وافق مجلس النواب الليبي على القانون الخاص بالانتخابات العامة، المُحال عليه من اللجنة القانونية عقب اجتماعها في روما، قبل أسابيع قليلة، الذي ينص على اعتماد قانون الانتخاب المباشر للرئيس المقبل من الشعب، بعد جلسات متعددة لبحث ومناقشة هذا القانون.
وعلى الرغم من أن إقرار القانون يبدو للوهلة الأولى بادرة انفراج في المشهد الليبي المعقد، فإن الحقيقة عكس ذلك تماماً، إذ وسع اختيار البرلمان قانون الانتخاب المباشر للرئيس من الشعب الهوة بينه وبين خصومه في العاصمة، الذين علق بعضهم على هذا القرار بأنه "لا يساوي الحبر الذي كُتب به".
ومع استمرار الانسداد في المفاوضات السياسية وتوسع الخلافات في المسار العسكري حول ملف القوات الأجنبية في ليبيا، حذرت البعثة الأممية في ليبيا من العودة إلى الاحتكام إلى السلاح بين الفرقاء الليبيين، مع تسرب إشاعات عن تحركات عسكرية مريبة في الغرب الليبي، تواترت من مصادر مختلفة خلال اليومين الماضيين.
تصويت في جلسة عاصفة
توافق مجلس النواب الليبي على قانون انتخاب الرئيس من الشعب بعد جلسة عاصفة، شهدت خلافات حادة حول بعض بنود القانون، خصوصاً المتعلقة بمن يحق لهم الترشح لمنصب رئاسة الدولة.
وقال متحدث مجلس النواب، عبد الله بليحق، إنه "وفي مستهل الجلسة جرى تعميم مشروع قانون الموازنة العامة للدولة، المعدل مرة أخرى من قبل الحكومة، وبعد ذلك استكمل مجلس النواب مناقشاته ومداولاته حول مواد مشروع قانون انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب، إذ وافق مجلس النواب على مشروع القانون الذي أحيل على اللجنة التشريعية والدستورية للصياغة النهائية".
وصرّح عضو مجلس النواب سعيد امغيب بأنه "جرى عرض مشروع القانون للتصويت مادة مادة، وليس حزمة واحدة"، موضحاً أن "بعض المواد جرت الموافقة عليها بالأغلبية، والبعض الآخر كان بالإجماع". مشيراً إلى أن "أكثر المواد التي كانت مثار جدل هي شروط الترشح لمنصب الرئيس وصلاحيات الرئيس".
مرور شاق
مرور القانون الخاص بشروط الترشح للرئاسة في الانتخابات المقررة نهاية العام الحالي لم يكن سهلاً، بل جرى بعد نقاشات صاخبة أدت إلى اشتباك بالأيدي بين بعض الأعضاء، قبل التصويت على القانون وإقراره.
وتنص المادة، التي كانت الأكثر إثارة للجدل في الجلسة على أنه "يعتبر كل موظف مدني أو عسكري مترشح لمنصب رئيس الدولة، متوقفاً عن عمله بتاريخ رجعي ثلاثة أشهر قبل عقد الانتخابات، وله حق العودة إلى منصبه في حالة فوزه، وتدفع له مستحقاته".
وفور بدء النقاش على هذه المادة، نشبت خلافات قوية بين عدد من النواب حولها، ومشادات كلامية بعد اعتراض النائبين جلال الشويهدي وسليمان الحراري على نصها.
ووسط هذا الجدل، طلب رئيس المجلس عقيلة صالح التصويت عليها، إلا أن الشويهدي والحراري أبديا اعتراضهما، ما تسبب في فوضى داخل الجلسة، تطورت إلى اشتباك بين بعض النواب، قطع بعده البث المباشر للجلسة لمدة نصف ساعة.
وبعد نصف ساعة، استأنف مجلس النواب جلسته بالتصويت على هذه المادة الخلافية، انتهى بالموافقة عليها بغالبية أصوات النواب الحاضرين في الجلسة.
