أعلن مسؤول تابع لوزارة الدفاع الأميركية في تصريح أدلى به لوكالة "رويترز" اليوم الأربعاء 11 أغسطس (آب)، أن تقويم الاستخبارات الأميركية يفيد الآن بأن حركة طالبان قد تعزل العاصمة الأفغانية كابول عن بقية أنحاء البلاد خلال 30 يوماً، وربما تسيطر عليها خلال 90 يوماً.
وأضاف المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، أن التقويم الجديد يستند إلى المكاسب السريعة التي تحققها طالبان في أنحاء البلاد، لكنه لفت إلى أن "هذا التقويم ليس نتيجة مفروغاً منها"، مشيراً إلى أن قوات الأمن الأفغانية يمكن أن تعكس الزخم من خلال إبداء مزيد من المقاومة ضد الجماعة المتمردة.
تعليق عمليات الترحيل
من جهة أخرى، أعلنت ألمانيا وهولندا، الأربعاء، تعليق عمليات ترحيل المهاجرين الأفغان إلى بلدهم بسبب القتال الدائر بين "طالبان" والقوات الموالية للحكومة، والذي خلف عديداً من الضحايا المدنيين.
ويمثل القرار تحولاً في موقف الدولتين بعد أن طلبتا، إلى جانب الحكومات البلجيكية والدنماركية واليونانية والنمساوية، من المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي، الإبقاء على إمكانية ترحيل مهاجرين أفغان على الرغم من دعوة كابول لوقف عمليات الترحيل هذه.
في برلين، قررت وزارة الداخلية تعليق عمليات الترحيل "بسبب تطور الوضع الأمني" في أفغانستان، بحسب ما ذكر متحدث باسمها يدعى ستيف ألتر على "تويتر".
وقال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، خلال مؤتمر صحافي في برلين مع نظيره البحريني، راشد الزياني، إن الحكومة في كابول "طلبت منا منذ بعض الوقت تعليق الطرد حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل"، وهو طلب "نطبقه، وأعتبره منصفاً أيضاً". وتم منذ عام 2016، ترحيل نحو ألف أفغاني رُفضت طلبات اللجوء التي تقدموا بها، إلى بلادهم، من قبل السلطات الألمانية، خاصة في عامي 2018 و2019.
من ناحية أخرى، حافظت النمسا على موقفها المتشدد. وصرح متحدث باسم وزارة الداخلية لوكالة الصحافة الفرنسية في فيينا قائلاً، "في الوقت الحالي لا تجري مناقشة التعليق الفعلي لعمليات الترحيل".
أما وزيرة الدولة الهولندية للعدل والأمن، أنكي بروكرز-نول، فقالت إنه "من المرجح أن يتغير الوضع في أفغانستان والأحداث في الفترة المقبلة غير متوقعة لدرجة أنني قررت تعليق لفترة قرارات الطرد والترحيل".
وأضافت الوزيرة المنتمية إلى الحزب الليبرالي في رسالة إلى البرلمان الهولندي، "يسري تعليق قرارات الترحيل لمدة ستة أشهر، ويطبق على الرعايا الأجانب من الجنسية الأفغانية". وأوضحت أنه لم تحدث أي إعادة قسرية للأفغان في الأشهر الستة الماضية، وأي عملية طرد غير مرتقبة في القريب العاجل.
"طالبان" تتابع توسعها
وكانت حركة "طالبان" سيطرة مساء الثلاثاء (10 أغسطس)، على مدينة فايزاباد في شمال أفغانستان، وهي تاسع عاصمة ولاية تسيطر عليها في أقل من أسبوع، في حين أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه "ليس نادماً" على قراره سحب قواته، داعياً الأفغان إلى التحلي "بعزيمة القتال".
وكانت "طالبان" فرضت سيطرتها الثلاثاء على مدينتي فراح، عاصمة الولاية التي تحمل الاسم نفسه في غرب أفغانستان، وبل خمري، عاصمة ولاية بغلان في شمال البلاد، وسط نزوح جماعي للمدنيين على وقع تقدم المتمردين المتواصل.
