حذر مؤلفو كتب هي الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة، بمَن فيهم هيلاري مانتل وويليام بويد، من أن صناعة الكتاب في بريطانيا تواجه خطر الانهيار، إذا ما تم إجراء تغييرات "مشينة" في قواعد حقوق النشر، التي تدرسها الحكومة في الوقت الراهن، من أجل اعتمادها في مرحلة ما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
هيلاري مانتل مؤلفة كتاب "قصر الذئاب" Wolf Hall (رواية تاريخية توثق صعود شخصية نحو السلطة في عهد ملك إنجلترا هنري الثامن) والحائزة مرتين جائزة "بوكر" Booker (من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية) ترى أن المقترحات الرامية إلى التخلي عن النظام الذي تطبقه أوروبا، هي "مقلقة للغاية"، وتخاطر بتدفق فيض من واردات الكتب الرخيصة (إلى السوق البريطانية)، ومن شأنها أن تضر بسبل عيش المواهب الأدبية الصاعدة، وأن تحبط الإبداع الذي يدفع قدماً بصناعة النشر في المملكة المتحدة المقدرة بنحو 3.4 مليارات جنيه استرليني (4.7 مليارات دولار أميركي)، والتي تقدم قصصاً وأفكاراً للأفلام والتلفزيون.
وتظهر أرقام حديثة أصدرتها "جمعية الناشرين" في المملكة المتحدة Publishers’ Association، وتمكنت صحيفة "اندبندنت" من الاطلاع عليها، أن ما يصل إلى 64 في المئة من العائدات السنوية للكتب في البلاد - نحو مليارين و200 مليون جنيه استرليني (3 مليارات و36 مليون دولار) - معرضة للخطر إذا ما تم تبني نظام ما يسمى "الاستنفاد الدولي" لحقوق الملكية الفكرية (يتم بموجبه إسقاط حق صاحب براءة الاختراع في منع آخرين من استيراد منتج له مشمول بالحماية، بمجرد طرحه في سوق أي دولة، وذلك بموافقته)، مع احتمال خسارة المؤلفين والرسامين دخلاً يبلغ نحو 506 ملايين جنيه استرليني (698 مليون دولار) سنوياً، وقد تطاول الانعكاسات فقدان وظائف بعشرات الآلاف.
أما ويليام بويد مؤلف كتاب "أي قلب بشري" Any Human Heart (رواية تتناول حياة رجل إنجليزي يدعى لوغان ماونتستيوارت وُلد في عام 1906 وتُوفي في عام 1991) فقال إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يجب أن يدرك، "من بين جميع الناس" - بصفته مؤلفاً له منشورات - حجم هذا الخطر.
وأضاف: "إن سعي حكومة بريطانيا العظمى - الأمة التي يتجسد مجدها الفني في أدبها - إلى تقويض المعاهدات التي تحمي حقوق النشر، لهو أمر مشين للغاية ويفوق التصور. إن هذه المحاولة لإنكار حقوق الملكية الفكرية التي لطالما ناضلنا من أجلها، أو تدميرها، أو التقليل من شأنها، ستكون بمثابة ترخيص غير معلن للقرصنة والسرقة. إنه لعار على أي سياسي أن يدافع عن ذلك".
وزير الدولة البريطاني للأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية كواسي كوارتنغ، اعتبر خلال إطلاق مجموعة من المشاورات - من المقرر أن تُختتم يوم الثلاثاء - تتعلق باستبدال نظام حقوق الطبع والنشر الذي كانت تستخدمه المملكة المتحدة، في ظل عضويتها في الاتحاد الأوروبي، أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يتيح للمملكة المتحدة وضع نظام جديد باعتبارها "دولة مستقلة ذات سيادة".
وترى وزارة "الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية" البريطانية، في ورقة أعدتها تتناول الخيارات الأربعة المطروحة على طاولة البحث، أن مخطط "الاستنفاد الدولي" لحقوق الملكية الفكرية - على غرار ما تقوم به دول مثل نيوزيلندا - سيسمح ببيع كتب متطابقة مستوردة من الخارج في متاجر بريطانيا ومكتباتها، الأمر الذي قد يسهم في خفض الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين".
تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الراهن، يمكن للمؤلفين بيع حقوق الملكية الفكرية الإقليمية لأعمالهم، ما يفسح المجال أمام مختلف الناشرين، لجعل تلك الأعمال متاحة للبيع في أنحاء مختلفة من العالم بأسعار تناسب الأسواق المحلية.
