عادت الأطراف في ليبيا لاستخدام النفط ورقة في صراعها ومناكافاتها السياسية، التي احتدت في الآونة الأخيرة، مع توسع دائرة المتدخلين في الأزمة المشتعلة منذ أسابيع بين وزير النفط محمد عون ورئيس المؤسسة الوطنية مصطفى صنع الله، التي دفعت الوزير لإصدار قرار بإقالة الرجل الأقوى في قطاع الطاقة الليبي في السنوات الأخيرة، الذي رفض صنع الله الامتثال له.
ومع فشل كل المحاولات للإصلاح بين عون وصنع الله، التي كان أبرزها محاولة رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، بدأت الأزمة تأخذ منحنيات جديدة بتدخل أطراف برلمانية وجهوية فيها، وعودة الحديث عن إقفال محتمل للحقول النفطية إذا لم تحل الأزمة في وقت قريب.
خلافات صغيرة تشعل الأزمة
وكانت الأزمة بين وزير النفط ورئيس المؤسسة الوطنية تشتعل على نار هادئة منذ عدة أشهر، بعيداً من الأضواء، بسبب خلافات الرجلين حول قرارات إدارية متضاربة صدرت عنهما، واحتجاج كل طرف على عدم قانونية قرارات الطرف الثاني، قبل أن تنفجر الأزمة علناً بمطالبة وزير النفط والغاز، محمد عون، رئيس الحكومة، بإصدار قرار عاجل يسمي رئيساً جديداً لمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، خلفاً لصنع الله، منتصف الشهر الماضي.
وقال عون في خطابه للحكومة إن "مجلس الإدارة الحالي، برئاسة صنع الله، شكل بصورة مخالفة للقانون والتشريعات المنظمة لأعمال المؤسسة، ما يستوجب تدخل الحكومة لتدارك الأمر وتصحيح الأوضاع".
بعدها بأيام قليلة، اتخذ الوزير قراراً بوقف رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط من العمل وإحالته إلى التحقيق الإداري، وذلك على خلفية سفره إلى خارج البلاد من دون الحصول على موافقة الوزير المختص، وقيامه بمنع وعرقلة تكليف عضو مجلس إدارة المؤسسة جاد الله العوكلي بمهام رئيس المجلس المكلف من قبل الوزير، وإصراره على إدارة شؤون المؤسسة من خارج البلاد، وفق كتاب وجهه عون إلى صنع الله.
وكلف عون بموجب القرار عضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، جاد الله العوكلي، مهام رئيس مجلس إدارة المؤسسة المكلَّف إلى حين إشعار آخر، و أخطر رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية بإيقاف صنع الله من العمل وإحالته للتحقيق اعتباراً من 28 أغسطس (آب) الماضي.
من جانبه، رفض صنع الله الامتثال لقرار الوزير، قائلاً صراحة في تصريحات له إنه "غير قادر على تنفيذ قرار إقالته"، ورد الوزير بتوجيه اتهامات خطيرة لرئيس مؤسسة النفط، قال فيها إن "صنع الله لا يتعاون مع وزارة النفط والغاز مستقوياً بالدعم من سفارتي أميركا وبريطانيا"، مشدداً على "حقه في طلب تغيير صنع الله ومجلس إدارته لأن هذا شأن داخلي وعمل سيادي ولا يجب الخضوع معه لأي ضغوط".
صنع الله يفند تهم الوزير
ورد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط على المسوغات الواردة في قرار وزير النفط والغاز بإقالته وإحالته إلى لجنة التحقيق، معتبراً أن "ادعاءات الأخير مضللة وناتجة من عداء شخصيٍ منذ عام 2011، مستشهداً بالمخاصمات والدعاوى القضائية التي رفعها عون ضد المؤسسة وقياداتها وخسرها"، بحسب صنع الله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف رئيس مؤسسة النفط، في كلمة بثت على الموقع الرسمي للمؤسسة، أن "مجلس إدارة المؤسسة جسم شرعي يدير مؤسسة راسخة تجاوز عمرها 53 عاماً"، مبدياً استغرابه من وجود وزارة للنفط والغاز، التي تحولت إلى "معول هدم وعرقلة لعمل المؤسسة"، متهماً وزير النفط بـ"محاولة هز المركز القانوني والمالي المستقر للمؤسسة، التي وقفت على مسافة واحدة من الجميع وصمدت في وجه التحديات".
