أحبطت وحدة عسكرية تابعة للجيش الليبي محاولة جديدة لتنفيذ هجوم انتحاري على بوابة أمنية تابعة له في منطقة زلة جنوب غرب ليبيا، في تواصل لمسلسل الصدام بين فلول تنظيم داعش وقوات الجيش، التي تطاردها وتحاول تضييق الخناق على تحركاتها في الجنوب الليبي منذ عدة أشهر.
وأضافت الحادثة فصلاً جديداً من التوتر بالمشهد الأمني، الذي بدأ مع بداية الأسبوع الماضي بعد يوم واحد من ظهور بوادر انفراجة، خفضت مستوى التصعيد بالمسار العسكري بعد إطلاق الجيش الليبي عدداً من أسرى المنطقة الغربية في حرب العاصمة العام الماضي.
في المقابل، تعززت مؤشرات عودة الانقسام بين طرفي الأزمة السياسية، شرق ليبيا وغربها، بعد أن أطلق قادة المعسكرين جملة من التصريحات العدائية بعضهم تجاه بعض، قبل أن يفاجئ مجلس النواب الجميع بتحديد موعد جلسة لمساءلة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسط حديث للمرة الأولى عن رغبة داخل البرلمان لسحب الثقة منها.
هجوم جديد لـ"داعش"
أعلنت قوات الجيش الليبي، شرق البلاد، أنها "تصدت لمحاولة تنفيذ هجوم انتحاري على إحدى بوابات التفتيش في مدينة زلة بالجنوب الغربي لم يسفر عن مقتل أو إصابة أي عنصر تابع له".
وأوضح الناطق باسم الجيش، اللواء أحمد المسماري، أن "انتحارياً ينتمي لتنظيم داعش هاجم بسيارة مفخخة بوابة زلة"، مؤكداً أنه "تُصدي للإرهابي من قبل العناصر الأمنية بالبوابة وأصابته، وتُوفي على أثرها بعد إسعافه بالمستشفى". وأشار إلى أن "جميع الوحدات التابعة للقيادة العامة على أهبة الاستعداد، بعد رفع حالة التأهب لمكافحة التنظيمات الإرهابية في أنحاء البلاد، خصوصاً مناطق الجنوب الغربي".
من جانبه، قال عضو مجلس النواب عن الجنوب الليبي، مصباح أوحيدة، إن "العمليات الإرهابية لن تتوقف طالما أن المسلحين الأجانب في ليبيا"، متهماً "الدول المتدخلة في ليبيا بدعم هؤلاء المتطرفين لاتخاذهم ذريعة لاستمرار بقائهم على الأراضي الليبية"، بحسب قوله.
وكان تنظيم "داعش" تبنى هجوماً على مجموعة عسكرية تابعة للجيش الليبي في مدينة سبها بداية الشهر الماضي، أسفر عن مقتل عنصرين أحدهما ضابط برتبة كبيرة، ليطلق بعدها الجيش حملة لمطاردة فلول التنظيم، التي تتخذ مناطق صحراوية نائية على الحدود مع الجزائر والنيجر وتشاد نقطة انطلاق لتنفيذ هجمات خاطفة على الوحدات العسكرية في الجنوب.
بوادر أزمة سياسية في الشمال
شمالاً، تبدو الخلافات بين القيادات السياسية والعسكرية في بنغازي وطرابلس، في طريقها إلى خلق أزمة سياسية جديدة تعيد البلاد إلى دوامة الانقسام، وتنسف كل المساعي المبذولة لتنظيم الانتخابات العامة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، التي ظهرت جلياً في جملة من التصريحات المتتابعة في الأيام الأخيرة، وتحمل نبرة التصعيد، من كل طرف تجاه نظيره ومعارضه في الطرف الآخر.
فبعد أيام قليلة من إعلان قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، أن "قواته لن تخضع لأي سلطة مؤقتة وغير منتخبة تحت أي ظرف"، رد رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، على هذا التصريح بآخر مضاد، قال فيه إنه "لن يقبل بلقاء حفتر قبل أن يعترف بصفته رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع". وأوضح لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، أنه "مستعد للاجتماع مع حفتر شريطة اعترافه به رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع"، مبدياً استياءه من التصريحات الأخيرة، التي رفض فيها الانضواء تحت سلطة حكومته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين هذين التصريحين، كان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وجه انتقادات حادة لأداء حكومة الوحدة الوطنية في الأشهر الماضية، قائلاً إنها "عززت المركزية بدل أن تؤدي دورها المنوط بها حكومة لكل الليبيين". وتابع، "عدم خروج القوات التركية من ليبيا يهدد تنظيم الانتخابات في موعدها، وعدم إجراء الانتخابات يهدد وحدة البلاد وقد يؤدي إلى تقسيمها".
جلسة مساءلة للحكومة
لم يكتف رئيس البرلمان الليبي بتوجيه الانتقادات إلى حكومة الوحدة الوطنية، بل بدأ في اتخاذ إجراءات فعلية لمحاسبتها على ما اعتبره "تقصيراً منها في أداء مهامها" بتحديد جلسة مساءلة لها، نهاية الشهر الحالي.
وصرح المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، بأنه "ستُستدعى الحكومة لجلسة استجواب، يوم الاثنين المقبل، أمام مجلس النواب بمقر المجلس في مدينة طبرق"، وأوضح أن "هذا الاستدعاء تم بناءً على المذكرة التي تقدم بها عدد من أعضاء مجلس النواب، المتضمنة عدداً من الملاحظات حول أداء الحكومة".
ورأى الناطق باسم البرلمان أن "الفترة التي منحت للحكومة كافية لتعد نفسها للمساءلة في طبرق، الأسبوع المقبل". وعلق المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب فتحي المريمي، على الإشاعات المتداولة حول رغبة بعض نواب البرلمان بسحب الثقة من الحكومة، مؤكداً أن "مسألة سحب الثقة من الحكومة غير واردة حالياً، بخاصة أن الظروف في البلاد لا تسمح بذلك"، لكنه أشار إلى أن "هناك بعض الملاحظات التي يجب على الحكومة أخذها في الاعتبار". وتطرق إلى الجدل القائم بين مجلس النواب والدولة بخصوص قانون الانتخابات، قائلاً، إن "الاتفاق السياسي الذي ينص على أن القوانين هي اختصاص أصيل لمجلسي النواب والدولة هو من يصنع الجدل".
انقسام يزيد الانشقاق
انقسام المؤسسات الليبية أثار آخر جديداً في الأوساط السياسية بين المؤيدين والمعارضين للأطراف المتنازعة، إذ اعترض المحلل السياسي، رجب الجغداف، على "محاولات سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية واحتمال ظهور حكومة جديدة في الشرق". وقال، "هل التلويح بسحب الثقة من الحكومة والمجلس الرئاسي، أو بتشكيل حكومة موازية من قبل مجلس النواب خطوة جادة ولها أسبابها القانونية ومحسوبة النتائج بما يخدم خريطة الطريق السياسية، أم ينسفها تماماً؟ أم أنها محاولة للابتزاز السياسي المعلن لتحقيق المزيد من المكاسب والغنائم المادية الشخصية للذين ينادون بذلك؟".
بينما اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، سليمان البيوضي، أن "حكومة عبد الحميد الدبيبة لا يمكن ردعها إلا بسحب الثقة منها، فقد تجاوزت كل الخطوط الحمراء بممارساتها اليومية ومخالفاتها الجسيمة القانونَ، واصطفافها العلني واستفزازاتها المستمرة سيؤديان إلى تفجير الأوضاع حتماً".
ودعا البيوضي مجلس النواب إلى "اتخاذ موقف شجاع وإيقاف هذا العبث"، وكل القوى الوطنية إلى "المبادرة بالضغط لفرض قاعدة دستورية وقانون للانتخابات، أو صياغة اتفاق جديد ينهي السير نحو المجهول". وخلص إلى أن "هذه الحكومة لم تغير في مأساة الليبيين شيئاً، وحان الوقت لإنهاء دورها قبل فوات الأوان، فلا يمكن القبول بحكومة تدعم الوجود الأجنبي في ليبيا، ووجب التصدي لممارسات ضرب القانون بالصفقات المشبوهة".