علّق المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الأربعاء 15 مايو (أيار) الجلسة النهائية لحواره مع قوى الحرية والتغيير في شأن الفترة الانتقالية وتسليم السلطة، لمدة 72 ساعة حتى يفتح المتظاهرون الطرق المغلقة في أجزاء من الخرطوم، محذراً من استفزاز الجيش.
واعتبرت "قوى إعلان الحرية والتغيير" صباح الخميس أن "تعليق المجلس العسكري التفاوض بشأن المرحلة الانتقالية قرار مؤسف"، مؤكدةً أن "الإعتصام سيستمر".
وقال رشيد السيد المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير لوكالة الصحافة الفرنسية إن "المجلس العسكري علّق المفاوضات، لقد طلب أن نزيل الحواجز من الطرق في مناطق من العاصمة".
قبل ذلك، كانت الأمور بين المجلس والمعارضة، تتجه إلى إعلان خروج الدخان الأبيض وتحقيق خرق في المفاوضات الممتدة بينهما والوصول إلى اتفاق على معظم نقاط الخلاف بشأن أجهزة الحكم خلال الفترة الانتقالية ومهماتها، وينتظر إعلان الاتفاق النهائي خلال الساعات المقبلة.
تنازلات متبادلة
فقد بدأت المفاوضات بين الطرفين في 13 أبريل (نيسان) 2019، أي بعد يومين من الإطاحة بنظام البشير، لكن تلك المفاوضات لم تصل إلى نتائج جدية طوال الفترة الماضية، باستثناء اليومين الماضيين، حينما قدم الطرفان تنازلات متبادلة، في ظل ضغوط شعبية وقلق دولي على استمرار الفراغ والاحتقان السياسي والأمني في البلاد.
وعلم أن الجانبين اتفقا على أن تكون الفترة الانتقالية 3 سنوات، بعدما كان العسكر حددوا عامين وطالبت المعارضة بأربعة أعوام. وتوصلا إلى منطقة وسطى، على أن تكرس الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لملف وقف الحرب والتوصل إلى سلام عادل وشامل في إقليم دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
ومما اتفقا عليه هو تشكيل مجلس وزراء الفترة الانتقالية، إذ منح الاتفاق قوى الحرية والتغيير حق تشكيل المجلس من كفاءات وطنية تتميز بالخبرة المهنية والنزاهة، على أن يتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة.
وتراجعت قوى الحرية والتغيير التي تتألف من 4 كتل سياسية رئيسة، هي نداء السودان وتجمع المهنيين السودانيين والتجمع الاتحادي وقوى الإجماع الوطني، عن موقفها. ووافقت على مشاركة قوى أخرى في المجلس التشريعي الانتقالي، الذي اتُفق على تشكيله من 300 شخص. ويتم اختيار ثلثي أعضائه من جانب قوى الحرية والتغيير، والثلث الآخر من القوى الأخرى التي لم تكن جزءاً من النظام السابق، بحسب الاتفاق، على أن يتم تعيينهم بالتشاور بين قوى المعارضة والمجلس السيادي الانتقالي. ما يتيح إمكانية بروز معارضة برلمانية خلال الفترة الانتقالية.
التحقيق والأمن
ولتجاوز حالة احتقان واسعة نتيجة مقتل عدد من المعتصمين، اتفق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على تشكيل لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث العنف وإطلاق الرصاص على الثوار السلميين. واتفقا على تشكيل لجنة مشتركة من اللجان الميدانية لقوى المعارضة والجيش للتنسيق وحفظ الأمن في منطقة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش. إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين للإشراف على تنسيق اللجنتين.
واتفقت المعارضة والعسكر على تشكيل مجلس أمن يرأسه رئيس المجلس السيادي، ويتكون من رئيس الوزراء إلى جانب وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، وسيقوم المجلس الأمني بإعادة هيكلة القوات العسكرية، واستيعاب مقاتلي الحركات المسلحة في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في الجيش القومي. وسيطلع مجلس الأمن بقضايا الحرب والسلام وشؤون الأمن والدفاع.
أفراح في ساحة الاعتصام
سادت حالة من الفرح الحذر في ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم. وعزفت المنصة الرئيسة للاعتصام النشيد الوطني الذي ردده آلاف المعتصمين. وبرز عدد من الهتافات المؤيدة لما تم التوصل إليه، "الليلة سقطت صباح" و"30 سنة ترقص... الليلة فرحتنا"، في إشارة إلى البشير الذي كان يرقص بعصاه خلال اللقاءات الجماهيرية.
وبثت مكبرات الصوت على طول ساحة الاعتصام برنامجاً من على المسرح الرئيسي للاعتصام بشّر من خلاله متحدثون باسم المعارضة بملامح الاتفاق، لكنهم أكدوا تواصل الاعتصام حتى خروج مفاوضيهم من الجولة الأخيرة واكتمال الاتفاق في شكله النهائي.
الحركات المسلحة تحتج
في تطور آخر، أعلنت الحركات المسلحة في دارفور احتجاجها على تجاوزها وعدم إشراكها في الترتيب لمرحلة ما بعد سقوط البشير، من خلال المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير".
ووصل وفد من الحركة الشعبية- الشمال (تيار مالك عقار)، إلى الخرطوم للتشاور مع القوى السياسية والحراك الشعبي في شأن ترتيبات المرحلة الانتقالية.
وأعلن عبد الواحد نور رئيس حركة تحرير السودان في دارفور عدم اعترافه بوثيقة إعلان الحرية والتغيير برمتها، بحجة أنه لم يكن جزءاً منها ولن ينضم إليها لأن ذلك يجعل مَن أنجزوا الوثيقة أُصلاء والآخرين تابعين.
وحذر نور الدائم طه، مسؤول الإعلام في حركة تحرير السودان (تيار مني أركو مناوي)، من الحلول الجزئية لأزمات السودان لأنه سيكرر تجارب الماضي، ويُعيد إنتاج الأزمة من جديد.
ودعا طه القوى السياسية إلى عدم هدر الفرصة التاريخية وإعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة بتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام عبر توقيع اتفاق شامل مع الأطراف المتحاربة يخاطب خصوصيات الأقاليم المختلفة ووضع ترتيبات تؤسس لمرحلة انتقالية ناجحة ومستقرة.
معاملة خاصة للبشير
اتهمت المعارضة المجلس العسكري بالمماطلة في إعلان قائمة بأسماء المعتقلين من رموز النظام السابق، وتصاعد غضب المعارضين بعد اعتراف المجلس بهروب عباس البشير شقيق الرئيس المعزول البشير.
وسربت جهات أمنية قائمة بأسماء المعتقلين شملت عمر البشير وشقيقه عبدالله ونوابه ومساعديه علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وعوض الجاز وعبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون وحسبو محمد عبدالرحمن ومحمد يوسف كبر ورئيس البرلمان السابق الفاتح عز الدين، إضافة إلى محمد حاتم سليمان وأبو هريرة حسين ومحمد أحمد حاج ماجد ومأمون حميدة وكمال الدين عبدالقادر وكمال الدين إبراهيم والحاج عطا المنان ونور الدائم وآدم الفكي وحامد صديق وعبدالباسط حمزة وعلي يوسف السماني.
وقالت مصادر في سجن كوبر إن البشير هو الوحيد الذي يلقى معاملة خاصة، إذ يوجد في زنزانة مساحتها 3 أمتار وتحوي ثلاجة ومكيف هواء وسريراً، إضافة إلى ثلاجة صغيرة لحفظ الأدوية التي يستخدمها.