وقال مأمور أحمد زاي النائب عن ولاية بغلان التي بل خمري عاصمتها لوكالة الصحافة الفرنسية إن مقاتلي "طالبان هم الآن في المدينة، لقد رفعوا رايتهم في الساحة المركزية وعلى مكتب الحاكم"، موضحاً أن القوات الافغانية انسحبت.
وأفاد ضابط شارك الأحد في المعارك ضد المتمردين بأن "طالبان أحرقوا أماكن عدة في المدينة بينها مطعمان". وكانت الحركة قد سيطرت عصر الثلاثاء على مدينة فراح.
وقالت شهلا أبوبار من مجلس ولاية فراح "دخل عناصر طالبان بعد ظهر اليوم مدينة فراح بعد قتال استمر لمدة وجيزة مع قوات الأمن. سيطروا على مكتب حاكم الولاية ومقر الشرطة".
وفي تغريدة أطلقها أكد المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد سيطرة الحركة على المدينتين.
وفي مدينة قندوز، استسلم "مئات" من عناصر القوات الأمنية الأفغانية الذين انسحبوا إلى مطار المدينة الواقعة في شمال شرق البلاد، لحركة طالبان اليوم الأربعاء، بعد سقوطها في نهاية الأسبوع، كما أعلن مسؤول محلي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال عمر الدين والي، عضو مجلس ولاية قندوز، "هذا الصباح استسلم مئات من الجنود والشرطيين وعناصر من قوات المقاومة (ميليشيات) كانوا متمركزين في المطار، لحركة طالبان مع كل عتادهم".
وفي الأثناء، يزور الرئيس الأفغاني أشرف غني مزار الشريف في شمال البلاد لتقديم الدعم لقواته، بعد سيطرة "طالبان" على أكثر من ربع عواصم الولايات.
ويعتزم الرئيس "تفقد الوضع الأمني العام في المنطقة الشمالية" على ما جاء في بيان صدر عن القصر الرئاسي.
كذلك، يرجح أن يجري محادثات مع الرجل القوي في مزار الشريف عطا محمد نور وزعيم الحرب المعروف عبد الرشيد دوستم بشأن الدفاع عن المدينة، فيما يتقدم مقاتلو "طالبان" في اتجاه مشارفها.
ستشكل خسارة مزار الشريف في حال حصولها ضربة كارثية لحكومة كابول وستعني انهياراً كاملاً لسيطرتها على شمال البلاد المعروف بأنه معقل للمسلحين المناهضين لـ"طالبان".
ومن المقرر أن تنسحب آخر القوات الأميركية من أفغانستان في 31 أغسطس (آب) لتضع حداً لحرب خاضتها الولايات المتحدة طوال 20 عاماً.
"لست نادماً"
والثلاثاء قال بايدن في حوار مع الصحافيين في البيت الأبيض "لست نادماً على قراري".
وأضاف بايدن أن على الأفغان "أن يتحلوا بعزيمة القتال" و"عليهم أن يقاتلوا من أجل أنفسهم، من أجل أمتهم". وتبدي الولايات المتحدة بشكل متزايد استياءها إزاء ضعف القوات الأفغانية التي عمل الأميركيون على تدريبها وتمويلها وتسليحها.
وأشار المتحدث باسم الخارجية الاميركية نيد برايس إلى أن القوات المسلحة الأفغانية "متفوقة عدداً بشكل كبير" على "طالبان" ولديها "القدرة على إلحاق خسائر أكبر" بالمتمردين. وقال "فكرة أن تقدم طالبان لا يمكن وقفه (...) لا تعكس الواقع على الأرض".
