمحاصيله الزراعية في مزرعته التي تحتاج إلى رعايته، كما يقول، لكنه شعر بأنه غير قادر على تجاهل نداء الواجب مع وصول المسلحين إلى أبواب هرات وتهديدهم باقتحام المدينة.
ولفت الحاج شير أحمد إلى كونه مجاهداً متمرساً، وطلب الوجود في الجبهة الأمامية، ويقول رفاقه إنه أثبت جدارته لدرجة أن قناصي حركة "طالبان" أخذوا يبحثون عنه شخصياً. بعد أكثر من عشر محاولات، نجحوا في النهاية بإصابته في رأسه.
ويقول المحارب القديم، وهو يرسم ابتسامة على وجهه المتغضّن، "لحسن الحظ أنها لم تكن إصابة خطيرة جداً؛ كان الرصاص قد أطلقه عليّ أحد محاربي "طالبان" الذين لم يدربهم الباكستانيون جيداً. إنها ليست مثل الإصابة التي تلقيتها على يد الروس منذ سنوات بعيدة - فقد أجاد أولئك عملهم".
"لقد عدت في اليوم التالي إلى الجبهة، لكن القائد خان أمرني بالعودة والراحة. ثم عدت في اليوم الذي تلاه، لكنه ردني مجدداً. وقال إنه عليّ أن أرتاح وأكون بصحة جيدة استعداداً للمعركة القادمة، وإن هذا المواجهة ستدوم طويلاً".
أما مسؤول العمليات، القائد خان، فهو محمد إسماعيل خان، قائد سابق مهيب للمجاهدين، حارب الروس و"طالبان"، وقام الآن بتنظيم مواقع الدفاع في المدينة، وحشد قوات المتطوعين، وهو يقود المعركة بعمر السبعين.
ويقول الرجل المشهور باسم "أسد هرات"، إن هذه من أهم المعارك في حياته.
كما تشن حركة "طالبان" هجمات مستمرة على قندهار ولشقر غاه، لكن هاتين المدينتين تقعان في الجنوب، في منطقة البشتون التي تستمد منها الحركة الإسلامية الدعم تاريخياً، ولذلك يشكل الاستيلاء على هرات في الغرب، معقل الخصوم التقليديين لهم، دعماً هائلاً لحركة طالبان التي تزعم بأنها توشك على تأسيس إمارة لها على كامل أراضي البلاد.
وبسبب نقص في الجنود والأسلحة القادمة من الحكومة في كابول، التي يبدو أنها تفاجأت بسرعة تقدم حركة "طالبان" بعد الانسحاب العاجل للقوات التي تقودها الولايات المتحدة، نزولاً عند أوامر الرئيس بايدن، انضم الحاج شير أحمد وثمانية من أبنائه التسعة إلى 6 آلاف متطوع يشاركون حالياً في القتال.
وأراد أن يشدد على التالي، "صدقني، لو استولت حركة (طالبان) الجديدة هذه على السلطة، فستكون أسوأ من الروس. علينا إيقافها. لم أضطر أن أطلب من أبنائي الانضمام، فقد فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم. ولديّ أصدقاء وجيران فعلوا الأمر نفسه. هذا بلدنا، وهرات ولايتنا؛ لن نسمح لهؤلاء الناس بالقدوم ووضع يدهم عليها. يرغب الجميع بالمساهمة: لقد منعناهم من دخول مدينة هرات، والآن ندفعهم إلى التراجع".
في بداية الأسبوع، كان المشهد يوحي بأن هرات هي المدينة الأولى من بين المدن الثلاث التي ستقع، وقد أنشأت الأمم المتحدة جسراً جوياً لنقل موظفيها المحليين وعائلاتهم من المدينة، كما وردت تقارير حول قيام مسؤولين في الحكومة المحلية بتمزيق وثائق في حال من الذعر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما زالت جولات القتال العنيف دائرة في الضواحي، لكن مقاتلي "طالبان" اضطروا للتراجع بعد هجومهم على وسط المدينة. ويعزى ذلك إلى عدد من الأسباب، وهي: بعد المسافة بين المتمردين وخطوط إمدادهم في باكستان؛ ومقاومة المتطوعين والقوات الحكومية؛ والغارات التي تشنها الطائرات الحربية الأفغانية والأميركية، ومن ضمنها استخدام مقاتلات من طراز "بي 52" آتيةً من قاعدة دييغو غارسيا العسكرية، هذه الغارات كان لها أثر كبير، لكن "طالبان" تستمر بالدخول إلى المدينة من أجل تنفيذ هجمات مدمرة. مساء ليلة الأربعاء، تم اغتيال وحيد قحستاني، قائد الشرطة الفعال الذي يحظى بالشعبية، بعد مطاردته إلى مكتبه، في آخر حلقة من سلسلة اغتيالات تطاول المسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن عارضوا الإسلاميين.
