من النتائج الجانبية للحرب الأميركية في أفغانستان، تطور الطائرات المسيّرة من دون طيار (درون)، من مهمات التجسس والمراقبة إلى المهمات القتالية، حتى أصبحت الآن جزءاً أساسياً من حروب كثيرة حول العالم، وحتى إن الجماعات والحركات مثل حركة طالبان وغيرها، طورت أيضاً بعض أنواع الـ "درون" التجارية لتحمل متفجرات وتشن هجمات.
تلك خلاصة تقرير للاستشاري البريطاني في شؤون التكنولوجيا الدفاعية ديفيد هامبلينغ، نشرته مجلة "فوربس" الثلاثاء 17 أغسطس (آب) الحالي، اعتبر فيه أن حرب أفغانستان هي التي حددت مستقبل حروب الـ "درون"، ففي عام 2000 لم يكن لدى سلاح الجو الأميركي أو وكالة الاستخبارات المركزية "درون" واحدة مسلحة، لكن بنهاية عام 2001 أصبحت الهجمات بالـ "درون" تكتيكاً مهماً للقوات الأميركية في حربها على تنظيم القاعدة في أفغانستان.
ومنذ ذلك الحين اتسع استخدام الـ "درون" المسلحة في مهمات قتالية في مسارح عمليات أخرى، ومع استمرار عمليات التطوير والتسليح أصبح دور الـ "درون" في الحروب غير مقتصر على عمليات الاستطلاع أو حرب العصابات، بل صارت جزءاً من الحرب التقليدية وتلعب دوراً مهماً في عمليات المشاة، وتحديداً القوات الخاصة على الأرض.
وبرأي كاتب التقرير، وهو مؤلف كتاب "قوات السرب: كيف ستهزم الـ "درون" الصغيرة العالم"، أن كل ذلك التطور خلال 20 عاماً في التكنولوجيا العسكرية للـ "درون" المقاتلة ما كان ليتحقق لولا حرب أفغانستان.
ويضيف أن الأمر لا يتعلق بتطوير التكنولوجيا وصناعة الـ "درون" وحسب، بل بتطور استخدامها في الحروب، فالطائرات المسيّرة من دون طيار ليست اختراعاً حديثاً، بل كانت موجودة من قبل وسبق استخدامها منذ الحرب العالمية الأولى، لكنها كانت دائماً ما تُهمل كسلاح ولا يُعتد بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تاريخ الـ "درون"
ففي الحرب العالمية استخدمت طائرات من دون طيار بدائية، وفي الحرب العالمية الثانية كان لدى الولايات المتحدة وحدة "درون" مقاتلة هي "ستاغ-1" استخدمتها في قصف أهداف يابانية وحققت بعض النجاح، كما كانت هناك أيضاً طائرات من دون طيار في الحرب في كوريا وفيتنام، لكن غالباً ما كان تتوقف برامج تصنيع الطائرات من دون طيار، حتى عندما تم تسليحها في سبعينيات القرن الماضي وأضيفت إليها أجهزة استشعار وتهديف دقيقة، لم تلق اهتماماً من الجيوش.
ومعروف أن لطائرات الـ "درون" قدرات محدودة مهما تطورت، بخاصة إذا ما قورنت بالطائرات المقاتلة التقليدية، ومثال ذلك عدم قدرتها على تقدير الموقف، فهي لا تلتفت لتتابع محيط نشاطها كما يفعل الطيار المقاتل بطائرته، أما تشغيلها عن بُعد فيعني وجود تأخير في وصول الرسالة إليها مما يقلل من الدقة أحياناً، لذلك لم تستمر برامج الـ "درون" بخاصة وأن القادة العسكريين الذين عادةً ما يكونون طيارين سابقين، لطالما شككوا في قدراتها.
خلال حرب يوغسلافيا في التسعينيات من القرن الماضي، كانت هناك طائرات الـ "درون" "المفترسة" (Predator)، وقامت بأدوار الاستطلاع، وكان بإمكانها أن توفر ما لا يوفره غيرها بالتحليق فوق منطقة ما لمدة 20 ساعة لرصد ما يجري على الأرض، لكن ظلت مشكلة أنه ما بين رصد هدف وإرسال طائرات قتالية لقصفه يمكن أن يتحرك الهدف.
نسخ معدلة لأفغانستان
ومع حرب أفغانستان تغير ذلك وأصبحت هناك نسخ جديدة من الـ "درون" المفترسة، وكانت المشكلة في البداية هي في حملها "لصاروخ هيلفاير"، وتم تعديل المواد التي تصنع منها الأجنحة لتتحمل نيران إطلاق الصاروخ، وكان أول إطلاق لصاروخ "هيلفاير" من "درون" مسلحة من طراز "المفترسة" في أفغانستان عام 2001، وفشلت العملية تماماً.
كان الهدف مؤسسة حركة طالبان وزعيمها وقتها الملا عمر، وكاد قادة البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أن يلغوا برنامج استخدام الـ "درون" في القتال، لكن عملية تالية في غضون أسابيع نجحت في استهداف القائد العسكري لتنظيم القاعدة محمد عاطف، ومن وقتها بدأ التوسع في استخدام "درون" القتالية وتطويرها، وبعدما كان لدى سلاح الجو الأميركي 16 "درون" لأغراض الاستطلاع فقط، أصبح لديه أسطول من 360 "درون" استطلاع و "درون" قتالية من نوع "المفترسة"، وحل محل ذلك الأسطول "درون" المفترسة-2 المعدلة الجديدة، المعروفة باسم "إم كيو – 9 ريبر" (الكاسحة)، والتي يمكنها حمل صاروخين هيلفاير وقنابل موجهة بالليزر زنة 500 رطل.
ويجري الآن العمل على تطوير "درون ريبر" لتقوم بمهمات قتالية أوسع، وهناك الآن "درون الصغيرة" التي تطلق من قاذفة يدوية وتستخدمها القوات الخاصة إما للاستطلاع المتقدم أو حتى كسلاح، إذ يمكنها حمل متفجرات وتصيب أهدافها بسرعة ودقة من مسافة بعيدة.
وعلى الرغم من حماسة كاتب التقرير للـ "درون" كسلاح حديث في الحروب، إلا أنه يقر بمشكلاتها بخاصة في ما يتعلق بسقوط ضحايا مدنيين في عملياتها، فقيادتها عن بعد تجعل من الصعب التحقق من الأهداف التي تصيبها على الأرض، ومع ذلك فإن أخطارها في ما يتعلق بحقوق الإنسان تعادلها قلة مخاطرها السياسية، لذا يُتوقع أن يتوسع استخدام الـ "درون" في حروب المستقبل بعدما أثبتت نظرية أهمية "القوات على الأرض" فشلها في أفغانستان.