على الرغم من أهمية اللقاء الذي جرى بين وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في ذروة زوبعة أمنية سياسية اقتصادية تشهدها المنطقة، إلا أن تغييب التسوية السلمية عن المباحثات وجعل المواضيع الاقتصادية ثم الأمنية والمدنية جوهر هذا اللقاء، أثار زوبعة على طرفي الخط الأخضر حول مدى أهمية ونتائج مثل هذا اللقاء، وإن كان يمكن تحسين الأوضاع الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية بغياب تسوية سياسية، أم أن الأوضاع الحالية تتطلب تعزيز الوضع الاقتصادي لدى الفلسطينيين إلى جانب الأوضاع التي وصفها الإسرائيليون بـ"الإنسانية"، ومن ثم يأتي الحديث عن لب الصراع والتسوية السلمية.
رافق غانتس إلى رام الله للقاء عباس، منسق الأعمال في الأراضي الفلسطينية الضابط في الجيش الإسرائيلي غسان عليان، ومن طرف السلطة الفلسطينية حضر وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج. ويعد اللقاء هو الأول بشكل رسمي مع مسؤول من المستوى الحكومي الإسرائيلي منذ عام 2010، حين التقى عباس رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
ووفق ما صدر من الطرفين فقد بُحثت كيفية التعامل مع الواقع الأمني والمدني والاقتصادي في الضفة وفي غزة بما في ذلك إمكانية تحويل أموال المساعدة القطرية لموظفي حركة "حماس" عبر السلطة. واتفق غانتس وعباس على البقاء على اتصال في المسائل المختلفة التي طرحت.
هذه الزيارة جاءت بعلم مسبق لرئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت، ولا تستبعد جهات إسرائيلية أن يكون توقيتها ليس صدفة وقد جاء تزامناً مع لقاء بينيت مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
فقد حرص غانتس، بعد اللقاء مباشرة وخلال حديثه مع مراسلين عسكريين على تأكيد أن إسرائيل اليوم ليست إسرائيل قبل أشهر قليلة، فهي مستعدة لسلسلة خطوات تعزز اقتصاد السلطة الفلسطينية.
وقال غانتس، "جئت إلى اللقاء كي ابني الثقة وأحافظ على مصالح إسرائيل وعلاقاتنا المهمة مع السلطة الفلسطينية، التي أرى أنه يجب تعزيزها". وأضاف "كلما كانت السلطة الفلسطينية أقوى كانت حماس أضعف، وكلما زاد تماسك حكم السلطة، سيكون هناك مزيد من الأمن وسيتعين علينا أن نعمل بشكل أقل".
لا نية لدفع عملية سياسية
لم يتجاهل الطرفان حقيقة عدم التطرق إلى أي جانب متعلق بالتسوية السلمية ولا حتى أهمية التسريع باختراق طريق نحو تحقيقها بل سعى الإسرائيليون، عبر منصات عدة، إلى التأكيد على أن الوقت لم يحن بعد لتسوية سلمية، ولا حتى اتخاذ أية خطوات نحو تنفيذها.
فبينما كان غانتس يلخص اللقاء مع عباس، كان بينيت يؤكد على جوانب طرحت في واشنطن مرتبطة بالقضية الفلسطينية وبلقاء رام الله. فقد أوضح بأنه في الظروف السياسية الحالية لا ينوي الدفع قدماً بعملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، لكنه يصمم على القيام بخطوات اقتصادية اتجاه السلطة الفلسطينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقربون من بينيت طرحوا القضية بمختلف جوانبها من دون الاقتصار على الجانب الإسرائيلي فقالوا "تقدر السلطة الفلسطينية وحكومة بينيت – لبيد والإدارة الأميركية أنه لا يمكن في هذه المرحلة الدفع قدماً بعملية سياسية علنية جوهرية بين الطرفين، وبأنه يمكن الدفع قدماً بجزء من المبادرات". وأضاف أحد المقربين من بينيت "توجد للجميع مصلحة للحفاظ على عدم كشفها علناً. وحتى لو كان يمكن تحقيق جزء فقط من هذه الخطوات، على الأقل في المجالات المدنية، فإن هذا سيمنح للفلسطينيين إنجازات وسيحسن حياتهم اليومية".
