أقر مجلس النواب الأردني تعديلات جديدة على قانون مكافحة المخدرات، أتاحت إعفاء الأشخاص المتعاطين، للمرة الأولى، من الملاحقة القانونية، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بين الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي وتحت قبة البرلمان، وسلط الضوء على حجم تفشي المخدرات في الأردن.
وبررت اللجنة القانونية للنواب التعديل الجديد، بأن المتعاطين، للمرة الأولى، قد يكونون ضحية ظروف اجتماعية ومعيشية، ولإعطاء الفرصة للمتورطين بمراجعة حساباتهم وعدم تكرار هذه الفعلة، ووفقاً للقانون، فإن تكرار الجرم، للمرة الثانية، يوجب عقوبة السجن وتسجيل قيد للمتهمين.
وأثارت تعديلات القانون انقساماً بين نواب البرلمان الأردني، وربط البعض انتشار تعاطي المخدرات في البلاد بارتفاع نسب الفقر والبطالة، بينما ألقى آخرون باللائمة على عمليات التهريب التي تزايدت، أخيراً، عبر الحدود، بخاصة الأراضي السورية.
وطالب نواب بتكثيف الرقابة على المدارس والجامعات باعتبارها بؤرة لاستهداف تجار المخدرات، مع ضرورة تشديد العقوبات الرادعة بحيث لا تقل عن السجن 10 سنوات.
دولة عبور
تنبه الأردن لخطر انتشار المخدرات مبكراً، فتم تأسيس أول إدارة لمكافحة هذه الظاهرة عام 1973، كما تم تأسيس أول مركز لعلاج الإدمان عام 1993.
لكن الحكومة الأردنية تصر دائماً على أن المملكة دولة عبور للمخدرات، وأن الحديث عن تفشي الظاهرة أمر مبالغ فيه، خلافاً لرأي مسؤولين سابقين من بينهم المدير الأسبق لإدارة الأمن الوقائي العميد زهدي جانبيك، الذي حذر، أخيراً، من تضاعف الاتجار بالمخدرات بنسبة 300 في المئة، موضحاً أن جريمة مخدرات ترتكب كل 26 دقيقة في المملكة.
وعلى الرغم من كل حملات التوعية، فإنه لا يبدو الإقبال على العلاج من قبل المتعاطين كبيراً، إذ لا يزيد عددهم حالياً على 50 شخصاً، على الرغم من توافر 170 سريراً موزعة على ستة أجنحة في مركز تلقي العلاج التابع لمديرية مكافحة المخدرات.
جرائم مروعة
وشكل العديد من جرائم القتل المروعة التي ارتكبها متعاطون للمخدرات في الأردن، جرس إنذار لاحتواء الظاهرة الآخذة في التفشي بين الأردنيين على نحو مقلق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقبل نحو ثلاثة أعوام، أقدم شاب على قطع رأس والدته تحت تأثير جرعة زائدة من المخدرات شرق العاصمة عمان، وقبل أشهر قليلة أيضاً، فجع الشارع الأردني بجريمة أخرى مروعة راح ضحيتها أم مسنة على يد ولدها المتعاطي للمخدرات.
ووفقاً لأحدث إحصائية رسمية صدرت عام 2019، فإن جرائم المخدرات بلغت نحو ثلاثة آلاف جريمة اتجار، وأكثر من 25 ألف جريمة حيازة وتعاط للمواد المخدرة، لكن الجهات المعنية تؤكد أن ما يزيد على 95 في المئة من كميات المواد المخدرة المضبوطة كانت معدة للتهريب خارج المملكة.
ويشير الصحافي عمر محارمه إلى أن معظم الجرائم المروعة التي شهدها الأردن، أخيراً، كان سببها تعاطي المخدرات، موضحاً أن ثمة خللاً وقصوراً في التشريع حيال هذه الجريمة، ووفقاً لمحارمه، فإن 35 في المئة من الأشخاص الذين تم ضبطهم في قضايا مخدرات، يتم تكفيلهم بعد أقل من شهر على ضبطهم، ولا يقضي سوى 20 في المئة منهم مدة تزيد على العام في مراكز الإصلاح والتأهيل.
فهم مغلوط
ويؤكد المحامي هاني زاهدة أن تعاطي المخدرات جريمة ولو كان لمرة واحدة، ويضيف، "حتى لا يقع الناس بخاصة الشباب منهم ضحية للتضليل، فإن التعديل الذي أقره مجلس النواب بخصوص قانون المخدرات هو أن تعاطي المخدرات بأنواعها كافة جريمة يعاقب فاعلها، ولكن في حال أن الشخص الذي ارتكبها كان يقوم بهذا الفعل للمرة الأولى، فإن الحكم الصادر بحقه لا يسجل ضمن سوابقه الجرمية، ما يسمح له، بعد أن ينال عقوبته الرادعة، بالعودة إلى حياته من دون ملاحقته".
ويخشى زاهدة من انتشار فهم مغلوط للقانون بين الشباب، إذ يعتقدون أن بإمكانهم تجريب المخدرات، من دون أن ينالهم أي عقاب نتيجة ذلك.
في المقابل تروج آراء مغايرة لتبريرات الحكومة هذه التعديلات بوجود اكتظاظ مقلق في السجون الأردنية، وتشير التصريحات الرسمية إلى ارتفاع نسبة إشغال السجون إلى ما يزيد على 150 في المئة من طاقتها الاستيعابية.
كلفة باهظة
يشرح مستشار الطب الشرعي هاني جهشان عواقب تعاطي وإدمان المراهقين واليافعين المخدرات وكلفتها الباهظة من كل النواحي، إذ تشمل الإخفاق الأكاديمي وانخفاض مستوى التقييم والعلامات المدرسية، والتغيب المتكرر على المدرسة، والانسحاب من الأنشطة المدرسية والرياضية والنشاطات اللامنهجية، وصولاً إلى ترك الدراسة بشكل كلي، كما تؤثر على الصحة البدنية وحدوث الإعاقات والوفيات والانتحار والانخراط في ارتكاب الجرائم، إضافة للتأثير على الصحة العقلية للمتعاطين، وما يتبع ذلك من عواقب أسرية مدمرة، واقتصادية أيضاً بسبب التكلفة المرتفعة للعلاج.
ويدعو جهشان إلى تكثيف برامج التوعية بمخاطر المخدرات في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، واستهداف جذور وأسباب التعاطي والإدمان، ويشير إلى جانب مهم في مواجهة انتشار المخدرات في الأردن، وهو توسيع رقعة مراكز علاج الإدمان، مع وجود نقص حاد في عدد الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين في مجال الصحة النفسية بشكل عام، وصولاً إلى حماية المدمنين للمخدرات وإعادة تأهيلهم جسدياً ونفسياً واجتماعياً.