تستضيف العاصمة العراقية بغداد، السبت، 28 أغسطس (آب)، مؤتمراً لدول الجوار بحضور إقليمي ودولي، ستركز على إرساء الأمن في العراق والمنطقة وتعزيز الشراكات الاقتصادية بين البلدان المشاركة في القمة، وهذه القمة الثانية التي تحتضنها بغداد بعد القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، التي عقدت نهاية يونيو (حزيران) الماضي.
ووجهت الحكومة العراقية، خلال الأيام الماضية، الدعوات الرسمية لقادة دول كل من تركيا، وإيران، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وقطر، والكويت، والإمارات العربية المتحدة لحضور القمة.
وأعلنت فرنسا حضور الرئيس إيمانويل ماكرون القمة، وسيمثل الكويت رئيس مجلس وزرائها الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح.
وسيشارك في فعاليات القمة أيضاً ممثلون عن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.
وأشارت مصادر مطلعة لـ"اندبندنت عربية" إلى أن دولاً مشاركة في القمة أيضاً لن تعلن عن ممثليها إلا قبل ساعات قليلة من انعقادها، عازية الأسباب إلى دواع أمنية وأخرى لمعرفة ممثلي الدول الأخرى المشاركة فيها.
تعزيز الدور العراقي
وشدد وزير خارجية العراق فؤاد حسين إلى أهمية عقد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة لتعزيز الدور العراقي، وبناء شراكات اقتصادية مع دول المنطقة، وتحويل فضاء الصراعات والتوترات الموجودة في المنطقة إلى حالة الحوار، وأكد حسين خلال استقباله في محل إقامته في العاصمة الروسية موسكو، رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي، أن سياسة العراق الخارجية مبنية على التوازن في علاقاته مع محيطه الخارجي، وأشار حسين الذي يزور موسكو حالياً، إلى أن العراق استطاع تأسيس أرضية وأدوات للحوار، وستتحول بغداد إلى مركز للتواصل والتفاعل الإيجابي.
الإجراءات اكتملت لانعقاد القمة
بدوره، أكد وكيل وزير الخارجية العراقية، المتحدث باسم مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، نزار الخير الله، أن كل الإجراءات الأمنية والصحية واللوجيستية اكتملت لانعقاد القمة، وقال في مؤتمر صحافي عقده في مبنى وزارة الخارجية ببغداد، إن "استجابة قادة الدول كانت لمعطيات موضوعية منها الثقة بالدور العراقي المرتكز على سياسية التوزان، وتوجه الحكومة لبناء الاستقرار والشراكة الاستثمارية وجلب رؤوس الأموال إلى العراق"، ولفت إلى أن "المصالح الاستراتيجية للبلد لا تنحصر في وقت محدد، وهناك جملة من الشراكات السابقة ما زالت قائمة، ولا أعتقد أن هناك حكومة مقبلة لا ترحب بمخرجات هذا المؤتمر ونتائجه، كما أن مجيء القادة بهذا التمثيل، وفي هذا التوقيت الزمني، والرغبة الجدية في مجيئهم إلى بغداد، ودعمهم للعراق، هو أحد التأكيدات على تنفيذ مخرجات المؤتمر وترجمتها على أرض الواقع".
وأشار الخير الله إلى أن "الدول دائمة العضوية، وممثلين عن الاتحاد الأوربي، ودول الـ20 سيكونون مراقبين في المؤتمر وليسوا مشاركين فيه"، وقال، "لا يمكنني أن أحدد عدد وأسماء الدول التي ستشارك في المؤتمر"، وأضاف أن "الملك الأردني عبد الله الثاني داعم للعراق وللقمم الثلاثية التي عقدت سابقاً، وقد يكون متحمساً لحضور المؤتمر، ولكن ليس بالضرورة ربط القمة الثلاثية بالمؤتمر الحالي".