شخصيات كبيرة في السلطة الفلسطينية نقلت للإدارة الأميركية قائمة بالمطالب السياسية التي يمكن الدفع بها قدماً حتى من دون إجراء مفاوضات علنية، فيما كانت أبرز القضايا التي يشدد عليها الطرف الإسرائيلي العمل على تسوية مكان الإقامة لآلاف الفلسطينيين ذوي العائلات ممن يسكنون سنوات طويلة في الضفة وجاءوا من الخارج أو من غزة ولا يحملون بطاقات هوية.
انتقادات المعارضة واليسار
لقد أثار لقاء غانتس مع عباس وسياسة حكومة بينيت – لبيد، بكل ما يتعلق بالعملية السياسية ومواقف أمنية أخرى، معارضة اليسار داخل إسرائيل، حيث انقسم الائتلاف بين داعم ومنتقد أما اليمين فخرج بحملة تحريض ضد الحكومة.
القيادي في حركة "ميرتس" اليسارية، موسي راز اعتبر محاولة التهرب من العملية السياسية هي خطوة خطيرة جداً "المفاوضات السياسية هي أمر جوهري وضروري ولا تقل أهمية عن القضايا التي بحثت في لقاء غانتس عباس، بل إن عدم طرح الجانب السياسي والبحث في سبيل تسوية حوله سيعرقل جهود القضايا الأخرى". ودعم بعض النواب في حزب "ميرتس"، الذي يشارك في الائتلاف الحكومي، اللقاء واعتبروا أنه خطوة نحو تحريك الجمود الحاصل بين الطرفين. وكتب وزير الصحة، نيتسان هوروفيتس، معقباً "أرحب بلقاء وزير الأمن مع رئيس السلطة الفلسطينية بعد قطيعة طويلة وضارة لسنوات مع الجيران الأقرب، حان الوقت للحوار والتعاون مع السلطة. هكذا فعلت في لقائي مع وزيرة الصحة الفلسطينية قبل أسابيع عدة، وهكذا يجب العمل في كافة المجالات، المدنية والاقتصادية والأمنية والسياسية".
من جانبه، خرج رئيس "قوة يهودية" النائب ايتمار بن غبير بحملة تحريض قائلاً، "الضغط الذي مارسه الرئيس بايدن على بينيت في لقائهما للشروع في المسيرة السياسية يبدأ بإعطاء مؤشرات. مهمة بينيت الأولى كانت إرسال وزير الأمن غانتس إلى مفاوضات مع إرهابي، والإثبات للشعب في إسرائيل بأن هذه ليست حكومة يمين، بل حكومة يسار مئة في المئة"، بحسب تعبيره.
دوافع غانتس
في أعقاب الانتقادات التي تعرض لها غانتس، خرج مقربون منه بتصريحات يؤكدون فيها أهمية هذا اللقاء ودوافعه. وتبين أن غانتس كان قد طلب اللقاء منذ أسابيع لكن بينيت رفض ذلك، وصادق على الطلب قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي فقط، وبعد أن أوضحت الإدارة الأميركية أنها تشجع مثل هذه اللقاءات.
وبحسب تقارير إسرائيلية فإن الأسباب التي دفعت غانتس إلى اللقاء تأتي على خلفية الأوضاع الأمنية، وأخرى تخص القضايا المدنية للفلسطينيين.
وبحسب هذه التقارير فإن القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل ترى أن ما يحدث في غزة لا يمكن السكوت عليه، وفي الوقت نفسه هناك تحفظ من خطوات أمنية تصعيدية فكان الاتجاه هو إضعاف "حماس" وتقوية السلطة الفلسطينية، وهذا كان غاية اللقاء. وأحد الجوانب التي ستسهم فيها إسرائيل لتقوية السلطة الفلسطينية، هو فتح مجال العمل ومنح التصاريح للعمال الفلسطينيين بشكل واسع، حيث ستسمح لأكثر من مئة ألف عامل فلسطيني من دخول إسرائيل للعمل.
الجانب الآخر لهذا اللقاء هو إقامة مشاريع مشتركة مع السلطة، كجزء من التوجه لتقويتها وتقوية أجهزة الأمن الفلسطينية. وبحسب قناعة الإسرائيليين فإن خطوة كهذه ستعزز السلطة الفلسطينية، بالتالي تضعف "حماس".