قانون لا وفاق عليه
رفض القانون الذي أقره البرلمان الليبي، جملة وتفصيلاً، من المعسكر السياسي في غرب البلاد، كونه يسمح لشخصيات ذات صفة عسكرية بالترشح للرئاسة، وهو ما ترفضه هذه الأطراف بشكل كامل، كما تفضل غالبية التيارات السياسية في العاصمة، أن يُنتخب الرئيس بشكل غير مباشر من قبل أعضاء البرلمان الجديد، الذي يفترض أن يجري انتخابه في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبيَّن عضو مجلس النواب جلال الشويهدي، أسباب الخلافات في جلسة مجلس النواب، لمناقشة قانون انتخاب الرئيس، التي كان جزءاً منها، قائلاً إن ما حدث "هو محاولة لتمرير مواد معينة في قانون انتخاب الرئيس من دون تصويت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الشويهدي، "عندما جرى التصويت على المادة الخاصة بترشح المدني والعسكري كانت هناك محاولات لعرقلته، فالمادة تنص على وجوب تقديم الاستقالة من المنصب المدني والعسكري قبل الترشح للانتخابات، وهناك مجموعة من النواب يرفضونه". لافتاً إلى أن "بعض النواب يرفضون استقالة العسكريين أو صاحب أي منصب سياسي من مناصبهم، مع أن هذا سيجعلهم يستخدمون مناصبهم، ويستغلونها في الفوز بالانتخابات".
ورفض الشويهدي الاعتراف بأن المادة أقرت، بحسب ما ذكر الناطق الرسمي باسم البرلمان، "لم يحدث توافق على هذه المادة، وجرى تحويلها إلى اللجنة التشريعية لصياغتها، وبعد أن تعرضها اللجنة التشريعية سيجري التصويت عليها"، مشيراً إلى أن "الجلسة قانونية، بحسب قانون المجلس، إذ يحتاج مرور هذه القوانين إلى تصويت (النصف زائد واحد) بالموافقة من الحاضرين فحسب، من دون الغالبية الموصوفة".
اعتراض الإسلام السياسي
ووصف القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا عبد الرزاق العرادي، قانون انتخاب الرئيس، الذي توافق عليه مجلس النواب، بأنه "هو والعدم سواء، لأن المجلس منعدم بقرار من المحكمة العليا".
وسرد العرادي جملة من الاعتراضات القانونية والموضوعية على القانون، في سلسلة تغريدات على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال فيها "على أي سند من الإعلان الدستوري أصدر مجلس النواب قانون انتخاب الرئيس؟ إن استند إلى مقترح فبراير، فإن المرة الوحيدة التي ورد فيها كان بالتعديل السابع من الإعلان، وبتفاصيل مختلفة".
وأضاف العرادي، "مجلس النواب منعدم بأحكام المحكمة العليا، وهو عبارة عن سلطة أمر واقع مثله مثل المؤتمر الوطني العام، ولا وجود دستورياً لهما، وإن كان السند الدستوري صدر بعد ديسمبر 2015، فإن الاتفاق السياسي الذي أعاد ولادة مجلس النواب في إطار تسوية يلزمه، وعليه التقيد بنصوصه".
وتابع العرادي معترضاً على إصدار القانون الخاص بشروط الترشح للرئاسة، "إصدار القانون يتطلب تعديلاً دستورياً، وفق المادة 12 من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسي، والأرجح أن هناك دولاً إقليمية تدفع المستشار عقيلة وتدعمه في هذا الاتجاه، لكن القوى الناعمة والخشنة المحلية لن تسمح بانفراده بالمشهد"، بحسب قوله.
البعثة تحذر من اللجوء إلى السلاح
ومع تعثر المفاوضات في المسارين السياسي والعسكري، وتوسع الخلافات بين أطراف الأزمة الليبية، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، جميع الأطراف الليبية إلى الامتناع عن القيام بأي عمليات تحشيد أو نشر للعناصر والقوات الأمنية، وأي تصعيد يقوض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى توقيعه في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
وحثت البعثة الأممية، في بيان لها، "جميع الأطراف الليبية على احترام خطوط التماس وفقاً لما كانت عليه عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار"، مجددةً "دعمها جهود اللجنة العسكرية المشتركة، الرامية إلى الحفاظ على الهدوء والاستقرار".
كما طالبت البعثة الأممية "جميع الأطراف في ليبيا بدعم هذه الجهود، بغية خلق بيئة سلمية ومواتية لإجراء الانتخابات الوطنية في موعدها"، داعيةً "كل الجهات الفاعلة الوطنية والدولية المعنية إلى ضمان واحترام ودعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".