في خضم الفوضى والأزمة والكارثة في أفغانستان، قد يبدو من المبكر أكثر مما ينبغي التفكير في اقتصاديات البلد الغارق في الفوضى. لكن التاريخ يعلمنا أن هذا التفكير لا يكون أبداً من المبكر أكثر مما ينبغي.
في حين لا تزال المناقشة السياسية تركز عن حق على الفشل الاستخباري، والتخلي عن الأصدقاء والحلفاء الأفغان، والفشل في تشكيل قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الأمم المتحدة، يجب أن ينظر واضعو السياسات إلى الأمام لا إلى الوراء.
وفي مرحلة ما، ستضطر كل من الجهات الرقابية المالية الدولية والقوى الغربية إلى البدء بالتفكير في التوقعات الاقتصادية الأفغانية تحت سيطرة "طالبان".
حتى قبل أن يسيطر الإسلاميون، كانت التوقعات الأفغانية مخيبة للآمال على رغم عقدين من السيطرة الأميركية إما بالتحالف مع المملكة المتحدة أو في شكل منفرد.
وتتمثل نقطة بداية جيدة بالنظر إلى العوامل التي تشكل تقييم الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) لأهداف التنمية المستدامة الخاصة بأفغانستان. فقد بين التقييم أن أفغانستان تواجه تحديات في 13 من أصل 17 هدفاً، وأن هناك ثلاثة أهداف لا تتوافر على بيانات، وأن التصنيف الجيد يقتصر على هدف واحد (المتعلق بالمناخ).
يعاني حوالى 30 في المئة من السكان من نقص في التغذية، في حين يفتقر حوالى ثلثهم (32.9 في المئة) إلى الخدمات الأساسية في مجال مياه الشرب. ويبلغ معدل وفيات النساء في مرحلة الأمومة 638 لكل 100 ألف ولادة حية.
لا تعود أسباب ذلك إلى نقص في الأموال التي تدخل البلاد. فقد ضخت الولايات المتحدة مبلغاً مذهلاً يساوي تريليون دولار، لكن وكما يشير الأستاذ في جامعة كولومبيا، جيفري ساكس، كان الجزء الكبير من ذلك المبلغ مرتبط بتكاليف الاحتلال العسكري.
ووفق أحدث تقدير لـ"تكلفة الحرب" من قبل وزارة الدفاع الأميركية، في 30 سبتمبر (أيلول) 2020، كانت التزاماتها التراكمية إزاء أفغانستان قد وصلت إلى 815.7 مليار دولار، لكن الأموال المخصصة لإعادة الإعمار والأنشطة ذات الصلة بذلك منذ عام 2002، حين سجل الاحتلال الأميركي سنته الكاملة الأولى، بلغت 143.3 مليار دولار، وفق المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان.
ويظهر توزيع المبلغ أن 86 مليار دولار ذهبت إلى صندوق قوات الأمن الأفغانية والردود الطارئة، وأن حوالى تسعة مليارات دولار خُصِّصت لإجراءات مكافحة المخدرات. ولم يُكرَّس سوى 30 مليار دولار لـ"الحوكمة والتنمية"، و 1.5 مليار دولار سنوياً لمشاريع سكانية تتعلق بـ 38 مليون نسمة (عدد سكان أفغانستان).
وكان من المقرر أن تستلم الإدارة الأفغانية حوالى 460 مليون دولار الاثنين من ضمن برنامج صندوق النقد الدولي لتوفير ما قيمته 650 مليار دولار من خلال طباعة أوراق العملات، في إطار الإجراء المالي المعروف بـ "حقوق السحب الخاصة"، الذي يعتمد على ضخ سيولة في النظام العالمي لمواجهة أثر أزمة فيروس كورونا.
لكن واشنطن لم ترغب في أن يمول صندوق النقد الدولي "طالبان"، مع العلم أن الولايات المتحدة تملك حصة تساوي 16.5 في المئة من أصوات المجلس التنفيذي للصندوق، الأمر الذي يمكنها من السيطرة على التصويت لصالحها. وأكد الصندوق الأسبوع الماضي "غياب الوضوح" بين الدول الأعضاء بشأن الاعتراف بالنظام الجديد. "ونتيجة لذلك، لا تستطيع أفغانستان الوصول إلى حقوق السحب الخاصة أو مصادر أخرى في الصندوق".
ومنذ أبريل (نيسان) 2002، يلتزم البنك الدولي بتوفير حوالى 5.3 مليار دولار للتنمية ومشاريع إعادة البناء الطارئة.
والبنك منهمك الآن في إجلاء موظفيه وعائلاتهم. وقال ناطق باسم المؤسسة المالية لـ"اندبندنت": "في ضوء الظروف الأمنية المتدهورة بسرعة في أفغانستان، تتمثل الأولوية القصوى لمجموعة البنك الدولي في الحفاظ على سلامة موظفينا وعائلاتهم".
وفي سلسلة منشورات صريحة على "تويتر"، قال المحافظ السابق للمصرف المركزي الأفغاني، أجمل أحمدي، إن احتياطيات المصرف البالغة 10 مليارات دولار هي في حسابات مصرفية أجنبية وهي مجمدة. وبعد بيان صندوق النقد، قال إن "الحجة الأساسية" لديه تتمثل في أن "طالبان" قد تفرض ضوابط على رؤوس الأموال، فتخفض قيمة العملة وترفع معدل التضخم ما قد "يضر بالفقراء مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السؤال المطروح الآن هو من سيمول أفغانستان. ففي عام 2019، بينت أرقام البنك الدولي أن المساعدات التنموية بلغت 22 في المئة من الدخل الوطني الإجمالي. وقد استفادت حكومة الرئيس السابق، أشرف غني، من تلك المساعدات، خلافاً للمناطق الخاضعة لسيطرة "طالبان".
ووفق تحليل معهد التنمية الخارجية، وهي مؤسسة بحثية في مجال التنمية - تناولت العوائد التي جمعتها "طالبان" والحكومة الأفغانية في ولاية نيمروز- فإن الضرائب على أموال المساعدات التنموية وفرت 500 ألف دولار، أي أقل من واحد في المئة من العوائد التي جمعتها "طالبان" العام الماضي (مع أن الحكومة الأفغانية لم تتلق سوى 20 مليون دولار أي واحد في المئة فقط من الميزانية الوطنية المخصصة للمساعدات).
وعلى رغم الانطباع العام بأن طالبان تعتمد على عوائد المخدرات غير الشرعية، فإن هذا المصدر المالي لا يشكل سوى تسعة في المئة من المداخل الضريبية للحركة. وشكلت العوائد الضريبية على البضائع والوقود الآتية إلى أفغانستان من إيران ما مجمله 79 في المئة، في حين جاءت ثمانية في المئة أخرى من الضرائب على البضائع الشرعية.
لذلك وفي ضوء تجميد أصولها، والشك المحيط بمدفوعات المساعدات، والتهديد الذي يمثله التضخم، قد تتخلى "طالبان" عن طموحها المعلن بإدارة "بلاد خالية من المخدرات". وسيضاف ذلك حقاً إلى الإرث المخيب للآمال الخاص باحتلال أميركا وانسحابها.
© The Independent