استيقظت العاصمة الليبية طرابلس، اليوم، على وقع الاشتباكات المسلحة بين الكتائب العسكرية المتنافسة على النفوذ في المدينة، التي تحتكر المؤسسات السيادية السياسية والاقتصادية.
وأوقعت الاشتباكات عدداً من القتلى والجرحى، واستعرضت الكتائب صور العناصر التي أسرت، بعد المعارك الطاحنة للسيطرة على معسكر في منطقة صلاح الدين.
وكانت النزاعات المسلحة بين الكتائب المتناحرة في طرابلس قد تكررت في الأسابيع الماضية، بعد أشهر من الهدوء اللافت، تلت تسلم السلطات التنفيذية الجديدة مهامها في مارس (آذار) الماضي، قبل أن تتجدد خلافات واسعة بين قادة الكتائب المسلحة، أدت إلى صدامات متكررة بينها، قبل أشهر قليلة من الموعد المحدد للانتخابات العامة، ما يضع مزيداً من التحديات أمام السلطات الليبية للالتزام بالموعد الانتخابي للاقتراع على سلطة تشريعية ورئيس جديد للبلاد.
اشتباكات عنيفة
الاشتباكات العنيفة التي وقعت في طرابلس، كان طرفاها قوتين مسلحتين، إحداهما تابعة لرئاسة الأركان بحكومة الوحدة الوطنية، والأخرى تابعة للمجلس الرئاسي.
وذكرت مصادر صحافية متطابقة وشهود عيان، أن "تبادل لإطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقع بين (قوة دعم الاستقرار) التابعة للرئاسي، و(اللواء 444 قتال) التابع لرئاسة الأركان للسيطرة على معسكر التكبالي، واحد من أكبر المعسكرات في طرابلس".
وأكد عناصر من "اللواء 444 قتال"، عبر حساباتهم على مواقع التواصل، أنهم تمكنوا من إحباط محاولة للسيطرة على معسكر التكبالي في منطقة صلاح الدين، جنوب العاصمة، من قبل عناصر تابعين لـ"قوة دعم الاستقرار" التابعة للرئاسي، كما نشروا صوراً تظهر أسرى مقيدين من عناصر تلك القوة، إضافة إلى سيارات من القوة المهاجمة.
وأوقعت الاشتباكات، بحسب مصادر طبية في العاصمة، قتيلين تابعين لقوة "444 قتال" التي تسيطر على المعسكر، وعنصر من قوة دعم الاستقرار، تابع لكتيبة "ثوار طرابلس".
تعليق رسمي
في أول تعليق من مصدر رسمي على الأحداث، طالب المجلس الرئاسي، بصفته قائداً أعلى للجيش الليبي، جميع القوات التي اشتبكت أو في حالة اشتباك، بالعاصمة طرابلس "بالتوقف الفوري، والعودة إلى مقارها، وثكناتها دون تأخير مهماً كانت الأسباب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا المجلس رئيس الأركان العامة للجيش إلى "اتخاذ الإجراءات الفورية حيال آمري القوات التي حدث بينها الاشتباك، وممارسة ما يخوله له القانون من صلاحيات تحقق السيطرة على الموقف، والإبلاغ بأي إجراء يتخذ"، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.
كما كلف المجلس المدعي العام العسكري "فتح تحقيق فوري مع آمري تلك القوات، والمتسببين في تلك الاشتباكات، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم".
وشدد البيان على "جميع الوحدات العسكرية والأمنية ضرورة الانضباط والتقيد بما يصدر من تعليمات وبلاغات تحظر التحرك إلا بإذن مسبق، وفقاً للسياق المعمول به".
وفي المقابل، أكد أمر المنطقة العسكرية طرابلس عبدالباسط بن مروان، أنه "لا علاقة لأي أجهزة أمنية داخل طرابلس بما حدث من اشتباكات"، واصفاً ما حدث داخل منطقة طرابلس العسكرية بأنه "تصحيح لمسار انحراف (اللواء 444 قتال)".