ومنذ الجمعة، استولت "طالبان" على زرنج عاصمة ولاية نيمروز البعيدة في جنوب غربي البلاد عند الحدود مع إيران، وعلى شبرغان معقل زعيم الحرب عبد الرشيد دوستم، وعلى قندوز الكبيرة الواقعة في شمال شرقي البلاد، وكذلك على ثلاث عواصم هي ساري بول وتالقان وإيبك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن الحركة لا تفكر في إبطاء الوتيرة السريعة لتقدمها في الشمال، حيث ضيقت الخناق على مزار الشريف كبرى مدن شمال أفغانستان وعاصمة ولاية بلخ.
من جانبه، أعلن المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة "طالبان" الأفغانية الثلاثاء عن التزام الحركة بمسار المفاوضات في الدوحة وأنها لا تريد له أن ينهار، وفقاً لوكالة "رويترز".
وتحدث عضو وفد الحكومة الأفغانية في مفاوضات الدوحة قائلاً إن الحكومة تطالب بوسيط في المفاوضات "ليحدد جدية الأطراف".
تقييم الوضع الأمني للسفارة الأميركية
وقال برايس إن الولايات المتحدة تقيم الوضع الأمني المحيط بسفارتها في كابول على أساس يومي. وجاء تعليق برايس رداً على سؤال عن احتمال خفض محتمل آخر لأفراد البعثة وسط سيطرة "طالبان" على سبع عواصم إقليمية.
وأضاف برايس في إفادة صحافية "من الواضح أنها بيئة أمنية تنطوي على تحديات. نحن نقيم التهديدات على أساس يومي، السفارة على اتصال دائم مع واشنطن، مع أرفع المسؤولين في هذا المبنى، الذين يتصلون بدورهم مع زملائنا في مجلس الأمن القومي وفي البيت الأبيض".
وعندما سئل عما إذا كان الوضع الأمني يعوق الدبلوماسية، قال برايس "لكننا قادرون حتى الآن على مواصلة تلك الأنشطة الرئيسية التي يتعين لنا أن نقوم بها على الأرض".
وأمرت الولايات المتحدة في 27 أبريل (نيسان) الموظفين الحكوميين بالخروج من سفارتها في كابول إذا كان من الممكن القيام بعملهم في مكان آخر، مشيرة إلى تزايد العنف في المدينة. وأضاف برايس أن الموقف الرسمي لم يتغير منذ ذلك الحين.
وقال برايس "بالطبع نريد تقليل عدد الموظفين في أفغانستان الذين يمكن أداء وظائفهم في أماكن أخرى".
نزوح الآلاف
والثلاثاء، هاجم مقاتلو "طالبان" أحياء في الضواحي الملاصقة لمزار الشريف، مما دفع الهند إلى حث مواطنيها على مغادرتها، لكن تم صدهم، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ودفعت أعمال العنف عشرات آلاف المدنيين إلى الفرار من منازلهم في جميع أنحاء البلاد، حيث اتُهمت حركة "طالبان" بارتكاب العديد من الفظائع في الأماكن الخاضعة لسيطرتها.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن حوالى 359 ألف شخص نزحوا في أفغانستان نتيجة القتال منذ بداية العام.
وحذر ممثل المفوضية الأوروبية الثلاثاء من أن النزاع في أفغانستان يهدد بدفع نصف مليون شخص إلى البحث عن ملاذ في الدول المجاورة. وأوضح "أننا أمام مأساة إنسانية، لكننا بعيدون من أزمة هجرة".
وأشار إلى أن "الدخول غير النظامي للمواطنين الأفغان إلى الاتحاد الأوروبي منخفض للغاية، حوالى 4 آلاف منذ بداية العام، أي أقل بنسبة 25 في المئة عن عام 2020 في الفترة نفسها".
وأعلنت الأمم المتحدة الثلاثاء مقتل لا يقل عن 183 مدنياً وإصابة 1181 بينهم أطفال خلال شهر في لشكركاه وقندهار وهرات (غرب) وقندوز، موضحة أن الحصيلة تتعلق فقط بالضحايا الذين تم توثيقهم.