تسود مخاوف في بريطانيا مع تلقي الطلاب نتائجهم لشهادة "المستوى أ" يوم الثلاثاء، المبنية على توقعات المعلمين وليس على نتيجة الامتحانات، من تعرض الطلاب السود للتمييز والحرمان الشديد.
وقد قُيم التلاميذ على أساس المواد التعليمية التي تلقاها الطلاب خلال فترة الوباء، وبناءً على قاعدة من البيانات ذات الدلالة المستخلصة على سبيل المثال من الاختبارات الوهمية، والمهمات الدراسية المطلوبة لإتمام الدورات التعليمية، والتقييمات داخل الصفوف، من خلال طرح أسئلة من جانب اللجان الفاحصة للامتحانات.
وكانت بياناتٌ صادرة عن الحكومة في العام الماضي، قد أشارت إلى أن 12 في المئة فقط من طلاب شهادة "المستوى أ" من السود، حازوا ثلاث "درجات أ" أو أعلى، وهي أقل نسبة ما بين المجموعات العرقية الست المحددة. في حين تراجعت القدرات ومستويات التحصيل التعليمية من قبل طلاب هذه المجموعة في الأعوام السابقة.
ويُظهر تحليل جديد لمكتب "أوفكوال" Office of Qualifications and Examinations Regulation (Ofqual) (المسؤول عن تنظيم الاختبارات والامتحانات الرسمية والتقييمات في إنجلترا) نُشر يوم الثلاثاء، أن الفجوات القائمة منذ فترة طويلة التي تتمثل في تراجع نتائج المرشحين السود، أو المرشحين للحصول على وجبات مدرسية مجانية، وأولئك الذين يعانون من الحرمان الشديد بناء على خانة التصنيف العرقي المحددة، قد اتسعت على نحو كبير بين العامين 2019 و2021.
وإضافة إلى ما تقدم، يبين البحث نفسه أن الفجوات التي تشير إلى تراجع النتائج في العام 2020 بالنسبة إلى الطلاب من ذوي البشرة السمراء من أصول أفريقية وكاريبية والطلاب البيض المختلطين، مقارنة بنظرائهم البريطانيين البيض، قد اتسعت بما يتفاوت ما بين 1.85 و2.97 نقطة مئوية في السنة الحالية 2021.
وفي الوقت نفسه، أبدى معلمون وناشطون من السود مخاوفهم من أن نشر الدرجات المتوقعة قد يتجاهل عدداً من العوامل، ومن المرجح أن يصعب مجال التنافس على نحو متكافئ بالنسبة إلى الطلاب من ذوي البشرة السمراء وأن يجعل حظوظهم أقل في هذا المجال، سواءٌ لجهة التحيز المحتمل للمعلم أو على نطاق أوسع لجهة خسارة إمكانية التعلم التي عانوا منها خلال الجائحة، والتي تفاقمت بسبب عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
إن التجارب السابقة تعكس في الواقع صورة مقلقة عندما يتعلق الأمر بالدرجات المتوقعة.
فقد أظهرت الأبحاث التي أجراها "معهد التعليم" التابع لـ"كلية لندن الجامعية"، أن 16 في المئة فقط من نتائج شهادة "المستوى أ" المتوقعة جاءت صحيحة.
وكانت دراسة سابقة أجرتها قبل فترة الوباء وزارة الأعمال والابتكار والمهارات البريطانية، قد وجدت أن الطلاب الممتحَنين من السود قد مُنحوا أدنى درجات متوقعة من حيث الدقة، فيما جاء ما يوازي 39.1 في المئة فقط من الدرجات المتوقعة دقيقاً. أما نظراؤهم من البيض فحازوا أعلى المعدلات التي بلغت نسبة 53 في المئة. وكشفت البيانات نفسها أيضاً وجود احتمال بأن درجات الطلاب السود لم تخضع لأي تقييم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ريا ماري أستاذة علم الاجتماع ومؤسسة مركز "تواصل المعلمين السود" الرقمي Black Teachers Connect، تقول لصحيفة "اندبندنت" إن عدداً من العوامل المتضاربة تشير إلى احتمال تضرر الطلاب السود، في ظل نظام التقييم المعتمد حديثاً.
