أدى اتفاق "بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي] إلى إنشاء حدود في وسط البحر الإيرلندي [تفصل بين جمهورية إيرلندا العضوة في الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة]، ومنع سكان بريطانيا من السفر إلى البر الأوروبي الرئيس أو العيش فيه من دون إجراءات بيروقراطية، وحول مساحات كبيرة من مقاطعة "كنت" [المطلة على بحر المانش] إلى مواقف دائمة للشاحنات.
والآن، بفضل "بريكست"، تحل لعنة من نوع خاص على عالم الكتب. وعقب انتهاء المهلة الانتقالية لتنفيذ "بريكست" مع حلول الأول من يناير (كانون الثاني) 2021، ما عادت المملكة المتحدة تشارك في نظام الاتحاد الأوروبي الإقليمي لاستنفاد حقوق الملكية الفكرية.
وبالتالي، تواجه مشاورات "مكتب الملكية الفكرية" بشأن نظام استنفاد حقوق الملكية الفكرية المستقبلي في المملكة المتحدة، مستقبلاً مجهولاً. وتدرس الاستشارات الحكومية التي انطلقت في 7 يونيو (حزيران) 2021، احتمال إضعاف قوانين التأليف والنشر، ما سيؤثر على الاقتصاد ويؤدي بحسب حملة "أنقذوا كتبنا" (Save Our Books )، إلى إنتاج "كتب أقل، لكتاب أقل، وقراء أقل".
وبصورة عامة، تتمثل إحدى الطرق الأساسية التي يكسب الكتاب بها المال من مؤلفاتهم في رسوم حقوق التأليف والنشر المفروضة على تلك المؤلفات. وبالنسبة إلى معظم الكتاب البريطانيين، يأتي ذلك المدخول من طريق مبيعات كتبهم داخل المملكة المتحدة.
ولأن المؤلفين يملكون حقوق نشر كتبهم، يحق لهم أن يحددوا سعر تلك الكتب في الأسواق العالمية، إذ تسعر بما يناسب الأسواق العالمية التي قد تكون الأجور في بعضها، مثلاً، أقل من غيرها. وحاضراً، يمنع القانون استيراد النسخ الدولية من الكتب من دون إذن إلى سوق المملكة المتحدة، لأن ذلك قد يقوض السوق المحلية. وتشكل السوق المحلية المكان الذي يحصل الكتاب منه على القسم الأكبر من مدخولهم، وقد لا تكون سوقاً هائلة بالضرورة لكنها تعطي مدخولاً في كل الأحوال.
واستطراداً، تشكل حماية حقوق التأليف والنشر أمراً حيوياً بالنسبة للكتاب البريطانيين الذين يبيعون أعمالهم في الخارج، لأنه من دونها، سوف تغرق السوق البريطانية بكتب تنتج وتباع بأسعار أقل من أسعار النسخ البريطانية الصحيحة.
ولا يقف الخطر عند مدخول المؤلفين، بل إن دور النشر وتجارة الكتب بشكل عام قد تعاني مادياً في حال الاتفاق على تلك التغييرات. ويعتقد قطاع تجارة الكتب بأنه في أسوأ الأحوال، قد يكلف هذا التغيير قطاع نشر الكتب في المملكة المتحدة ما قد يصل إلى 25 في المئة من عائدات منشوراته، أي ما يوازي مليار جنيه إسترليني تقريباً.
وكذلك يؤدي انخفاض إيرادات المنشورات إلى خفض الرسوم التي يجنيها أصحاب الحقوق، وخفض مداخيل المؤلفين، وتقليل عدد الكتب المتاحة لكم كي تقرأوها. سوف يخف تنوع الكتب المتوفرة في السوق، لأن الناشرين لن يرغبوا بأخذ أي مخاطرة تجارية.
وعن هذا الموضوع، ذكرت الرئيسة التنفيذية في "رابطة المؤلفين" نيكولا سولومون، "سيؤثر ذلك الأمر على فرص المؤلفين المشهورين والمتوسطين، إضافة إلى فرص المؤلفين الجدد ومن يطمحون للكتابة والنشر. وبالاختصار، سيحدث تنوع أقل في كافة أنواع الكتب ومهن الكتابة، من الكتب غير الخيالية، والخيالية إلى الترجمة والرسم. نحتاج إلى مزيد من المؤلفين من خلفيات أكثر تنوعاً، ينتجون مزيداً من الكتب لجماهير أوسع. ولن يحصل ذلك إلا إذا استطاع المؤلفون الحصول على مدخول جيد من عملهم، مدعومين بمعايير عالمية في حقوق التأليف والنشر".
واستنتاجاً، إذا صبت مشاورات "مكتب الملكية الفكرية" في مصلحة إزالة أي حدود أمام حقوق الملكية الفكرية عبر ما يسمى "الاستيراد الموازي" إلى المملكة المتحدة، لن يكون باستطاعة المؤلفين أن يمنعوا استيراد نسخ من كتبهم من كل أرجاء العالم وبيعها في المملكة المتحدة.
وفي المقابل، سيكون المستفيد الوحيد من هذا الموضوع الشركات العملاقة للبيع بالتجزئة على الإنترنت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك الإطار، أشار الرئيس التنفيذي في "رابطة الناشرين" ستيفن لوتينغا، إلى أن "هذه فترة حرجة، وتشكل أكبر تهديد على قطاعنا بعد بريكست. إذ تعتبر قوة قوانين التأليف والنشر في المملكة المتحدة، مسألة أساسية من أجل ضمان تقاضي المؤلفين والناشرين أجراً مقابل عملهم".
ماذا يمكننا أن نفعل؟ علينا أن نضغط على النواب ونجعلهم يحثون الحكومة على عدم إحداث تغيير جذري في طريقة عمل قطاع الكتب، وبالتالي رفض اعتماد النظام الدولي المقترح، والإبقاء على نظام الاستنفاد الحالي.
وفي كتابه "آلة الوقت"، أورد [كاتب الخيال العلمي الشهير] اتش جي ويلز، "يبدو ذلك منطقياً الآن، لكن اصبر حتى الصباح. انتظر حتى يحل منطق الصباح"، ويبدو ذلك القول مناسباً جداً في هذه اللحظة.
فلنأمل أن يسود ما تبقى من منطق لدى الحكومة.
في المقابل، بالنسبة إلى المكتبات المستقلة التي انتعش عدد كبير منها خلال الجائحة مع عودة الناس لاكتشاف متعة القراءة، فستختفي من مناطقنا التجارية، آخذة معها جزءاً من ثقافتنا التاريخية.
زوروا موقع حملة أنقذوا كتبنا هنا
© The Independent