وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمراً تنفيذياً يصعّد حملة إدارته ضد شركة "هواوي" العملاقة للاتصالات الصينية، مما يزيد من الضغط على الحلفاء كي يحذوا حذو الولايات المتحدة في حظر الشركة من العمل في شبكات الجيل الخامس 5G وغيرها من الشبكات.
النزاع حول شركة "هواوي" يعود إلى عام مضى، حيث تقول الولايات المتحدة إن هواوي، عملاق التكنولوجيا الصينية، "تشكل خطراً بالتجسس على البنية التحتية التكنولوجية الغربية"، مطالبة حلفاءها باستبعاد الشركة بشكل كامل من المشاركة في بناء شبكة الجيل الخامس. وتشكل خلفية "هواوي" عامل قلق آخر لدى بعض الحكومات، إذ تأسست الشركة من قبل رين زنغفاي، وهو مهندس سابق لدى جيش التحرير الشعبي الصيني، في الثمانينيات.
وتعد شركة "هواوى" واحدة من أنجح التكتلات الصينية في العصر الحديث، حتى أنها تجاوزت شركة "أبل"، أخيرا، باعتبارها ثاني أكبر مورد للهواتف الخلوية على مستوى العالم. وكجزء أساسي من مبادرة "طريق الحرير الرقمية" في بكين، تقول الشركة إن خدماتها تُستخدم في أكثر من 170 دولة.
مخاوف التجسس
وعلى الرغم من أن الشركة المملوكة للقطاع الخاص تنكر وجود أي تهديد للتجسس، وتقول إنها تعمل في ظل سيادة القانون في البلدان التي تعمل بها، فقد تزايد الضغط على الشركة في الآونة الأخيرة، حيث زادت الولايات المتحدة الضغوط على حلفائها للتفكير في استخدام تقنيات هواوي. وفي يوليو (تموز) 2018، اتفقت الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا- الأعضاء جنبا إلى جنب مع بريطانيا وكندا في التحالف المخابراتي Five Intelligence Eyes- على حظر شركة هواوي من المشاركة في شبكاتهم الجديدة من الجيل الخامس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أواخر يناير (كانون الثاني)، حذر كريستوفر وراي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، من أن حجم الوصول المتوفر لهواوي قد يسمح للحكومة الصينية "بتعديل المعلومات بشكل ضار أو سرقتها، أو القيام بعمليات تجسس غير مكتشفة، أو ممارسة ضغط أو سيطرة"، جاء هذا التصريح عقب اعتقال كندا لرئيس شركة هواوي للشؤون المالية، منج وانزهو، في ديسمبر (كانون الأول)، بسبب مزاعم الولايات المتحدة بانتهاك العقوبات التجارية مع إيران وسرقة التكنولوجيا من "تي موبايل".
3 أسباب استراتيجية وراء قرار واشنطن
ويشكك بعض خبراء الإنترنت في التهديد الذي تمثله هواوي. ويشير منتقدو النهج الأميركي إلى أنه "لا يوجد أي حكومة قدّمت دليلًا على وجود نشاط سيبراني صيني ضار من خلال الشركة". غير أن تيموثي هيث، الباحث الرفيع لدى مؤسسة راند لأبحاث الدفاع الأميركية، يوضح أن رفض المعلقين للتحذيرات المتعلقة بـ"هواوي" يعود إلى قلة الأدلة المعلنة، غير أن هذه الآراء غير مطلعة على أي معلومات سرية قد تحتفظ بها الولايات المتحدة والحكومات الأخرى.
ويرى خبير الدفاع الأميركي أن القيود التي تفرضها واشنطن على دور "هواوي" في شبكات المعلومات الأميركية يمكن تبريرها لثلاثة أسباب استراتيجية، أولا: توّفر شبكات الاتصالات قناة معلومات لمستقبل الرعاية الصحية والنقل والخدمات المالية، من بين العديد من المجالات الأخرى. ومن ثم، للحكومات الحق في أن تشعر بالقلق إزاء أي كيانات أجنبية قد يكون لديها إمكانية الوصول إلى المعلومات المنقولة عبر هذه الشبكات. ولأن بكين تدرك هذه النقطة جيداً، فإنها ترفض السماح للشركات الأجنبية ببناء شبكات الاتصالات في الصين.
قوانين الأمن الصينية
ويضيف أن كلا من شركتي "هواوي"، و"زد تي أي ZTE"، التي تم حظر معداتها قبل عام، وكلاهما شركتان صينيتان عملاقتان، على علاقة وثيقة بالحكومة في بكين، مما يثير خطر تنفيذهما أعمال تجسس. وبحسب هيث فإن القوانين الصينية تلزم تلك الشركات بدعم أي عمل استخباراتي أو أمني يعتبر ضرورياً. على سبيل المثال، يشترط قانون المخابرات الوطنية لعام 2017 على "جميع المنظمات والمواطنين" أن "تدعم وتساعد وتتعاون في عمل المخابرات الحكومي". وينص قانون مكافحة التجسس لعام 2014 بالمثل على "المنظمات والأفراد ذوي الصلة" ألا يرفضوا تقديم المعلومات أثناء التحقيق في مكافحة التجسس.