ستيفن لوتينغا الرئيس التنفيذي لـ "جمعية الناشرين" في بريطانيا Publishers’ Association تخوف من أن التخلي عن حماية حقوق الطبع والنشر التي تجبر الناشرين على بيع الكتب حصراً في المملكة المتحدة، من شأنه أن يسمح لتجار التجزئة عبر الإنترنت بإغراق السوق بكميات مشتراة بالجملة من دول كالهند، حيث يبتاع عدد كبير من القراء باللغة الإنجليزية الكتب بثلث السعر الذي يُدفع في بريطانيا.
ووصف لاتينغا في تصريح لصحيفة "اندبندنت" المقترحات الحكومية بأنها "مثيرة للقلق"، لأنها ستجبر عدداً من دور النشر في المملكة المتحدة على التوقف عن العمل، وتنذر بعدم ظهور مؤلفين مثل هيلاري مانتلز وجي كي رولينغز في المستقبل، وتفقد في المقابل الشركات التي تعاني من ضائقة مالية، القدرة على المخاطرة في تنمية مواهب جديدة وتطويرها.
واعتبر الرئيس التنفيذي لـ "جمعية الناشرين" في بريطانيا أن "من حسن حظ هذه البلاد أن يكون لديها عدد كبير من أعظم المواهب الأدبية في العالم، التي ينتج أصحابها كتباً تمتع القراء في مختلف أنحاء العالم، وتسهم في تعليمهم. إن مثل هذه الإجراءات ستؤدي بالتأكيد إلى نشر عدد أقل من الكتب التي سينتجها عدد أقل من المؤلفين لعدد أقل من القراء".
وأوضح أن "النموذج بأكمله يعتمد على القدرة على الاستثمار في مؤلفين جدد. فنحن نتنافس إلى حد كبير في السوق الناطقة باللغة الإنجليزية على مستوى العالم، مع الكتب التي تنشرها الولايات المتحدة، والصناعة البريطانية في هذا المجال تشكل عبئاً كبيراً علينا. إننا نشعر بقلق شديد من أن هذا الاقتراح سيتسبب بدفع الأعمال الأدبية الصادرة باللغة الإنجليزية أكثر فأكثر نحو الولايات المتحدة، الأمر الذي يصعب على المؤلفين في المملكة المتحدة الوصول إلى جماهير القراء".
ونبه لوتينغا أيضاً إلى وجود ضرر غير مباشر يتجاوز سوق الكتاب بكثير، لأن "صناعة الأفلام والمسرح والتلفزيون تعتمد بشكل كبير على قطاع النشر في ما يتعلق بالإبداع، أو بالرواية القصصية. فالعدد الأكبر من الأفلام الأكثر شهرةً ومبيعاً في شبابيك التذاكر، يقف وراءه عالم الكتب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المؤلفة هيلاري مانتل تشاطر لوتينغا هذا "القلق الشديد" من التهديد الذي يتربص بالنظام الراهن لحقوق التأليف والملكية الفكرية في بريطانيا. وتقول في هذا الإطار إن "معظم الكتّاب، حتى مع وجود حماية لحقوقهم الآن، يعيشون على دخل غير مستقر. إن عملهم الإبداعي الأساسي، على الرغم من مكافأتهم عليه بصورة متواضعة، يشكل أساساً لصناعة كبرى، ويغذي حياتنا الثقافية كأمة. إن الوقت ليس مناسباً الآن لتجريدهم من هذه الحماية لسبل عيشهم".
وتضيف مانتيل أن النظام الجديد المقترح من شأنه أن "يجعل الناشرين ينأون بنفسهم عن المجازفة، ويحول دون حصولهم على أعمال جديدة"، ما سيلحق ضرراً بالمكتبات الرئيسية ويسهم في حصر الأرباح في عدد قليل من الشركات الرئيسية في هذه الصناعة عبر الإنترنت".
وأشارت إلى أن "بيع الكتب وصنعها وحماية الحقوق التي تقوم عليها هذه التجارة، هي عملية دقيقة ومعقدة، لكنها ثمينة جداً ومهمة للغاية في تعزيز مكانة المملكة ودورها الريادي في هذا القطاع".