وقال ابن مروان، في مقطع فيديو، "(اللواء 444 قتال) انحرف عن مساره، ولم يعد يمتثل للأوامر العسكرية، وممثلو اللواء أصبحوا يحضرون اجتماعات غير مسموح لهم بحضورها، ولا علاقة لهم بها من الأساس"، متهماً اللواء بـ"سحب 10 ملايين دينار ليبي (2.4 مليون دولار) من حساب مصرفي، على الرغم من أنه يتبع الشعبة المالية للمنطقة العسكرية، وليس له ذمة مالية مستقلة".
من جهته، رد اللواء "444" على هذه الاتهامات قائلاً إن "عناصر مفارز الإنذار تفاجأوا بهجوم مسلحين على مقرهم"، مشيراً إلى أن "قواتهم صدت الهجوم"، مبدياً استغرابه من تصريحات آمر المنطقة العسكرية طرابلس في شأن انحراف اللواء عن مساره، مؤكداً أن "الأموال التي تحدث عنها صرفت من قبل وزارة الدفاع، وبشكل قانوني".
البعثة الأممية تطلب التهدئة
من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن "قلقها البالغ إزاء استمرار الاشتباكات المسلحة، بما في ذلك ما ورد عن استخدام لإطلاق نار عشوائي في منطقة صلاح الدين، أحد الأحياء المكتظة بالسكان في طرابلس".
ودعت البعثة إلى "الوقف الفوري للأعمال العدائية"، مناشدةً جميع الأطراف "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس"، مذكرةً إياها بـ"التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، لضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية، وتحمل مسؤولياتها في ضمان حماية المدنيين وفي ممارسة السيطرة على الوحدات التابعة لها، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك من خلال الشروع بشكل شامل ومفصل في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح قطاع الأمن، بهدف وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة".
تساؤلات حول جهاز دعم الاستقرار
أثارت الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس، الجمعة، تساؤلات عن سبب ورود اسم "جهاز دعم الاستقرار"، في أغلب الاشتباكات المسلحة والتوترات الأمنية في العاصمة خلال الأشهر الماضية.
وأنشئ الجهاز بقرار من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، قبل ترك منصبه بأيام قليلة ويتكون من عدد من الكتائب العسكرية التابعة لما يعرف بـ"كتائب ثوار طرابلس"، ويقوده القيادي المعروف عبدالغني الككلي، الشهير بـ"غنيوة"، ودخل منذ تشكيله في عديد من الصدامات مع أطراف عسكرية في الغرب الليبي، من مدينتي مصراتة وطرابلس، كان أشهرها الخلافات مع كتائب تابعة لوزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، بداية العام الحالي، واتهام الأخير لها بتدبير محاولة لاغتياله.
وتنفي قيادات الجهاز هذه الاتهامات الموجهة إليها، بمحاولة إفساد المناخ السياسي والأمني في طرابلس، في بيانات متكررة للتعليق على الأحداث التي تكون دائماً طرفاً فيها، ركزت فيها على تأكيد أن قرار تشكيلها كان يهدف إلى تنفيذ عملية إدماج المقاتلين المدنيين في وحدات عسكرية وضمهم للجيش، وأن كل الاتهامات الموجهة إليها غير صحيحة تماماً.
وكان رئيس المجلس الرئاسي السابق فايز السراج، قد أصدر قراراً باستحداث جهاز أمني تحت اسم جهاز دعم الاستقرار يتولى حماية المقار الرسمية للدولة وتعزيز حماية المسؤولين، في الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، أي قبل تسليم مهامه للسلطات الليبية الجديدة بأيام قليلة.
وكلف السراج في قراره القيادي المثير للجدل عبدالغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة" رئيساً للجهاز، فيما كلف كل من أيوب أبو رأس وحسن أبو زريبة وموسى أبو القاسم مسموس، نواباً لرئيس الجهاز، وكلهم من قيادات الكتائب غير النظامية.
وبحسب القرار، فإن "من ضمن مهام الجهاز المشاركة في تنفيذ العمليات القتالية، بما في ذلك عمليات الاقتحام والمداهمة والملاحقة الأمنية، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة، وتنفيذ القرارات القانونية، مثل المشاركة في عمليات القبض وملاحقة المطلوبين في القضايا التي تهدد الأمن القومي للدولة".