ودعا صنع الله وزير النفط إلى "تحكيم لغة العقل والعمل مع المؤسسة التي تعاني من تقادم الحقول المنتجة ونقص قطع الغيار وعدم وجود تمويل كاف، في ظل عدم اعتماد الموازنة، الأمر الذي يهدد الإنتاج الذي انخفض بواقع 40 ألف برميل، ليسجل مليوناً و260 ألف برميل يومياً".
تدخل رئيس الوزراء
بعد فشل كل محاولات التقريب بين وزارة النفط وإدارة المؤسسة الوطنية، اضطر رئيس حكومة الوحدة الوطنية للتدخل لحل الخلاف، موجهاً دعوة للطرفين لعقد اجتماع في مقر رئاسة الوزراء، لـ "متابعة العمل في الوزارة والمؤسسات التابعة لها والتعرف إلى الصعوبات والمشكلات التي تواجهها في أداء مهماتها بالشكل المطلوب".
ويبدو أن رئيس الحكومة سينتهج التهدئة في تدخله بالخلاف الدائر في قطاع الطاقة بين وزارة النفط والمؤسسة التابعة لها، بحسب تصريح أطلقه قبل أيام في حوار صحافي، قال فيه إنه "لم يدرس بعد اقتراح وزير النفط والغاز، محمد عون، حول تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط برئاسة مصطفى صنع الله"، موضحاً أنها "ستكون هناك بعض التغييرات، لكن ليس بالشكل الذي طلبه الوزير"، ما يعني أنه لن يوافق على قرار إقالة رئيس المؤسسة النفطية الوطنية.
الأزمة تصل للبرلمان
الخلاف الدائر بين المؤسسات المشرفة على قطاع الطاقة، الرافد الرئيس لاقتصاد البلاد لم يبق في طرابلس وحدها طويلاً، بعد أن وصل إلى أروقة البرلمان الليبي في طبرق، وأثار حالة من الاصطفاف بين بعض النواب خلف وزير النفط أو مدير المؤسسة الوطنية.
وأعلن رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب، عيسى العريبي، دعمه لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط في خلافه مع وزير النفط والغاز.
ورأى العريبي في بيان له، أن "مكاتبات وزير النفط والغاز إلى المؤسسة الوطنية للنفط لا طائل من ورائها إلا إرباك المشهد وعرقلة العمل الداخلي للمؤسسة الوطنية للنفط، الذي قد يؤدي إلى تدني أو توقف الإنتاج، ومن ثم توقف تصدير النفط".
ودعا العريبي "رئيس الوزراء للتدخل الفوري وإيقاف (العبث) الذي لن يؤدي إلا لتأزم الموقف أكثر، وعواقف وخيمة على هذا القطاع الحيوي".
وتبرأ عضو مجلس النواب ولجنة الطاقة، علي التكبالي، من بيان رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب، الذي دعم رئيس المؤسسة النفطية في صراعه مع وزارة النفط، في اليوم التالي لصدوره، قائلاً إن "الرسالة التي صدرت عن لجنة الطاقة بمجلس النواب والموقع عليها النائب، عيسى العريبي، ربما تكون مزورة، وأتبرأ أنا منها شخصياً لسببين، أن عيسى العريبي ليس رئيس اللجنة وأنه لا علم لي باجتماع كامل النصاب للجنتنا، ونحن لا نصوت ضد رغبة الشعب الليبي لأغراض خاصة".
أما عضو مجلس النواب عن دائرة خليج السدرة، أحد أهم المراكز النفطية في ليبيا، إدريس المغربي، فاعتبر أن "مصطفى صنع الله ينتحل منذ سنوات صفة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، لأن قرار تكليفه غير قانوني ولم يصدر عن رئاسة الوزراء".
وأضاف "هذه المؤسسة ونجاحها غير مرتبط بشخص حتى يخرج علينا صنع الله عندما تطالب الجهات الرسمية بتصحيح الوضع القانوني للمؤسسة بدور البطل المنقذ لهذا القطاع".