منذ سقوط العاصمة الأفغانية كابول في يد حركة "طالبان" وحالات الترقب تتزايد يوماً بعد الآخر، خوفاً من انتشار الفكر المتطرف مرة أخرى، وظهور تنظيمات إرهابية جديدة تحمل الأيديولوجية ذاتها لتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، لا سيما أن الحركة تقدم نفسها مرشداً للتنظيمات الأخرى.
اليوم، ومع سيطرتها على الحكم في كابول هل ستكون أفغانستان نقطة جذب وملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة؟ كما حدث بعد سيطرة "داعش" على أجزاء من العراق وسوريا في 2014، وجذب آلاف الشباب للقتال في صفوفه، لا سيما أن أفغانستان احتضنت خلال السنوات الخمس التي حكمت فيها البلاد كثيراً من الجماعات الإرهابية، لعل أبرزها "القاعدة"، وزعيمها أسامة بن لادن، فهل التاريخ يعيد نفسه؟
النواة الأولى
بالعودة إلى الخلف وإلى ما يزيد على أربعة عقود، احتضنت أفغانستان النواة الأولى للتنظيمات الإرهابية، فهي أول من أطلق صرخات الاستعانة بـالجهاديين من جميع دول العالم، خصوصاً الشرق الأوسط، للانضمام في صفوف الأفغان لإنهاء الاحتلال الشيوعي للبلاد.
وخلال سنوات الحرب العشر تبلورت أيديولوجية دينية متشددة، جرى تصديرها إلى العالم، بعد عودة من انضم إلى التنظيمات المسلحة في أفغانستان إلى بلادهم مطلع التسعينيات، لتبدأ مرحلة جديدة شهدت تنفيذ عديد من العمليات الإرهابية، مع تشكيل أول تنظيم إرهابي بغطاء (إسلامي)، الذي أطلق عليه "القاعدة".
احتضان المتطرف
خفّ بريق "القاعدة" بعد مقتل زعيمها، وهزيمة "طالبان" من قبل القوات الأميركية، لكنه استمر في العراق. وبعد ثلاث سنوات غيّرت "القاعدة" اسمها ليصبح داعش، بعد سقوط مدينة الموصل عام 2014، وبدأ التنظيم الجديد في استقطاب غالبية المتطرفين والمتشددين في العالم.
واستخدم "داعش" التقنية المعلوماتية في تجميع أنصاره من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وماقع إلكترونية خاصة به، مما أسهم في توسع وانتشار الفكرة المتطرف، وأصبح التنظيم يضم في صفوفه جنسيات متعددة من جميع أنحاء العالم، خصوصاً الخلايا النائمة من التنظيمات المتفرعة من الفكر المتشدد لتنظيم "القاعدة" بأفغانستان.
الدول الآسيوية
وعلى الرغم من ارتباط تنظيم "القاعدة" بالأفغان العرب وانتشاره في الدول العربية، فإن هذا الانتشار تزامن مع تمدد آخر في جنوب شرقي آسيا في منتصف التسعينيات. وبحسب دراسة بعنوان "التجنيد والعودة الجهادية: التهديد الآسيوي والاستجابة" كثفت شبكة "القاعدة" انتشارها في جنوب شرقي آسيا، وأنشأت خلايا محلية، لدعم عملياتها وتعزيز التعاون بين الجماعات المتطرفة.
ومع بداية الألفية الجديدة جرى الكشف عن المدى الكامل للشبكة الإرهابية على مستوى المنطقة، التي لها روابط واسعة مع تنظيم "القاعدة".
لكن، تلك الشبكات شهدت انخفاضاً مطرداً في عمليات العنف، لكن استمرت الأيديولوجية المسلحة المتطرفة في الانتشار على نطاق واسع، خصوصاً بإندونيسيا.
التوسع في انتشار الفكر الإرهابي لم يتوقف في إندونيسيا، بل شمل دول جنوب آسيا، إذ أكدت سنغافورة وماليزيا أن بعض مواطنيهما قاتلوا في سوريا والعراق مع "داعش"، وترى حكومات دول جنوب وجنوب شرقي آسيا أن مواطنيها من مقاتلي "داعش" يشكلون تهديداً أكبر عندما يعودون في نهاية المطاف إلى ديارهم، مقارنة بفترة تدريبهم وتجنيدهم للقتال في الشرق الأوسط.