اعتراض أوروبي
وفي حين أن بعض حلفاء الولايات المتحدة- ولا سيما أستراليا ونيوزيلندا واليابان– خضعوا للنصائح الأميركية، إلا أن آخرين كانوا أكثر تحفظاً. وتنقسم أوروبا على وجه الخصوص حول حظر الشركة الرائدة في تكنولوجيا 5G، والتي من المتوقع أن تكون شريان الحياة للاقتصاد الجديد.
فعقب قرار ترمب، علّق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأنه "من غير المناسب أن يتم إطلاق حرب تكنولوجية أو تجارية حيال أي بلد الآن"، مضيفا "إنها ليست الطريقة المثلى للدفاع عن الأمن القومي". وقال ماكرون في حديثه خلال معرض "فيفاتك" في باريس "ما نريده ليس عرقلة هواوي أو أي مجموعة أخرى، بل حماية أمننا القومي والسيادة الأوروبية". وشدد على أن "فرنسا وأوروبا براجماتيتان وواقعيتان".
وفي مطلع مايو(أيار)، أقالت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، وزير الدفاع البريطاني، جافين وليامسون، في أعقاب تسريبات هامة تتعلق بقرار السماح لشركة "هواوي" بإنشاء شبكة الجيل الخامس في المملكة المتحدة، متهمة وزير دفاعها بالوقوف وراءها.
ويبدو أن الأمر يتعلق بالخلاف بين وزير الدفاع ورئيسة الوزراء بشأن الأمر، إذ يرفض الأول السماح للشركة الصينية بالمشاركة في إنشاء الشبكة داخل المملكة المتحدة. وحذر وليامسون، مرارا، من التجسس الصيني على البريطانيين عبر الشركة . وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أصبح أول وزير في الحكومة البريطانية يتحدث علانية ضد شركة الاتصالات العملاقة، قائلا إن لديه "قلقا خطيرا وعميقا للغاية" بشأن الشركة الصينية التي توّفر التكنولوجيا لتحديث خدمات بريطانيا إلى الجيل الخامس فائق السرعة. وأشار إلى أنه سيلزم إجراء استعراض كامل للمخاطر الأمنية، متهما بكين بالعمل "في بعض الأحيان بطريقة خبيثة".
وبعد الإقالة بأيام، وخلال زيارته للعاصمة لندن، تحدث وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بشأن الأمر موجها انتقادات للحكومة البريطانية. وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني، طالب بومبيو برفض السماح للشركة بطرح شبكة الجيل الخامس على أراضيها. وقال إنهم "ناقشوا مطولاً أهمية أمن شبكات الجيل الخامس".
وفي ألمانيا، أشار آرني شونبوهام، رئيس المكتب الاتحادي الألماني لأمن المعلومات، في مقابلة مع صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، مارس (آذار) الماضي، إلى أن بلاده يمكن أن تسمح رسمياً لشركة هواوي بالمشاركة في نشر شبكات الجيل الخامس 5G، إذا أعطت السلطات الصينية ضمانات إضافية بشأن أمن البيانات.
التنافسية وحماية الشركات الأميركية
فضلا عن الأمن ومخاوف التجسس، فإن الخطوة الأميركية الأخيرة ضد الشركة تأتي وسط حرب تجارية متفاقمة بين بكين وواشنطن، بعد محادثات كان من المتوقع أن تحقق انفراجة، مما أدى إلى مزيد من مليارات الدولارات من الرسوم الجمركية من الجانبين. وتقول شبكة "سي.إن.إن" الأميركية إن قضية هواوي تتغلغل في قلب التوترات بين الأمن والمصالح الاقتصادية عندما يتعلق الأمر بالصين والنفوذ الصيني.
ويرى تيموثي هيث، الباحث الرفيع لدى مؤسسة راند لأبحاث الدفاع الأميركية، أن التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة زادت من الحاجة إلى حماية البنية التحتية الحيوية لأميركا وقدرتها التنافسية. ويضيف أن حماية سوق الاتصالات الأميركية يخدم المصالح الاقتصادية والأمنية للبلاد. فبينما ازدهرت الشركات الأميركية في مجالات المنافسة العادلة، لكن الصين لا يمكن وصفها بالمنافس العادل، فبفضل دور الدولة الكبير في دعم "هواوي" واستبعاد المنافسة الغربية في الداخل، فإن الشركة تخطت شركة "أبل" الأميركية كأكبر ثاني مُصنّع للهواتف الذكية في العالم، خلال العام الماضي.
ويخلص بالقول إن واشنطن لديها أسباب أمنية واقتصادية مقنعة للنظر في الحد من مشاركة شركات الاتصالات الصينية في شبكاتها المحلية، مضيفا أن الشركات الصينية تحمل مخاطر لا مفرّ منها بسبب صلاتها المتأصلة بالحكومة الصينية. علاوة على ذلك، تتطلب المنافسة الاستراتيجية المكثفة بين الولايات المتحدة والصين تحسين أمان شبكات المعلومات والمنافسة العادلة في صناعات التكنولوجيا الرئيسية في الولايات المتحدة.