لم يكن الصراع بين حركتي "فتح" و"حماس" بعيداً عن تعاملهما مع قضية فرار ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي، الاثنين الماضي، إذ انعكس الخلاف بينهما على تلك القضية التي تشغل الرأي العام الفلسطيني، ويعتبرها حساسة كالمسجد الأقصى. ومع أن الحركتين تعتبران فرارهم "ضربة مهينة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وانتصاراً تاريخياً للأسرى، حتى وإن أعات إسرائيل اعتقالهم"، إلا أن مقاربتهما للتعامل مع ملف الأسرى تبقى متباينة.
فالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يتزعم حركة "فتح" طالب وزارة الخارجية الفلسطينية، "بالتحرك الفوري تجاه وزارات الخارجية، ومراكز صنع القرار، والرأي العام ورموز ومؤسسات، لفضح العدوان الإسرائيلي على الأسرى الأبطال في السجون، كجزء من سياسة العقوبات الجماعية المتواصلة بحقهم وبعقلية انتقامية على خلفية نجاح ستة من بينهم في نيل حريتهم".
في المقابل، أعلنت حركة "حماس" على لسان المتحدث باسم جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، أبو عبيدة، بأن "أبطال نفق الحرية سيخرجون مرفوعي الرأس، وبأن قرار قيادة القسام بأن صفقة التبادل القادمة لن تتم إلا بتحريرهم". وتعهد لهم "بتحريرهم من فوق الأرض، بعد تمكنوا من التحرر من تحتها". وأوضح أن "إعادة اعتقال أبطال عملية نفق الحرية لا تحجب حقيقة عملهم المشرف، ولن تخفي حجم الخزي والعار الذي لحق بالمؤسسة الأمنية الصهيونية وبالكيان برُمّته، ولن تعيد ترميم صورة الفشل المريع الذي مُني به هذا العدو ومؤسساته".
ومنذ عدة أشهر تجري حركة "حماس"، بوساطة مصرية، مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل على صفقة لتبادل جنود، بالإضافة إلى جثامين محتجزين لدى الحركة، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى من سجون تل أبيب.
وتأسر الحركة منذ عام 2014 أربعة إسرائيليين، بينهم جنديان، في حين دخل الآخران إلى غزة في ظروف غير واضحة. وكان الطرفان قد توصلا قبل عشر سنوات إلى صفقة تبادل، أفرجت بموجبها حركة "حماس" عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بعد احتجازه خمس سنوات، مقابل إطلاق تل أبيب سراح 1027 أسير فلسطينياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر نائب رئيس حركة "فتح"، محمود العالول، أن الأسرى الفلسطينيين "ضحّوا بحريتهم من أجل شعبهم"، مشيراً إلى أن "الأسرى الستة حققوا إرادتهم بالتحرر، وهزوا هيبة المؤسسة الأمنية الإسرائيلي، وأعادوا اهتمام العالم لقضيتهم". وأوضح أن "حركة (فتح) تتحرك في قضية الأسرى، وفق استراتيجية تقوم على تحريض الفلسطينيين على الخروج نصرة للأسرى، بالإضافة إلى حشد تأييد الرأي العام الدولي، والمؤسسات الحقوقية الدولية للضغط على إسرائيل للإفراج عنهم".
وطلبت وزارة الخارجية الفلسطينية من جميع سفراء دولة فلسطين "العمل الفوري على فضح انتهاكات دولة الاحتلال وأذرعها المختلفة بما فيها مصلحة إدارة السجون بحق الأسرى الأبطال، التي ترتقي لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يحاسب عليها القانون الدولي، وحشد أوسع إدانة دولية لانتهاكات وجرائم الاحتلال بحق الأسرى".
وذكر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أن "حركتي (حماس) و(فتح) لهما نهج مختلف في التعامل مع هذه القضية"، مضيفاً، أن "(حماس) تعمل على تحرير الأسرى مقابل إفراجها عن جنود إسرائيليين، في حين تدق السلطة الفلسطينية أبواب المجتمع الدولي لكي يضغط على إسرائيل للإفراج عن الأسرى".
وأضاف عوكل، أن "السلطة الفلسطينية فشلت تاريخياً في الإفراج عن الأسرى عبر المفاوضات والاتقاقات مع إسرائيل، لكن حركات المقاومة، بما فيها حركتا (حماس) و(فتح) تمكنتا من إبرام صفقات تبادل خلال العقود الماضية". ومع أن عوكل أشار إلى "التزام السلطة الفلسطينية بقضية الأسرى"، لكنه أوضح أن "نهجها لن يؤدي إلا أي نتيجة".
بدوره، قال رئيس معهد إيميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، عصام مخول، إن إسرائيل مع "رفضها إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، فإنها تعمل على حل القضية الفلسطينية في قطاع غزة بعد تكريس فصله عن الضفة الغربية". وأوضح أن "إسرائيل تعمل على حركة (حماس) قوية بما فيها الكفاية للحفاظ على الانقسام، في حين تريد أن تبقى السلطة الفلسطينية ضعيفة إلى حد لا يمكنها من استعادة الوحدة الوطنية".