وكشف الخير الله عن الفرق بين مؤتمر بغداد ومؤتمر الكويت، مشيراً إلى أن "هناك اختلافاً بين مؤتمر الكويت، وهذا المؤتمر، فمؤتمر الكويت كان لدعم العراق ومساعدته، أما هذا المؤتمر ليس لمساعدة العراق بل للتعاون والشراكة وهذا شيء مهم لبناء مصالح مشتركة".
سوريا والنقاط الخلافية
وبخصوص دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد لحضور المؤتمر، لفت إلى ضرورة "الفصل بين العلاقة مع سوريا ودعوتها إلى المشاركة بالمؤتمر، وخلال الأشهر السابقة، كانت هناك زيارات على مستوى عال لمناقشة الملفات المشتركة بين البلدين، فأمن واستقرار سوريا جزء من الأمن الوطني، والعراق هو الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت بشكل واضح تأييد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكننا حريصون على إنجاح المؤتمر بعيداً عن النقاط الخلافية".
وكشف وكيل وزير الخارجية العراقية عن هدف عقد مؤتمر بغداد قائلاً، "الدول المشاركة جاءت لبحث التعاون والشراكة والتأكيد على وحدة وسيادة وحدة العراق وتعزيز دور العراق في مكافحة الإرهاب"، مضيفاً أن "المؤتمر سيركز بشكل أساس على الملفين الاقتصادي والاستثماري".
تحقيق مصالح العراق
ورحب عضو "ائتلاف النصر" حمزة الحردان بانعقاد مؤتمر "الجوار الإقليمي"، مشيراً إلى "أننا ندعم أي جهد لترسيخ الاستقرار والتعاون والسلام بالمنطقة، ما سينعكس إيجاباً على جميع الشعوب"، وقال "نطالب من بيده القرار اليوم، وعي دقة المعادلة الإقليمية الدولية لتحقيق مصالح العراق وفق حسابات متوازنة وحكيمة وقوية بالوقت نفسه، ويجب ألا يكون العراق مجرد طاولة أو مكاناً للقاء الزعماء"، وشدد على ضرورة أن "تكون مصالح العراق حاضرة بقوة في هذه القمة، كما أن للعراق أوراق قوة استراتيجية يمكنه بها قيادة المنطقة إلى الاستقرار أو على العكس يمكن أن تذهب بها إلى الفوضى، ويجب أن ينجح أصحاب القرار اليوم في توضيح حجم ودور العراق جيداً والاختيار بأن يكون قوياً يوازن صراع الاستراتيجيات، وألا يكون ضعيفاً وتابعاً يجر دول المنطقة إلى الصدام والفوضى".
القمة استكمال لجهود العراق الدبلوماسية
وأكد المحلل السياسي واثق الجابري أن "القمة المرتقب انعقادها في بغداد تأتي استكمالاً لجهود دبلوماسية كبيرة بذلها العراق، منذ سنوات من أجل تقريب وجهات النظر بين الدول الإقليمية وبقناعة عراقية لحاجة المنطقة للاحتكام إلى لغة الحوار ورعاية المصالح المشتركة من حيث التجربة العراقية ومعاناة البلد من ويلات الحروب"، وتابع، "لذلك يرى صانع القرار السياسي أهمية بقاء العراق بعيداً عن المحاور المتصارعة وأن يكون جسراً لربط العلاقات الدولية، وتأتي هذه القمة استكمالاً للقمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية، وستكون نتائج هذه القمة طيبة من القمة باعتبارها ستحقق مصالح المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى الصحافي عمر عبد اللطيف أن "قمة بغداد لدول الجوار تعد من القمم المهمة والمعدودة التي عقدت على مدى عقدين من الزمن"، وأشار إلى أن القمة "ستناقش عدداً من المحاور التي تواجهها هذه الدول، فالعراق يواجه تحديات داخلية كإجراء الانتخابات خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والمهددة بالتأجيل بسبب الظروف وانسحاب كتل مهمة اشترطت، أخيراً، تأجيل تلك العملية إلى إشعار آخر، إضافة إلى التحدي الصحي المتمثل بارتفاع الإصابات بكورونا وتذبذب أسعار النفط الذي يعد تحدياً اقتصادياً يتزامن مع إعداد موازنة 2021 التي قد تكون نسخة عن نظيرتها التي أقرت خلال هذا العام بسبب حل مجلس النواب في حال إجراء الانتخابات".