المعلمة نفسها كانت قد حصدت سبع درجات "أ" في شهادة الثانوية العامة GCSE، متجاوزة توقعات المعلمين التي قدرت أنها لن تحوز أي درجة "أ"، ورأت أن "هناك اتجاهاً ونمطاً معينَين يُعتمدان بشكل متكرر في ما يتعلق بالطلاب، ولا سيما منهم السود، إذ يُقيمون على نحو أقل مما يمكنهم تحقيقه. وأنا أعتبر نفسي مثالاً صارخاً يثبت أن هذه المقاربات والممارسات قائمةٌ بالفعل".
وتضيف "إننا ندرك أن الدرجات المتوقعة للطلاب يمكن أن يكون لها تأثير سلبي فيهم. لكن من المهم أيضاً الأخذ في الاعتبار أن تقييم هذه الدرجات لا يستند فقط إلى اختبار واحد، بل يشمل أيضاً آراء المعلمين في الطلاب بصورة عامة وشاملة، ما يعني أن ذلك قد يفتح الباب أمام التحيز لمضطلع بدور مؤثر في هذا الإطار".
وترى ماري أن "هناك ظروفاً عدة تؤثر في الطلاب، بما فيها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، إن لجهة التحيز العنصري للمعلمين، أو لناحية الصور النمطية والمناهج التعليمية التي تركز في مضمونها على الثقافة الأوروبية داخل المدارس، أو الحرمان المادي والثقافي خارج المدرسة. ولا يتم عادةً أخذ هذه العوامل في الاعتبار، عندما ننظر إلى تقييمات الدرجات المتوقعة، والتي يمكن لها في بعض الأحيان أن تكون مجرد ومضة سريعة (غير شاملة) عن الإمكانات والقدرات الكامنة التي يمكن أن يختزنها الطالب".
يأتي ذلك في الوقت الذي اعتبر فيه السير بيتر لامبل المؤسس والرئيس التنفيذي لجمعية تعليم خيرية تُعرف بـ"ساتون تراست" Sutton Trust، أن "هناك عدداً كبيراً من الشبان اليافعين يرتادون الجامعات". وقال لصحيفة "تليغراف" إن "كثيرين منهم يتخرجون مثقلين بعبء من الديون المتراكمة التي اقترضوها لتحصيل تعليمهم -إنها ديون تصل إلى مستويات قياسية- وفي كثير من الحالات، يكتسبون مهارات غير مطلوبة في سوق العمل".
زيغي مور الرئيس التنفيذي لبرنامج التعليم عبر شبكة الإنترنت "مور إدوكايشن" Moore Education قال لصحيفة "اندبندنت" إن "المؤسسات الجامعية لم تعد تحظى بالتقدير الذي تستحقه. فالجميع باتوا يرتادونها. وحتى إذا كان من بينهم طلاب من خلفيات محرومة، فلم تعد الجامعات في الوقت الراهن تمتاز بالمكانة التي كانت عليها في السابق".
وذكرت وزارة التعليم أنه بعد حصول عددٍ قياسي من الطلاب على درجة "أ" يوم الثلاثاء الفائت، فمن المتوقع أن يلتحق الطلاب من ذوي الخلفيات المحرومة بدورات جامعية بمستويات قياسية هذه السنة.
وأضافت "من هنا، إذا ما أخذنا في الاعتبار وجهي العملة، فسيشعر الطلاب السود بالسخط. فلو حدث أن كان أحدهم من الجيل الأول القادر على الالتحاق بالجامعة وتمكن من التخرج من الفصل الدراسي، فسيواجه وصمة عار على أي حال، وذلك بسبب انتمائه إلى جيل (كوفيد). وبالتالي، لن يُنظر إلى شهادات (المستوى أ) و(شهادات الثانوية العامة) (جي سي أس إي) أو إلى الدرجات التي سيحصلون عليها، بالطريقة المعتادة. إضافة إلى ذلك، هناك أيضاً العناصر العرقية التي يتأثر بها الأطفال السود. لذا، جميع تلك العوامل مجتمعة من شأنها أن تفضي إلى انشقاقات وانقسامات أكثر عمقاً".
ويضيف مور قائلاً "إن هذا الانقسام يمكن تداركه من قبل مزيد من العائلات ذات البشرة الداكنة التي تبحث عن خيارات تعليمية بديلة"، مشيراً إلى أن "الحركة الشعبية التي نشأت عن مدارس يوم السبت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، جعلتنا ندرك أن النظام التعليمي لم يكن يعامل أطفالنا بشكل صحيح، فقدم حلاً بديلاً. والآن، يبدو أن المجتمعات تنتظر من الحكومة، لسبب ما، أن تتخذ إجراءات فاعلة لسد هذه الفجوة، بدلاً من الاكتفاء بالنظر إلى أنفسنا".