"داعش" وإندونيسيا
في التاسع من يناير (كانون الأول) لعام 2015 انتشر مقطع فيديو بعنوان "انضم إلى الركب" يظهر مجموعة من المقاتلين الإندونيسيين في سوريا. ودعا المقاتل في صفوف "داعش" بحرومسية الإندونيسي الجنسية إخوانه المسلمين إلى الهجرة إلى أرض "الخلافة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت الباحثة في مركز التميز للأمن القومي في سنغافورة نافحات نوارنية، "عندما أصبح الصراع السوري ساحة معركة جديدة للمتطرفين العالميين، رحّب المسلحون الإندونيسيون بهذا التطور، وحاولوا إضفاء الشرعية عليه، وجرى الترويج له عن طريق الفعاليات والندوات التي انتشرت في تلك الفترة، إضافة إلى المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي".
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 100 و300 مقاتل إندونيسي ذهبوا للقتال في سوريا، إلا أن بقاءهم في سوريا لم يستمر، بعد أن نشب الخلاف بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وانقسامهم بين الطرفين.
وأشارت الباحثة إلى أن المسلحين الإندونيسيين كانوا ينتظرون ظهور جبهة قتال في الخارج مثل أفغانستان، لكن "داعش" اجتذبهم في ذلك الوقت، وكذلك اجتذب مقاتلين مستقلين لا ينتمون إلى جماعات متطرفة، معظمهم من الطلاب الإندونيسيين، الذين كانوا بالفعل في الشرق الأوسط، وبدؤوا في دخول سوريا في وقت مبكر من عام 2012.
ماليزيا قصة أخرى
كان أول ظهور لأحد عناصر "داعش" في ماليزيا في يونيو (حزيران) 2016، إذ أصدر العضو السابق في جماعة "كومبولان" مجاهدي ماليزيا الإرهابية، محمد رافع الدين، تحذيراً مهدداً بحدوث هجمات من قبل "داعش" في غضون ستة أشهر. وحث الماليزيين المسلمين على قتل غير المسلمين واستخدام أي وسيلة.
وأشارت دراسة بعنوان "المقاتلون الأجانب الماليزيون من الماضي إلى الحاضر: مسارات مختلفة للإرهاب" إلى أن ظهور الجماعات الدينية المتطرفة في ماليزيا كان قبل ظهور "داعش"، وتحديداً في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تضم ما يقارب 1000 فرد في صفوفها.
وأدى التطور المقلق لارتفاع أعداد المنتمين إلى الجماعات إلى تكثيف السلطات الماليزية في عام 2001 وقبل أشهر قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عمليات مكافحة الإرهاب. وبحلول عام 2003، أدت هذه الجهود إلى اعتقال عدد كبير منهم، واختفاء العمليات الإرهابية في البلاد، إلا أن ظهور "داعش" أدى إلى إحياء النشاط الإرهابي في ماليزيا.
وأفادت دراسة أجرتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في يناير 2016 بأن هناك أكثر من 300 إلى 450 ماليزياً يقاتلون في العراق وسوريا بجانب "داعش".
الإمساك بزمام السلطة
وعلى الرغم من أن "داعش" كان ملاذاً للجماعات المتطرفة، خصوصاً في آسيا، فإن مقتل زعيمه، أبو بكر البغدادي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أفقده كثيراً من قوته، وقلص إمكانية سيطرته.
وتتجه الأنظار إلى "طالبان" وما ستفعله في الشهور المقبلة. وهل ستكون قادرة على الإمساك بزمام السلطة وتحقيق الاستقرار فيها، كما وعدت، أم ستغرق البلاد في جولة جديدة من الحرب الأهلية والإقطاعيات المتنافسة كما في فترة حكمها الأولى؟ ولعل السؤال الأبرز: هل ستستقبل "طالبان"، أو تسمح لـ"القاعدة" و"داعش" بالمجيء أو العودة إلى البلاد؟