عاد الحديث مجدداً في الجزائر حول ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات، بعد إعلان الرئيس عبد المجيد تبون عن موعد إجراء المحليات المبكرة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وفي حين تحركت أحزاب استعداداً للموعد، لم تبد المعارضة أي تجاوب.
على الرغم من المشكلات الداخلية التي تؤرق الجزائريين والخارجية التي تستفزهم وتثيرهم، إلا أن الطبقة السياسية التفتت إلى الاستحقاق المقبل الذي تراهن عليه الحكومة لرفع المشاركة السياسية والشعبية لتجاوز "الانتكاسات" السابقة، حيث استنفرت قواعدها وضبطت عقارب ساعتها.
وجاءت تصريحات رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، خلال ندوة صحافية، لتؤكد الحركية التي أثارتها الانتخابات المحلية والاهتمام الذي توليه الأحزاب السياسية للاستحقاق، إذ كشف أن التحضيرات للانتخابات المحلية تعرف حركية كبيرة، لا سيما ما تعلق بسحب استمارات اكتتاب التوقيعات للمترشحين التي بلغت حتى الآن 1327 قائمة حزبية، و8 مستقلة بالنسبة إلى المجالس الشعبية البلدية، و5 بالنسبة إلى المجالس الشعبية الولائية.
أحزاب سياسية تستنفر قواعدها
وفي السياق، أكد الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الطيب زيتوني، أن حزبه سيخوض غمار الانتخابات المحلية المقررة في 27 نوفمبر المقبل، لأجل تأكيد مكانته الريادية في الساحة السياسية والإسهام في استكمال مسار البناء المؤسساتي في الجزائر، معرباً عن أمله في أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة فرصة لترسيخ التمثيل الشعبي في المجالس البلدية والولائية المنتخبة، وأن تتميز بنفس درجة الوعي الذي تحلى به غالبية المشاركين في الانتخابات التشريعية الماضية مع تجاوز وتدارك الهفوات التي سجلت في الاستحقاقات الأخيرة، ودعا مناضلي الحزب إلى التحضير الجيد للموعد الانتخابي المقبل.
كما اعتبر حزب "جبهة التحرير الوطني"، أن الانتخابات المحلية ستسمح باستكمال مسار التمثيل الديمقراطي في المؤسسات المنتخبة في إطار الأحكام المضمنة في دستور 2020 ، مؤكداً "جاهزيته للمشاركة في هذه الانتخابات التي تجسد إرادة المواطن في تسيير شؤونه المحلية"، داعياً كل الفعاليات السياسية إلى جعل هذه الانتخابات مناسبة مواتية لخوض منافسة حرة وشريفة والتصدي الحازم لكل أنواع الإخلال بضوابطها وسيرها الحسن، مع التشديد على الإعداد الجيد لممارسة الشعب لسيادته في كنف قوة القانون، وفي جو لا مكان فيه لزرع الريبة والبلبلة، وشدد على أهمية دور الناخبين والناخبات في إعطاء الشرعية والمصداقية للمجالس المحلية من خلال إقبال جماعي على مكاتب الاقتراع.
من جانبه، أبرز حزب "حركة البناء الوطني" أن التحضيرات الخاصة بالاستحقاقات المحلية المقبلة تسير على قدم وساق، مشيراً إلى أن الظرف الصحي خلط الأوراق وأجندة الحزب، لا سيما ما يتعلق بتنظيم تجمعات على المستوى المحلي، وكشف عن لقاءات، تحضيراً لهذا الموعد السياسي المهم.
وفي الشأن ذاته، أكد رئيس حزب "حركة الإصلاح الوطني"، فيلالي غويني، أن تجديد المجالس الشعبية البلدية والولائية من شأنه ترميم الثقة بين المواطن وممثليه ويصحح الاختلالات المسجلة في المجالس المحلية خلال السنوات الأخيرة، مضيفاً أن المسار لن يتوقف عند المحليات، فهناك محطات أخرى للإصلاحات الكبرى التي ستعكف على علاج مختلف الاختلالات في الملفين الاقتصادي والاجتماعي التي وجب توسيع المشاركة فيها إلى جميع الفاعلين في المجتمع.
المعارضة غائبة... لكن مشاركتها واردة
وأمام هذه الحركية، تبقى أحزاب المعارضة بعيدة من المشهد الانتخابي، مكتفية ببيانات مناسباتية تنتقد تسيير السلطة لمختلف المشكلات التي يعاني منها المواطن من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وغياب مياه الشرب وتفشي البطالة وغيرها، الأمر الذي فتح المجال للتساؤل حول مشاركة المعارضة من عدمها في الاستحقاق المحلي المقبل.
إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد القادر عبد العالي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الانتخابات المحلية محطة سياسية للأحزاب التي حققت أهدافها من التمثيل البرلماني لتحسين تواجدها المحلي، كما أنها فرصة للأحزاب "الصغيرة " لإثبات حضورها الميداني، مشيراً إلى أن مقاطعة المعارضة لهذه المحطة الانتخابية باتت تكلف سياسياً وشعبياً، لذا تسعى أحزاب المعارضة السياسية بمختلف توجهاتها خصوصاً التي تمتلك معاقل انتخابية مستقرة، إلى عدم تفويت هذه المحطة، وعليه فمن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في المحليات مرتفعة مقارنة مع الاستحقاقات السابقة، ونظراً أيضاً لوجود شريحة من المواطنين لها اهتمامات أكثر بالشأن المحلي.
ويتابع عبد العالي، أن رفع نسبة المشاركة يتوقف على سياق الحملة الانتخابية وطريقة أدائها، مشدداً أنه من المعتاد أن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية أعلى قليلاً من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لأن منطق المنافسة يتحول إلى رهانات محلية وتوظيف الولاءات أكثر منها منافسة سياسية.
تعبئة سياسية وشعبية
وبهدف تعبئة سياسية وشعبية إيجابية، أكدت السلطة المستقلة للانتخابات أنها تعمل على توفير جميع الوسائل لضمان شفافية ونزاهة الاقتراع وتمكين المواطن من ممارسة حقه بكل سيادة وحرية، ودعت كافة الفاعلين في العملية الانتخابية إلى توعية المواطنين بأهمية الإدلاء بأصواتهم في هذا الاقتراع من أجل استكمال البناء المؤسساتي، مضيفة أنه سيتم لأول مرة، خلال الحملة الانتخابية، تسجيل مداخلات المترشحين في الإذاعة والتلفزيون على مستوى المحافظات التي ينتمون إليها، وهذا لتفادي عناء التنقل إلى الجزائر العاصمة.
وتخص الانتخابات المقررة في 27 نوفمبر المقبل، تجديد مجالس 58 محافظة، إضافة إلى 1541 بلدية.
في السياق ذاته، يشير أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، إلى أن المحليات المقبلة ستكون حلبة تنافس كبيرة بين مختلف الأحزاب السياسية التي تستهدف تحريك التنمية في مختلف مناطق البلاد، ولا شك أن الأحزاب المعارضة سوف تتراجع عن عدم المشاركة لعدة اعتبارات سياسية، وشدد أن نسبة المشاركة في المحليات المقبلة سوف تكون نسبها حقيقية، وسوف تظهر بالنسبة إلى الرأي العام بأنها متدنية مقارنة مع أرقام النظام السابق، حيث التزوير وتضخيم النسب كانا من أولويات البقاء في السلطة آنذاك.