من دون سابق إشارة، حل وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، يوم الثلاثاء 14 سبتمبر(أيلول) في الجزائر، في زيارة لم ترشح تفاصيل كثيرة عنها، على الرغم من التصريحات الدبلوماسية "الروتينية" التي يتم تسريبها، لتبقى الأهداف الحقيقة للزيارة محل تأويلات مختلف الجهات في الداخل والخارج.
مستويات عالية من التفاهم
تتجه العلاقات الجزائرية - السعودية لبلوغ مستويات عالية من التفاهم، خاصة منذ زيارة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى السعودية في أول جولة له خارج بلاده، بعد فوزه بالرئاسة، وهي الزيارة التي أسالت كثيراً من الحبر في حينها، من عديد من الأطراف، لا سيما التي كانت تصنف في خانة "الخصوم"، والتي لم تمنع تقوية الاتصالات عبر تبادل زيارات المسؤولين وتبادل المكالمات الهاتفية، وبلغ الانسجام حد إرسال مساعدات سعودية تضامناً مع الجزائر، بعد أن أتت الحرائق على الأخضر واليابس.
متانة دبلوماسية وضعف تجاري
وجاءت زيارة الأمير فيصل بن فرحان، لتؤكد متانة العلاقات بين البلدين، خاصة السياسية والدبلوماسية، أمام حجم التبادل التجاري الضعيف الذي بلغ أكثر من نصف مليار دولار في 2020، على الرغم من الإمكانات المتوفرة، حيث أبرز وزير الخارجية السعودي في تصريحات عقب استقباله من قبل الرئيس تبون، أن بلاده حريصة على استمرار التنسيق والتشاور فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجزائر والسعودية، أبرزها العمل العربي المشترك، إلى جانب تنسيق المواقف فيما يخص منظمة "أوبك"، ودعم تشجيع التبادل التجاري بين البلدين الذي "تطور بشكل لافت خلال السنة الأخيرة".
وأضاف الوزير السعودي، أنه نقل إلى الرئيس تبون رسالة شفوية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تتعلق بالعلاقات بين البلدين، مستعرضاً "التميز والتطور الحاصلين في هذه العلاقات على مختلف المستويات، وهو ما عبرت عنه بوضوح زيارة ولي العهد إلى الجزائر، وتلبية الرئيس عبدالمجيد تبون دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز لزيارة المملكة عام 2020".
من جانبها، قال رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان، "استقبل رئيس الجمهورية، عبدالمجيد تبون، اليوم، وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الذي نقل له رسالة من أخيه الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين". وأضاف البيان أن تبون أكد تجذّر العلاقات الثنائية ومتانتها والسعي لتعزيزها بما يخدم المصالح العليا للبلدين.
عودة إلى محيط عربي أكثر تماسكاً
تعليقاً على الزيارة، يقول مدير مركز الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، حسني عبيدي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن السعودية تعتبر الجزائر دولة محورية في العالم العربي، تتقاسم معها وجهات النظر حول عدة ملفات سياسية واقتصادية، كما تعتبر زيارة تبون اعترافاً بدور الرياض الريادي، مضيفاً أن "الرياض تسعى لإقناع الجزائر بأن القمة العربية لن تكتمل إلا بعودة العلاقات مع الرباط، وهو ملف من أولويات السياسة الخارجية السعودية، لأن ولي العهد مهتم شخصياً بهذا الموضوع". وقال إن الجزائر بدورها لديها ضمانات تطالب بها قبل الانطلاق في مسار الوساطة الذي تعتبر السعودية مؤهلة لقيادته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل عبيدي، أن الإشارات الأخيرة القادمة من واشنطن غير مطمئنة للرياض التي تريد إعادة بلورة سياستها الخارجية والعودة إلى محيط عربي أكثر تماسكاً، وهي مع الجزائر ومصر تعمل على عودة سوريا للجامعة العربية، كما أن الجزائر التي لديها علاقات جيدة مع إيران مرشحة لتقريب وجهات النظر بين الدولتين. وختم بأن أي وساطة ناجحة ودور عربي قوي للرياض، سيُقرأ أميركياً بأنه لا يمكن الاستغناء عن السعودية.
استرجاع الدور الإقليمي
من جانبها، تعتبر أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، نجوى عابر، أن العلاقات الجزائرية - السعودية مرت بعدّة محطات، وتأرجحت بين التوافق والتحالف الاستراتيجي في عهد الملك فيصل، وهي المحطة التي رسمت منعطفاً حاسماً في العلاقات الدولية، وتحديداً علاقة الولايات المتحدة والغرب بالعالم العربي والإسلامي، إلا أن البرودة والتباعد وسما العلاقات، بسبب اختلاف الرؤى السياسية في عدة ملفات، أهمها العراقي واليمني السوري، وأيضاً في ما تعلق بتصنيف "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية، ومع ذلك حافظت العلاقات بين البلدين على زخمها واعتدالها، مضيفة أن زيارة وزير الخارجية السعودي تأتي كذلك ضمن مساعي المملكة في التخفيف من حدة توتر العلاقات الجزائرية - المغربية.
تقارب وتضامن
ودعت السعودية كأول دولة عربية، الجزائر والمغرب، إلى تغليب الحوار والحلول الدبلوماسية لإيجاد حلول للمسائل الخلافية بما يسهم في فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين، وقالت وزارة الخارجية السعودية تعقيباً على إعلان الجزائر قطع العلاقات مع الرباط، "تعبر وزارة الخارجية عن أسف حكومة السعودية لما آلت إليه تطورات العلاقات بين الأشقاء في كل من المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية". وأبرزت أن "حكومة المملكة تعرب عن أملها في عودة العلاقات بين البلدين في أسرع وقت ممكن، بما يعود بالنفع على شعبيهما، ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة، ويعزز العمل العربي المشترك".
كما لم تتوقف المساعدات السعودية خلال اندلاع الحرائق في الجزائر، والتي خلّفت خسائر بشرية ومادية ضخمة، سواء من خلال المُواساة عبر التواصل الهاتفي والبيانات أو التضامن عبر الجسر الجوي الذي حمل مواد غذائية وطبية ومستلزمات وآلات ضرورية لمواجهة الحرائق والتكفل بالسكان، وهي الخطوة التي قالت بشأنها رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، إنها تعد بمثابة رسالة قوية تعبر عن مدى متانة العلاقات التاريخية والأخوية بين الشعبين الجزائري والسعودي، وعبرت عن شكرها لمركز الملك سلمان للإغاثة على "الالتفاتة الطيبة النابعة من القيم الأصيلة للشعب السعودي الشقيق".
كما أكد القائم بالأعمال بالنيابة لسفارة السعودية في الجزائر، أحمد بن فريح الحارثي، أن هذه المساعدات تجسد العلاقات القوية والأخوية بين الجزائر والسعودية، وقد وجهها الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الجزائر للتخفيف من الآثار الناجمة عن حرائق الغابات.