فتح خبر اعتقال المرشح السابق للرئاسة التونسية، نبيل القروي، على يد الأمن الجزائري، أبواب التأويل في البلدين، في ظل تساؤلات حول تسليمه إلى بلاده من عدمه، وجدد الحديث عن تفاهمات حول إجراء تبادل مع مطلوبين جزائريين موجودين في تونس.
وعلى الرغم من عدم إصدار بيانات وتصريحات رسمية من تونس والجزائر بخصوص توقيف رئيس حزب "قلب تونس"، شريك حركة "النهضة" في البرلمان، نبيل القروي، إلا أن خبر إلقاء أجهزة الأمن الجزائرية القبض على المرشح السابق للرئاسة التونسية، في مدينة تبسة الجزائرية على الحدود بين البلدين، صنع الحدث بشكل لافت إلى درجة أنه خفّف منسوب الاحتقان الذي بلغته الأزمة الجزائرية - المغربية.
وجاء في تفاصيل الخبر أنه تم القبض على القروي في شقة أمّنها له شقيق نائب سابق عن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الجزائري، إذ يرتبط بشبكة علاقات قوية مع رجال أعمال ومسؤولين جزائريين، بخاصة من النظام السابق، ويتواجد أغلبهم بالسجون بتهم الفساد والنهب. كما يملك نبيل القروي استثمارات في الجزائر بالشراكة مع جزائريين.
وبحسب ما تم تداوله، فإن القروي ملاحَق بتهمة دخول الجزائر بطريقة غير شرعية، حيث أن السلطات التونسية لم تصدر أمراً دولياً باعتقاله، على الرغم من أنه متابع بقضايا فساد ببلاده.
وكان القروي، صاحب قناة "نسمة"، رئيس حزب "قلب تونس"، ثاني أكبر حزب في البرلمان التونسي، الذي ألقي القبض عليه مع شقيقه النائب غازي القروي، اختفى عن الأنظار منذ أن عزل الرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الحكومة هشام المشيشي وجمّد عمل البرلمان وتولى السلطة التنفيذية الشهر الماضي.
كما أمضى القروي أكثر من ستة أشهر في السجن بتونس، بتهم غسل الأموال والتهرب الضريبي، وأفرجت عنه السلطات القضائية في 15 يونيو (حزيران) الماضي، على الرغم من تشديده على أنه بريء وأن خصومه السياسيين يقفون وراء سجنه، وهو الفائز بالمركز الثاني في الجولة الأولى بالانتخابات الرئاسية التونسية عام 2019، وخسر الجولة الثانية لصالح الرئيس الحالي قيس سعيّد.
ويترقب الشارع في تونس والجزائر ما ستؤول إليه القضية، بين تسليم القروي أم مقايضته، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في البلدين، لكن مراقبين اعتبروا أن اعتقال القروي يمثل بادرة حسن نوايا تجاه تونس من الجزائر التي كثفت زياراتها واتصالاتها مع جارتها الشرقية بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في يوليو (تموز) الماضي، بينما ترى جهات أن عملية مقايضة منتظرة لمطلوبين لدى العدالة الجزائرية يقيمون في تونس.
أكثر من مبرر لتسليمه
في السياق، يعتقد الحقوقي الجزائري، عابد نعمان أن "هناك أكثر من مبرر لتسليمه، بخاصة علاقات التعاون الثنائية". وقال إنه "لا مشكلة لدى الجزائر أو حسابات تحول دون تسليم أي مطلوب تونسي إلى بلده"، مشيراً إلى أن "مسألة حبسه في الجزائر بتهمة الدخول إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية مثلما ينص عليه قانون العقوبات قبل تسليمه، ترتبط باتفاقية رضائية بين البلدين، وبحسب المصلحة إن كانت تفيد القضية". وختم نعمان قائلاً إن "التحقيق القضائي يجب أن يكون بعيداً من أي ضغط سياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، رأى الناشط السياسي التونسي رشيد ترخاني أن "السماح للمدعي العام الجزائري بإيقاف نبيل القروي، على ذمة التحقيق، يجعل إمكانية ترحيله إلى تونس في حال طلبت السلطات ذلك، واردة، لكن إلى حد الآن لم تطلب تونس تسليمه"، موضحاً بخصوص حبسه في الجزائر بتهمة الدخول بطريقة غير شرعية، أن "هذا أمر يرجع إلى السلطات الجزائرية ومن حقها تطبيق القانون على المخالفين". وأضاف "لا أعتقد أن الجزائر ستمانع تسليم نبيل القروي إلى تونس، إلا إذا كان يمثل ورقة ضغط على السلطات التونسية ممكن أن يتم التفاوض بها على أمر ما، وهو أمر أستبعده".
حديث عن صفقة؟
وتتحدث أطراف تونسية وجزائرية عن اتفاق سياسي بين البلدين بشأن اعتقال نبيل القروي، وتسليم تونس إلى الجزائر، الناشط البارز في حركة "الماك" التي تصنفها السلطات الجزائرية كحركة إرهابية، سليمان أبو حفص، الذي يواجه منذ عام 2016 أحكاماً بالسجن لثلاث سنوات بتهمة الإساءة للإسلام.
وعلقت البرلمانية التونسية السابقة، صابرين قوبنطيني، أن "الناشط السياسي الجزائري سليمان أبو حفص، هو لاجئ سياسي في تونس منذ عام 2018 تحت حماية الأمم المتحدة واتفاقية جنيف"، مضيفة أن "أبو حفص جزائري الجنسية، تمت محاكمته في الجزائر بتهم الإساءة للإسلام والرسول، تم اختطافه في 25 أغسطس (آب) من مقر سكناه بحي التحرير بتونس، وتسليمه للسلطات الجزائرية في إطار صفقة مقابل تسليم نبيل القروي".
من جانبها، ذكرت صحيفة "لافون قارد" الجزائرية، إن اتفاقاً حصل بين تونس والجزائر يتم بمقتضاه تسليم القروي إلى بلده مقابل ترحيل سليمان أبو حفص، مشيرةً إلى أنه "تم اختطاف أبو حفص الذي يخضع لحماية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من قبل ثلاثة مجهولين يوم 25 أغسطس في العاصمة التونسية، وبعد أيام من اختفائه المثير للقلق، تبيّن أنه موجود في مركز للشرطة في العاصمة الجزائرية".
طلب اللجوء؟
في السياق، قال الإعلامي التونسي، علي فلحي، إن "القبض على نبيل القروي، يُعد حدثاً سياسياً في الأوساط التونسية، وأيضاً حدثاً مجتمعياً بامتياز، نظراً إلى السياق الذي تعيشه البلاد ضمن إطار الحرب على الفساد"، مضيفاً أنه "على الرغم من عدم وجود برقية تفتيش دولية بحق الأخوين القروي، إلا أن السلطة الجزائرية وحدها تمتلك السلطة التقديرية في تسليمهما للجهات التونسية من عدمه. وأرى أن الجزائر لا يمكنها أن تخذل جارتها أو تطعن الوجدان الشعبي التونسي، وأنها ستسلمهما بناءً على الاتفاقيات المشتركة وأيضاً لاعتبارات أخرى عدة".
وأوضح فلحي أن "القروي اختار الدخول إلى التراب الجزائري خلسة لأسباب عدة أهمها طلب اللجوء عن طريق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين - مكتب الجزائر، إذ حاول بتصرفه إثبات أنه مطارد ومهدد، بالتالي تنطبق عليه صفة اللاجئ بحسب اتفاقية جنيف".