تتحرك الدبلوماسية الليبية بشكل مضاعف باتجاه الجزائر، فبعد زيارات رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، جاء الدور على نائب رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني، الذي كان شاهداً على إعلان الجزائر إعادة فتح سفارتها في طرابلس واستئناف الرحلات الجوية مع ليبيا.
قرار يثير الاهتمام وتصريحات مطمئنة
وأخذ القرار الجزائري حيزاً مهماً من الاهتمام المحلي في البلدين، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، ما دفع إلى التساؤل حول أسباب الخطوة وما وراءها، وعلى الرغم من أن نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي "سرّب" بعض الرسائل التي فهمتها جهات على أنها سياسية مطمئنة جاءت للتغطية على حقيقة ما يجري على مستوى خط (طرابلس – الجزائر)، غير أن متابعين شددوا على أن الأمر يتعلق بـ"صراع" مع لاعبين أساسيين في ليبيا حول موضوع إعادة الإعمار.
وأشار موسى الكوني، في تصريح عقب استقباله من طرف الرئيس تبون، إلى أهمية الجزائر كونها الأخ الأكبر في المنطقة والبلد الذي "يجب أن نتشاور معه بشكل مستمر وننسق معه في كل الشؤون المتعلقة بليبيا والمنطقة سواء كانت أفريقية أو مغاربية أو متوسطية". موضحاً أن زيارته الجزائر تهدف إلى "التشاور ومناقشة مع الرئيس تبون مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك ابتداءً من الحدود إلى دول الجوار، وكذا الخاصة بدول جوار جنوب ليبيا، كتشاد والنيجر والسودان، وكيفية التعاون معها لتوفير الأمن للحدود المشتركة"، واعتبر أن هذه الخطوات مهمة جداً للشعبين من أجل "التكامل الاقتصادي والتواصل الاجتماعي".
كما أبرز الكوني، عقب وصوله إلى الجزائر، أن هدف زيارته هو إطلاع الرئيس تبون، بمجريات ما حدث في زياراته إلى دول جوار جنوب ليبيا، وقال "نحن في زيارات متتالية إلى الجزائر من أجل التواصل والمشورة للإحاطة بما يجري في ليبيا وأيضاً بعلاقاتنا بدول الجوار بخاصة بعد زيارتي دول جوار جنوب ليبيا"، لأن الرئيس تبون، "مهتم بكل تفاصيل الشأن الليبي"، مضيفاً أن "هناك مستجدات كثيرة لا بد من إطلاعه عليها وأن نتشاور ونتحادث بشأنها".
استدراك ومقدمة رمزية
في السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الوهاب حفيان، لـ"اندبندنت عربية"، "أن الجزائر بهذه الخطوة بدأت تدرك أن الغياب لا يحل المشاكل، ولا بد من فتح آفاق جديدة للتعامل مع الوضع الليبي بكل تعقيداته، ما يوحي بأن الدبلوماسية اتعظت من تكلفة وعثرات الانسحاب الذي حصل منذ 2012"، موضحاً "أن القرار يهدف بالأساس إلى دعم موقف المجلس الرئاسي داخلياً في الاستحقاقات المقبلة باعتبار أنه جاء نتيجة الجهود الدبلوماسية للطرف الليبي، كما أنه اعتراف ضمني بشراكة توجهاته مع الرؤية الجزائرية حول الملف الليبي".
يواصل حفيان "أن الخطوة تعتبر مقدمة رمزية لدور جزائري يمكن أن يكون أكبر وفعالاً إذا توفر شرط الوفاق الليبي ومغادرة القوات الأجنبية بخاصة غير النظامية"، موضحاً "أن الصراع بين الأطراف الليبية لا يخدم العملية السياسية، ويرهن مستقبل البلاد ويرمي بها في خانة الفشل وخارج التنافس الدولي، لذلك يصر الجميع على أن التوافق الداخلي شرط نجاح كل مبادرة خارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر ليس جديداً
في المقابل، يرى الباحث في الشؤون المغاربية سعيد هادف، في تصريح خاص، "أن الأمر ليس جديداً، فعلى مدى السنوات الخمس السابقة، والجزائر تعلن كل مرة استئناف تمثيليتها الدبلوماسية مع ليبيا، حدث ذلك منذ 2016 مع وزير الخارجية السابق عبد القادر مساهل، حين أعلن فتح السفارة الجزائرية بطرابلس في أقرب وقت ممكن، وتكرر هذا الإعلان مراراً، لكن لا شيء تحقق على أرض الواقع". مضيفاً، "أن بلداناً عديدة فتحت سفاراتها وقنصلياتها في ليبيا، ومن المفترض أن تكون الجزائر ضمن الأوائل كونها بلداً جاراً، لكن في جميع الأحوال فإن فتح الحدود بين البلدين والتبادل الدبلوماسي سيأخذ مجراه الطبيعي بين الطرفين حالما يكون هناك توافق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وختم أن الخطوة تصبح مهمة إذا فُتحت السفارة".
