"الغطاء المعدني لعلب السردين، وسكين على شكل منشار، ثم السماح لي بالعمل في مكان غسل الملابس، وإرادة قوية، وصبر طويل"، هذه هي تجربة الأسير الفلسطيني السابق هلال جرادات في حفر نفق تحت سجن "شطة" الإسرائيلي القريب من مدينة بيسان شمال القدس.
جرادات، هو أسير محرر يسكن قطاع غزة، أُفرج عنه ضمن صفقة "شاليط" 2011، وكان محكوماً بالسجن المؤبد (أي 99 سنة)، لقيامه بقتل ثلاثة إسرائيليين، وأثناء فترة اعتقاله، حاول الهرب أربع مرات كانت إحداها عبر نفق تمكن من حفره في سجن "شطة" عام 1998.
كيف يمكن حفر نفق؟
بناء على تجربته عن إمكان حفر نفق داخل السجون الإسرائيلية، يقول جرادات إن المعتقل، منذ وضع الأصفاد في يده، يبدأ في التفكير بطرق للتخلص منها، ولكن لا توجد تجربة تعمم على كل محاولات الهروب، إنما هناك قواسم مشتركة بين عمليات الفرار.
وبحسب جرادات، فإن فكرة حفر نفق تعد أكثر الطرق تعقيداً كونها تحتاج إلى معدات وفترة زمنية طويلة، موضحاً أن أي قطعة معدنية يحصل عليها الأسير تكون نقطة انطلاق للفكرة، فالصحن أو الملعقة أو أغطية المعلبات، كلها وسائل للنحت يمكن من خلالها أن تنضج فكرة حفر نفق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار جرادات إلى أن هذه الفكرة تحتاج إلى دراسة عميقة للسجن وطبيعة السجانين، وبعدها، يحتاج صاحب الخطة إلى فريق عمل يثق به ليشكلوا معاً فرقاً إحداها لإشغال السجان ومراقبة تحركاته، وأخرى لبدء الحفر، موضحاً أن "عملية الحفر وتكسير الخرسانة بحاجة إلى استغلال الفرص، إذ عادة ما تكون خلال الحفلات التي تقام في السجن، أو مع وجود ضجيج أو أصوات عالية سواء لأشخاص أو لموسيقى".
أكبر عمليه هروب
أما عن تجربته في الهرب، فيقول جرادات إنه كان يعمل في غسل ملابس السجناء، وهو مكان بعيد عن زنازين السجناء، وهناك وجد حماماً مهجوراً وقريباً جداً من السور الخارجي للسجن، واتخذه مكاناً لفتحة النفق، وبناء عليه، قام بتجميع أغطية معلبات السردين، وبالخفاء، أحضرها وبدأ بواسطتها شق فراغات بين بلاط الأرضية، واستمر على هذه الحال نحو شهرين، حينها تمكن من رفع بلاطتين بطول 60 سنتيمتراً.
وبناء على طبيعة عمله خارج الزنازين، كان جرادات يذهب إلى مكب النفايات حيث وجد مسامير عدة ساعدته في تفتيت طبقة الإسمنت الموجودة في الأرض ليصل بعدها إلى الرمال، وأشار إلى أنه كان يذوب التراب بالماء، ويسكبه في مياه الصرف الصحي، وعند انتهاء العمل يخفي المعدات في الحمام المهجور ثم يغادر إلى زنزانته.
وبعد عمل استغرق معه عامين، تمكن جرادات من حفر نفق ينزل تحت الأرض مترين، وبطول 23 متراً، موضحاً أنه خطط لأكبر عملية هروب تشمل 66 أسيراً، لكن، تمكن أربعة فقط من الفرار خارج أسوار السجن.
"الهروب الكبير"
أما الأسير المحرر عماد الصفطاوي، الذي تمكن من الهرب من سجن غزة المركزي خلال فترة احتلال إسرائيل القطاع، فيقول عن الأدوات التي يحتاجها الأسير لحفر نفق، إنه "يمكن تطويع مروحة التهوية المتوفرة داخل الغرف، فهي تحتوي على عمود من حديد يمكن الاستعانة به، كما يمكن استخدام جسم موتور المروحة كأداة طرق، وأيضاً قص جزء من باب الغرفة، للحصول على قطعة حديد لصنع مجرفة منها".
وليست الأنفاق فقط الوسيلة الوحيدة للهروب من الزنازين الإسرائيلية، بل هناك طرق عدة، كان أغربها ما حصل في عملية "الهروب الكبير" من سجن غزة المركزي عام 1987، وكان حينها يخضع للسيطرة الإسرائيلية.
ويشرح الصفطاوي طريقة "الهروب الكبير" كما يطلق عليها قائلاً، "حصل برفقة أسرى آخرين على هدية كانت عبارة عن نصف منشار حديد في رغيف خبز، وقاموا بواسطته في قص القضبان المعدنية التي تغطي شباك حمام الزنزانة، وفي فترة أعياد اليهود، تم الهروب من هذه النافذة التي قمنا في قصها خلال 17 يوماً".
أبرز العمليات الناجحة
وفي محاولات أخرى للهروب، انتحل الأسير المحرر ياسر صالح شخصية سجين مقرر الإفراج عنه، فلبس ملابسه وخرج على هذا الأساس، لكن الجنود ضبطوه، ويقول إنه حاول مرة أخرى الهروب من خلال الخروج مع أهله الذين قاموا بزيارته، لكن بواب السجن تمكن من رصده أثناء المحاولة، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أنه هرب فعلاً من سجن النقب الصحراوي عام 1995، إذ تمكن من قص أسلاك السياج الخارجي للسجن بواسطة مقص أظافر، وخرج حراً لمدة سبع ساعات بعدها تم إلقاء القبض عليه.
وسجل أرشيف الهروب من سجون إسرائيل كثيراً من المحاولات الناجحة أبرزها، من سجن عتليت عام 1938، حينها تمكن الأسير عيسى البطاط من الفرار، ثم عام 1964 نجح حمزة يونس في الهرب ثلاث مرات من سجن عسقلان، وفي عام 1990 هرب عمر النايف من مستشفى بيت لحم أثناء تلقيه العلاج فيه، وفي عام 2003 تمكن ثلاثة أسرى من الهرب من سجن عوفر عبر نفق طوله 15 متراً حفروه خلال 17 يوماً فقط.