وحضت مانتيل المشاركين في تقديم الاستشارة لوزارة الأعمال البريطانية، على "اعتماد الحذر الشديد في خطواتهم، والاستماع لنصائح أولئك الذين لا يقتصر اهتمامهم على حماية مستقبلهم فحسب، بل مستقبل جميع كتابنا وقرائنا على حد سواء".
كارول آن دافي الشاعرة السابقة الحائزة على جوائز أدبية قيمة رأت من جانبها أن فكرة اعتماد الحكومة نظام الاستنفاد الدولي لحقوق الملكية الفكرية، أصابها بذهول وبـ "خوف شديد"، محذرةً من أن ذلك قد يفضي إلى "حال من الركود الشديد، من خلال طمس أي عمل جديد في وقت نحن في أمس الحاجة إليه".
في المقابل، رأت "جمعية الناشرين" البريطانيين "أن المواهب الصغيرة والمتوسطة ستكون الأكثر عرضةً لخطر التغييرات في نظام حقوق الطبع والنشر"، لكنها أشارت أيضاً إلى أن "الضرر سيطاول جميع مفاصل هذه الصناعة التي توظف 29 ألف شخص بشكل مباشر، ونحو 70 ألفاً بشكل غير مباشر".
وقد انضم "لاعبون كبار" إلى جوقة معارضة هذا المنحى من جانب الحكومة، بحيث حذر توم ويلدون الرئيس التنفيذي لدار النشر البريطانية "بينغوين راندوم هاوس" Penguin Random House، من أن الأجواء الأدبية بالكامل ستعاني من التغيير المقترح.
وقال ويلدون: "سيجد المؤلفون أن قدرتهم على جني عائدات عادلة من أعمالهم ستكون مقوضةً للغاية، فيما ستواجه المكتبات الرئيسية، لا سيما منها المستقلة، صعوبةً في التنافس مع الأسعار العالمية". ولفت إلى أن "جميع دور النشر بما فيها دار "بنغوين"، ستكون مرغمةً على اتباع سياسة النأي بالنفس لتجنب المخاطر، ما يعني أننا سنكون أقل توسعاً وطموحاً مع الكتاب الذين نغامر من أجلهم، وأن القراء في نهاية المطاف، سيكون لديهم عدد أقل من الكتب لاكتشافها ومناقشتها والاستمتاع بها".
وإضافةً إلى ما تقدم، اعتبرت بَرميندر مان الرئيسة التنفيذية لدار نشر "بونيير بوكس المملكة المتحدة" Bonnier Books UK - التي وقعت 12 صفقةً لنشر كتب للبالغين والأطفال، وتُعد مصدراً مهماً للنشر لكبار المؤلفين، من ليندا لا بلانت إلى ويلبر سميث - أن التغيير المطروح، "يُعد أكبر تهديد تواجهه صناعة النشر منذ عقود".
وحذرت بالقول: "إننا كصناعة لا يمكننا السماح بالإقدام على مثل هذه الخطوة الانتكاسية، التي ترجعنا إلى الوراء". وأضافت: "إذا أردنا الصمود، فيتعين علينا أن نواصل نشر كتب وروايات لمؤلفين ورسامين من جميع الخلفيات، وأن نسعى دائماً إلى تقديم المزيد من المؤلفات عالية الجودة والخيارات المتنوعة للقراء والمستمعين (للكتب الصوتية) ".
واعتبرت مان أن "الكتب والقصص العظيمة يجب أن تكون متاحةً للجميع - وليس للقلة المتميزة. ولا يجوز لنا أن نقف مكتوفين ونترك الحكومة تتخذ القرار الخاطئ في هذا الشأن".
وفي ما يتعلق بموقف الحكومة البريطانية من كل ما تقدم، قال متحدث باسمها إن "المملكة المتحدة تتمتع الآن بحرية تنظيمية في اختيار نظامنا لاستنفاد حقوق الملكية الفكرية. ولهذا السبب، إننا نجري مشاورات لدرس وتقييم الخيارات التي يمكن أن تخدم مصالح المملكة المتحدة على أفضل وجه".
وخلص الناطق الرسمي إلى القول: "إن أي قرار (من الحكومة) يقضي بتغيير النظام المتبع الآن، سيستند إلى خلاصة الأدلة التي سنخرج بها من خلال المشاورات الجارية. ونحن نرحب بوجهات النظر من جميع الشركات، بما فيها دور النشر، كما نريد الوقوف على آراء منظمات المجتمع المدني والمستهلكين".
© The Independent