مجاملة في الجزائر وصفقات في القاهرة
وفي وقت كان نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، "يجامل" الجزائر، تنقل رئيس الحكومة الانتقالية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى القاهرة، حيث حظي باستقبال من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وجمعته لقاءات مع عدد من المسؤولين المصريين، التي لم تخلُ من تصريحات الثناء المتبادل بين الطرفين، لكن تبعتها "صفقات" اقتصادية لافتة، إذ تم التوقيع على 14 مذكرة تعاون في مجالات اقتصادية مختلفة، إضافة إلى ستة عقود لتنفيذ مشاريع ليبية.
وقال الناطق باسم الحكومة المصرية نادر سعيد، "إن إحدى المذكرات تنص على إنشاء لجنة تجارية مشتركة، إضافة إلى مذكرات للتعاون في المجالات الصناعية، والزراعية، والحجر الزراعي، والشؤون الاجتماعية، وأمن الطيران، وكذا مكافحة التلوث البحري، والبحث والإنقاذ البحري، والإسكان والتشييد، والشباب والرياضة، والنفط والغاز". مضيفاً "بخصوص العقود الستة، فإن أبرزها مشروع الطريق الدائري الثالث بمدينة طرابلس، وبناء محطتين للغاز في مليتة بشمال غرب، ودرنة بشمال شرق، وصيانة طريق (أجدابيا- جالو) في منطقة الواحات شرقي البلاد". وشدد على أنه "يتطلع إلى ترجمة اتفاقات التعاون التي تم توقيعها اليوم إلى واقع ملموس ومشروعات يتم تنفيذها على الأرض".
صراع خفي حول إعادة الإعمار
وفي خضم المشهد الخارجي الليبي الذي تنشطه تحركات المسؤولين على مختلف المستويات، وأمام التفاوت في نتائج الزيارات إلى مصر والجزائر، يظهر جلياً وفق المتابعين أن الأمر يتعلق بـ"صراع" حول "كعكة" إعادة الإعمار.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، في تصريح لنا، "أن القرار هو دعم الجزائر المطلق حكومة الوحدة الوطنية من خلال تعزيز وجودها على الأرض وفك العزلة عن العاصمة طرابلس، وكذلك مؤشر على أن الأوضاع تسير في الاتجاه الصحيح نحو الاستقرار، وتجسيداً لمخرجات اجتماع دول الجوار بالجزائر". مضيفاً، "أن فتح السفارة ستتبعه خطوة أخرى، بفتح قنصلية في غدامس ومعها المعبر الحدودي التجاري الدبداب غدامس، استعداداً للانتقال إلى الهدف الثاني وهو المساهمة في إعمار ليبيا، ومساعدة الليبيين على بناء مؤسساتهم الدستورية".
ويواصل كاهي، "أن هناك قراءة ثانية للقرار ولو بأقل تركيز، وهو أن فتح السفارة يأتي كرد فعل على اجتماع جماعة بنغازي بالرئيس المصري، وإمضاء العديد من اتفاقات إعادة الإعمار"، مبرزاً "أن إعادة فتح السفارة قد تدخل ضمن استراتيجيات إعادة التمركز، على اعتبار أن الرئيس تبون أكد أكثر من مرة أن طرابلس خط أحمر، وختم أن الصراع انتقل من المعارك إلى عقود الإعمار، وفتح السفارة سيكون خطوة أساسية لتعزيز حضور الجزائر".
خطوات سابقة فاشلة
وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في 27 يناير (كانون الثاني) 2021، إعادة فتح سفارة بلادها في العاصمة الليبية طرابلس خلال أيام، بعد سبع سنوات من الإغلاق وإجلاء طاقمها إثر تهديدات أمنية، جاء ذلك في بيان رسمي للوزارة في ختام زيارة للوزير صبري بوقادوم، لطرابلس، لكن لا شيء حدث وبقي القرار مجرد قرار وفقط. يذكر أنه في مايو (أيار) 2014، أجلت الجزائر طاقم سفارتها من ليبيا على جناح السرعة، بعد ورود معلومات عن محاولة جماعات إرهابية اقتحامها.