أضاف عبد اللطيف، "أما إيران فهي تواجه تحديات اقتصادية وصحية إضافة إلى تحد سياسي يتمثل في سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان ما قد يؤثر سلباً على أمنها الوطني، وهو ما يعتقده الإيرانيون مخططاً أميركياً أشبه بما فعلته قبل سنوات في سوريا والعراق وليبيا ومصر عندما وجهت "داعش" لتلك الدول في مخطط سبق وأن وصفته إيران بالـ"خطر" لما خلفه من صراعات على مستوى الدول والمناطق التي احتلها هذا التنظيم الإرهابي".
تقريب وجهات النظر
ونوه إلى أن "المملكة العربية السعودية التي تحاول التقرب من العراق باستثماراتها الاقتصادية والنفطية وعلى مستوى البنى التحتية تنشد أيضاً وجود مقاربة بينها وبين إيران في فرصة يحققها العراق لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وإنهاء صراع دام سنوات بينهما، وهو ما يلقي بظلاله إيجاباً على مستوى العراق في حال تقاسم البلدان مصالحهما في العراق وباقي الدول. أما الأردن ومصر، فإنهما يحاولان استكمال مشروع "الشام الجديد"، وهو مشروع اقتصادي بحت لبناء مناطق حرة بين هذين البلدين إضافة إلى العراق، وبناء أنبوب لنقل النفط بأسعار مدعومة إضافة إلى تصدير فائض الأيدي العاملة من تلك البلدان إلى العراق لمساعدته في ثورة البناء والإعمار".
ورأى أن "الكويت عدو الأمس، صديق اليوم، والذي تربطه علاقات ووشائج أسرية مع العراق، يأمل حسم كل المواضيع العالقة لمحو خلاف استمر نحو ثلاثة عقود"، ولفت إلى أن "تركيا ستكون موجودة أمام خصمها اللدود مصر بعد دعمها جماعة الإخوان المسلمين هناك، ولكنها في الوقت نفسه تأمل تحقيق مكاسب على المستوى الاقتصادي من خلال توريد البضائع إلى العراق مقابل القليل من الالتزام بالحصة المائية التي تقدمها للعراق في وقت يعاني الأخير من أزمة مياه خانقة".
وأشار عبد اللطيف أيضاً إلى أن "فرنسا تشارك من أجل منحها فرصة استثمارية لإعمار بعض المناطق في العراق خصوصاً تلك التي دمرت خلال احتلال تنظيم داعش نينوى إضافة إلى اعادة مشروع مترو بغداد، والشيء الأكثر أهمية هو دعم جمهورية لبنان من خلال النفط الخام والمواد الغذائية".
تحديات تواجه القمة
وكشف عبد اللطيف عن التحديات الماثلة أمامها، وقال "واجهت هذه القمة كثيراً من التحديات أبرزها حضور كل من ممثلي المملكة العربية السعودية وإيران إلى العراق للقاء وجهاً لوجه وبصورة علنية، في حين سبق لهما أن التقيا قبل أشهر عدة في العراق وبصورة سرية للتباحث بعدد من الملفات التي يمكن أن تحسم بينهما، إلا أن العراق لم يلق معارضة شديدة من الطرفين في حضور هذه القمة"، وتابع أن "التحدي الثاني تمثل في رفض بعض الدول حضور الرئيس السوري بشار الأسد هذه القمة، وكان لهذه الدول ما أرادت، بعد أن أوفد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إلى سوريا للقاء الأسد، وأبلغه حراجة موقف العراق من إقامة مثل هكذا مؤتمر وعدم دعوة سوريا إليه الأمر الذي تقبله الرئيس السوري بكل رحابة صدر".
وتترقب الأوساط السياسية والشعبية نتائج قمة بغداد لدول الجوار وأهم المكتسبات التي سيحققها العراق والدول المشاركة في تهدئة الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط.