فاضت مشاعر الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي رفضاً لإفطار رمضاني استضاف فيه فلسطيني من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، عدداً من المستوطنين اليهود. فقد اعتبرته حركة فتح "محاولة لتسويق بعض الأفكار والمشاريع المشبوهة، من خلال تأسيس حزب سياسي يُشكل داخل أروقة المخابرات الإسرائيلية".
لكن المبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات رحّب بتنظيم الإفطار، واعتبره في تغريدة على موقع "تويتر" "يمثل أرضية للسلام الممكن".
تأتي هذه الحادثة وردود الأفعال عليها، بينما تشير التصريحات الأميركية إلى أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن" ستُعلن في النصف الأول من شهر يونيو (حزيران) 2019. وهي الصفقة التي ترفض القيادة الفلسطينية التعامل معها من حيث المبدأ، خصوصاً وأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن أكثر من مرة قطع الاتصالات الرسمية مع الولايات المتحدة الأميركية على المستويات كلها بعد قرار ترمب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى مدينة القدس.
ويتكتم فريق ترمب على تفاصيل "صفقة القرن"، لكن أسسها بدت واضحة بنظر مراقبين، وتقوم على تبني أفكار روّج لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وتنطلق من ترسيخ أمن إسرائيل، وتكريس الوضع القائم حالياً في الضفة الغربية وقطاع غزة واحتفاظ إسرائيل بالقدس، وتوطين اللاجئين في الدول التي تستضيفهم، مقابل تحقيق ازدهار اقتصادي للفلسطينيين.
وبينما ترفض القوى السياسية الفلسطينية "صفقة القرن"، يقول المبعوث الأميركي غرينبلات إن فريق التفاوض الأميركي على اتصال مع الإسرائيليين والفلسطينيين والأوروبيين، بشأن تفاصيل الصفقة وموعد نشرها. وهو ما يطرح أسئلة عن الجهة الفلسطينية التي يتواصل معها الأميركيون؟
وفي تغريدة سابقة، كتب غرينبلات أنه "يتحدث إلى فلسطينيين عاديين، لا يتفهمون موقف قيادتهم المتمثل برفض صفقة القرن قبل الإطلاع على تفاصيلها".
"محاولة خلق البديل"
وبدت هواجس حركة فتح بقيادة الرئيس عباس، واضحة من خلال بيان وصل إلى "اندبندنت عربية"، وصدر تعليقاً على الإفطار. وسبق أن ظهر الشخص الذي دعا إلى الإفطار، في مؤتمرات إسرائيلية يروج لفكرة قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية، ومن ثم التقى السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان.
وجاء في البيان: "في ظل الهجمة الممنهجة على القضية الفلسطينية، والمؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني من الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية من أجل تمرير ما يُسمى بصفقة القرن الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وخلق بديل من منظمة التحرير الفلسطينية، تخرج علينا فئة ضالة وخارجة عن الصف الوطني لتسويق بعض الأفكار والمشاريع المشبوهة، من خلال تأسيس حزب سياسي يتم تشكيله داخل أروقة المخابرات الإسرائيلية وعقد لقاءات بين الفلسطينييين والمستوطنين اليهود".
أضاف البيان: "من كانوا في الاجتماع مع المستوطنين لا يمثلون إلا أنفسهم ويتحملون وحدهم عواقب فعلتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتحار سياسي
في الوقت الذي ينطلق الموقف الرسمي الفلسطيني من فرضية أن الامتناع عن التعاطي مع "صفقة القرن" من شأنه ألا يمنحها المشروعية، وأن يحول دون التعاطي معها من أي من الدول العربية والأوروبية، إلا أن الصورة تبدو ضبابية بنظر كثيرين من الفلسطينيين.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي إبراهيم ربايعة أنه "من الممكن أن يظهر شخص هنا أو أشخاص هناك، يقدمون أنفسهم إلى الإسرائيليين والأميركيين على أنهم قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن هذا في الواقع لا يعني شيئاً، لكون هؤلاء لا يمتلكون القاعدة الشعبية التي تخولهم الحديث باسم الفلسطينيين".
أضاف ربايعة "بالنسبة إلى منظمة التحرير وحتى حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تحكم في قطاع غزة، فإن القبول بصفقة القرن يعني انتحارهما سياسياً وانتفاء سبب وجودهما المنطلق من وجود مشروع وطني تحرري، وهو المشروع الذي يمنحهما الشرعية".
ورأى في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الإدارة الأميركية "ستحاول ترويض الفواعل السياسية الفلسطينية القائمة على الأرض للقبول بأفكارها، على اعتبار أنها تعي صعوبة البدء من جديد بخلق قيادات فلسطينية بديلة لا تمتلك أي أطر تنظيمية وفاقدة لأي مشروعية"، معتبراً أن أي قيادة فلسطينية بديلة لن تحظى بمشروعية إقليمية، خصوصاً وأن الدولة العربية المرتبطة عضوياً بالشأن الفلسطيني، وتستضيف غالبية اللاجئين الفلسطينيين (الأردن) ترفض "صفقة القرن" وترى فيها تهديداً وجودياً.
"لا حاجة لشريك فلسطيني"
وأعرب الباحث الفلسطيني عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة قد تعترف بالوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض في العقود الماضية، خصوصاً في الضفة الغربية والقدس، ولكنها لن تستطيع نزع الشرعية عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تعترف بها144 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد رأى من جهته أن الإدارة الأميركية وإسرائيل "ليستا في حاجة إلى شريك فلسطيني لفرض الأفكار الواردة في صفقة القرن، على الرغم من قدرتهما على خلق الشريك إن أرادتا ذلك"، لافتاً إلى أن إدارة ترمب "تريد تمرير رؤيتها كما هي، وليس الدخول في مفاوضات جديدة سيكون مصيرها الفشل، ولذلك رفض الجانب الأميركي ملاحظات إسرائيلية على الصفقة، كانت تهدف إلى التخفيف من حدة الرفض الفلسطيني لها وإعادة السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات".