حظي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بجنازة رسمية خلت من مراسم "النظرة الأخيرة" في قصر الشعب بالعاصمة الجزائرية، بخلاف الرؤساء الستة الذين سبقوه إلى حكم البلاد، إذ سار خلفهم الشعب في مواكب جابت الشوارع.
وبحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وأفراد من عائلته، دُفن بوتفليقة، الأحد 19 سبتمبر (أيلول) الحالي، في مقبرة "العالية" بالعاصمة حيث يرقد جميع أسلافه، إلى جانب شخصيات كبيرة وقادة وشهداء الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1956-1962).
وشوهدت عربة عسكرية تنقل جثمان الراحل من مقر إقامته في منطقة زرالدة غرب العاصمة، إلى "مقبرة العالية" شرقها، وسط تعزيزات أمنية طوقت المكان، بينما حضر عشرات المواطنين إلى المقبرة للترحم على بوتفليقة، حاملين صوره بعدما أُلغيت مراسم "النظرة الأخيرة" التي كانت مقررة في قصر الشعب.
إذ وعلى الرغم من الانتقادات التي طاولت بوتفليقة طيلة عهداته الأربع إلا أن جزائريين يستحضرون دوماً مجهوده في إطفاء نار الفتنة في البلاد وعودة الاستقرار بعد العشرية السوداء التي عرفت خلالها الجزائر أوضاعاً أمنية صعبة، إضافة إلى إقراره قانونَي الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وتحسين مستوى العيش بشكل طفيف، وتوزيع شقق سكنية اجتماعية على مدار فترة حكمه على العائلات المعوزة ومتوسطة الدخل.
رخصة استثنائية لسعيد بوتفليقة
ساعات قبل دفنه، سمح القضاء الجزائري بخروج شقيق بوتفليقة الأصغر سعيد من السجن لتمكينه من إلقاء النظرة الأخيرة على أخيه الرئيس السابق، في مقر الإقامة الرئاسية في زرالدة، من دون المشاركة في تشييع الجنازة.
وشغل سعيد بوتفليقة، منصب مستشار خاص للرئيس السابق منذ عام 1999 حتى استقالته في 2 أبريل (نيسان) 2019، وهو موجود حالياً في سجن الحراش وذلك منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، إذ يُلاحَق في قضايا جنائية تتعلق باستغلال النفوذ والتدخل لدى القضاة، بعد أن تمت تبرئته من قبل المحكمة العسكرية في البليدة بتهمة التآمر على سلطة الدولة والجيش في استئناف هذه القضية بداية عام 2020.
وبرز اسم سعيد مع تعرّض شقيقه لجلطة دماغية في أبريل 2013، فاتُهم بأنه الرئيس الفعلي الذي كان يسيّر دفة الحكم من خلف الستار، وهي الفترة التي عرفت تغوّل رجال الأعمال والمال وبروز طبقة "أوليغارشية" سيطرت على مقدرات البلد، كما تقول المعارضة.
لعمامرة يكسر القاعدة
وبينما وصف مراقبون الموقف الرسمي بـ"المحتشم" تجاه جنازة الرئيس السابق، نظراً إلى مراسمها، وبسبب الغضب الشعبي الذي واجهه بوتفليقة في السنتين الأخيرتين من حكمه، كسر وزير الخارجية رمطان لعمامرة الصمت إزاء وفاة بوتفليقة، فترحّم عليه في تغريدة له على موقع "تويتر"، قائلاً إن "الأقدار شاءت أن توافيه المنية مع افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتذكرنا بدوره المهم ونجاحاته الدبلوماسية". وأضاف وزير الخارجية الذي عمل في المنصب ذاته إبان حكم الرئيس السابق، أن بوتفليقة أصبح جزءًا من تاريخ شعبه والمجموعة الدولية، مقدماً تعازيه الخالصة لأهله وذويه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تنكيس الأعلام الوطنية لمدة 3 أيام حداداً على بوتفليقة، في وقت لم تحظى الجنازة باهتمام إعلامي بالغ سواء من جانب القنوات الحكومية أو الخاصة، التي اكتفت بنقل الخبر من دون الخوض في مسار الرجل ومحطاته.
على الجهة المقابلة، تلقّت الرئاسة الجزائرية برقيات عدة من زعماء عرب وسفارات الدول في الجزائر، إذ بعثت السعودية وقطر والإمارات والبحرين والمغرب وتونس رسائل تعزية إلى الرئيس تبون، في حين نشرت السفارتين الأميركية والصينية عبارات تعزية للجزائريين في وفاة بوتفليقة على صفحتيهما على "فيسبوك".
صمت حزبي
سياسياً، لم تنشر غالبية الأحزاب في الجزائر بيانات نعي، حتى تلك التي دعمت برنامج بوتفليقة على مدار 20 عاماً من حكمه، وساندت ترشحه لعهدة رئاسية خامسة، قبل أن تتنكر له بمجرد خروج مسيرات مناوئة له.
وتوقع مراقبون أن تصدر أحزاب مثل "جبهة التحرير الوطني" (الحزب الشرفي لبوتفليقة سابقاً)، إضافة إلى "التجمع الوطني الديمقراطي" و"تجمع أمل الجزائر" و"الحركة الشعبية الوطنية"، برقيات تعزية وإشادة بمسار بوتفليقة السياسي لكنها التزمت الصمت بسبب التخوف من الموقف الشعبي على ما يبدو، وحسابات الانتخابية المقبلة، إذ ستنظم الجزائر قريباً استحقاقات المجالس المحلية (ولائية وبلدية).
في المقابل، دعا رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، المسؤولين في السلطة إلى أخذ العبرة، قائلاً "على الحكام أن يدركوا أنهم مهما قهروا الناس بسلطانهم وقوتهم ومالهم وأعوانهم والمتزلفين لهم، فإنهم لن يقهروا الموت. إن الموت مدركهم، ولو كانوا في بروج مشيدة، ستأتي اللحظة التي يزول فيها كل شيء، فيا ويح مَن أدركه الموت من الحكام وقد ظلم، وغش وكذب وزور، ومنع حقوق العباد، أو نهب أو فرط في ثروات البلاد، أو بدّد الفرص والأوقات والمقدرات والكفايات. يأتي الناس يوم القيامة والحساب بينهم آحاد، ويأتي الحكام وحساب الناس عليهم أمم وشعوب وجماعات".
كذلك نشر المستشار السابق للرئيس الراحل هواري بومدين، وزير الثقافة في عهد بوتفليقة، محيي الدين عميمور، تغريدة جاء فيها "سيُكتب الكثير عن بوتفليقة، لكنني أتوقع أن تكون هناك أيضاً كتابات متجنية وتصفية لحسابات وتعبير عن خلفيات، ومن هنا أنصح القارئ المهتم بأن يحرص على تعدّد مصادره، وأن يبذل جهداً للمقارنة بين الشهادات لاعتماد أكثرها مصداقية، وسيكون من بين ما يُمكّنه من ذلك أن يتعرف إلى شخصية الشاهد وإلى مدى استفادته من عطايا الرئيس السابق أو حرمانه إياها، وأن يتساءل عن موقفه منه في مراحل حياته المختلفة".