ما يحدث في هرات يؤثر على مناطق أخرى من البلاد، إذ تشهد مدن وبلدات أخرى إنشاء كتائب من المتطوعين. وقد أعلن الرئيس أشرف غني عن خطة وطنية لحشد المواطنين، حتى أن بعض المدن الأخرى أخذت تردد صيحات "الله أكبر" المسائية، التي يطلقها الناس في الشوارع وفوق الأسطح في تحدٍ للمتمردين. وتذمرت حركة "طالبان" من استخدام "الكفار" شعارات مقدسة. كما اشتكت من شراسة الخطط التكتيكية التي تستخدمها قوات هرات ومن القصف الغربي.
ويتردد أن الخسائر التي تكبدتها الحركة الإسلامية في هرات ومناطق أخرى هي أحد الأسباب التي دفعت بـ"طالبان" إلى تغيير خططها، حيث لجأت إلى انتحاري ومسلحين في الهجوم الذي شنته هذا الأسبوع في كابول وأسفر عن مقتل 13 شخصاً وإصابة عشرات آخرين.
وفيما تشتكي حركة "طالبان" من الضربات الجوية الغربية، لا يشك إسماعيل خان - الذي يشدد على عدم رضاه عن الوجود العسكري الروسي أو الأميركي في بلاده - في هوية العدو الأجنبي حالياً.
باكستان هي من تقود الحرب في هرات. هذه ليست حرب "طالبان"، والحركة تستخدم كأداة فحسب
"هذه حرب بين باكستان وأفغانستان. لم نقبل بالاحتلال الروسي لبلادنا، فلم نقبل بالاحتلال الباكستاني... علينا القتال من أجل بلادنا، تماماً كما فعلنا في مواجهة الروس"، يقول محمد إسماعيل خان، القائد السابق لحركة المجاهدين.
"تزعم حركة (طالبان) أنها تغيرت، لكن ما عليكم سوى النظر إلى ما تفعله في المناطق التي وقعت تحت سيطرتها، من عمليات قتل وقمع. هذا ما لا يريده الناس، ولذلك يتطوعون لحماية منازلهم وبلادهم".
يتمنى غول محمد حسيني ألا يضطر الناس إلى حمل الأسلحة، لكنه يقول إن ما يحصل لا يترك أمامهم خياراً آخراً. ولذلك، أخرج رجل الأعمال البالغ من العمر 58 عاماً رشاش الكلاشنيكوف AK-47 الذي كان ملفوفاً بقماشة مشمعة وموضوعاً داخل صندوق، وتطوع للمشاركة في القتال.
وكان الرجل يوماً، مثل الكثيرين غيره في صفوف هذه القوات، جزءاً من المقاومة ضد القوات السوفياتية. ويقول السيد حسيني، "تقدمنا جميعاً في السن الآن، لكن ما زلنا نحتفظ ببعض المهارات كما أعتقد. وهناك كثير من الشباب أيضاً. ليس لديّ أبناء، لكن لديّ ثلاث بنات، وهن سبب مشاركتي في القتال. لا يستطعن البقاء في هذه البلاد في حال سيطرت عليها حركة "طالبان". وإن عجزن عن الهرب إلى الخارج، ستكون حياتهن لا تطاق. وزوجتي تدعمني كلياً في ما أفعله، فالجميع يعلم ما الذي على المحك".
كما يتحدث الحاج شير أحمد عن أهمية دعم زوجته له، ويقول، "لديّ زوجة واحدة فقط: قد لا يبدو هذا غريباً بالنسبة لك، لكنني من جيل ومنطقة لم يكن هذا الأمر شائعاً فيها. وعلى الرغم من المشاكل التي تواجهنا، نحن سعيدان بما أنجزناه - في عائلتنا ومدينتنا، وهي تعلم ما الذي علينا فعله".
ويتابع وهو يرفع قميصه ليكشف عن الندوب التي خلّفتها إصابته أثناء قتاله الروس - حيث دخلت الرصاصة قرب قلبه، وخرجت من ظهره - "مررنا بتجارب قاسية. لقد نجوت من هذه الضربة، هناك مخاطر، لكن لا يمكننا أن نشعر بالخوف الآن حين نواجه مرحلة بهذه الخطورة بالنسبة لبلادنا".
© The Independent