وأردف الرئيس التنفيذي لبرنامج "مور إدوكايشن" قائلاً "إننا ندرك تماماً طبيعة الظروف القائمة. والخيار منوطٌ بنا نحن فقط، للعمل على وضع الأمور في نصابها، كالاستثمار بشكلٍ أكبر في التعليم التكميلي لأن ذلك سيمنحنا فرصة أكبر للكفاح".
وأضاف أن الكثير من أولياء الأمور السود قلقون أيضاً من مدى جهوزية أطفالهم لبناء مستقبل لهم في الأوساط الأكاديمية، نظراً إلى الاضطرابات والتداعيات التي خلفتها الجائحة على قطاع التعليم على مدى الأشهر الستة عشر الماضية.
ولفت إلى أنه "من الناحية التعليمية، سنرى المزيد والمزيد من التفاوتات، وهذا هو النمط السائد الآن. ففي أعقاب (كوفيد)، نلاحظ في الواقع وجود انقسامات قائمة في المجتمع: فهنالك الذين يرتدون أقنعة، كما هناك الذين لا يرتدونها. هناك الذين ينتمون أكثر إلى العالم الرقمي، كما هناك من هم أكثر ميلاً إلى العالم المادي. هنالك أيضاً الملقحون وغير الملقحين. ومع تقدم الوقت، سيشهد العالم مزيداً من تلك التناقضات والانقسامات".
لافينيا ستينيت الرئيسة التنفيذية ومؤسسة "المنهج التعليمي للسود" The Black Curriculum (مؤسسة اجتماعية تُعنى بمعالجة النقص في التاريخ البريطاني للسود في مناهج المملكة المتحدة) علقت على الدرجات التي هي رهن تقديرات المعلمين بالقول "إن هذا النوع من التقييم يفتح الباب أمام نشوء تحيز لدى المعلمين في تحديد أداء الطالب وتقييمه، وبالتالي يسهم في التمهيد للخطوات التي ستكون متاحة لهم مستقبلاً".
وأضافت "نحن في مؤسستنا نُدرب المعلمين لتزويدهم جميعاً بالمعرفة والمهارات اللازمة من أجل بناء ثقافة وبيئة تعليمية واعية ومراعية للفروقات العرقية، إضافةً إلى إرساء نظام تعليمي خالٍ من النزعة الاستعمارية، إلى ما هنالك من مسائل أخرى. ومع ذلك، هناك الكثير من المدارس التي ما زال فيها مقدار كبير من تحيز المعلمين ضد طلاب من خلفيات معينة، بلا رادع".
ورجحت لافينيا أن "الدرجات الخاصة بالطلاب السود على وجه الخصوص، سيُجرى توقعها على أساس القدرات المفترضة لديهم، والنابعة من الخصائص العامة المرتبطة بخلفيتهم العرقية والاجتماعية والاقتصادية".
وفي هذا الصدد، قال متحدث باسم "ذا رانيميد تراست" The Runnymede Trust (مؤسسة فكرية تُعنى بالمساواة بين الأعراق) "إنه على مدى عقود أظهرت الأبحاث النوعية أن الطلاب السود يواجهون بشكل منهجي توقعات سلبية من جانب المعلمين، على نحو يفوق أقرانهم البيض المنتمين إلى الجنس نفسه وخلفية الطبقة الاجتماعية عينها، التي يُتوقع أن تعود هذه الأنماط إلى الظهور مرة أخرى في تقييمات المعلمين والتوقعات للدرجات المتعلقة بهم".
وختم بالقول "نحن نعي الضغوط الهائلة التي يواجهها المعلمون والمدارس على حد سواء، ونشيد بالجهود الجبارة والبطولية التي يبذلونها في مواجهة هذا الوباء العالمي. وفي ظل التأثير التراكمي الإضافي لوباء (كوفيد) والوقت المهدور في التعلم على مدى العامين الدراسيين الماضيين، كنا نأمل في أن يحصل المعلمون والمدارس على دعم أفضل، لتمكينهم من إجراء تقييماتهم بشكل فاعل، والتخفيف من وطأة المخاطر التي قد تنجم عن سوء محتمل في التقدير والتقييم، مع الأخذ في الاعتبار إمكانات الطلاب وقدراتهم الكامنة".
© The Independent