بدأت الحكومة العراقية بإجراءات تنفيذ قانون الضمان الصحي في العراق، والذي أقره مجلس النواب في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ليكون أول قانون بهذا الخصوص ينظم تقديم الخدمات الصحية للمواطنين أسوة بغالبية دول العالم.
ومنذ تشكيل الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي وصدور عدد من القوانين الخاصة بعمل القطاع الطبي وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين، إلا أنها لم تتضمن تشريع قانون واضحاً للضمان الصحي للمواطنين، يحدد آلية التعامل مع الحالات المرضية سواء الاعتيادية أو الطارئة.
بحيث تخضع المراجعات إلى المستشفيات العامة أو الأهلية وعيادات الأطباء الخاصة لضوابط واضحة، تضمن تقديم الخدمات الصحية بشكل متطور، فضلاً عن أن تراجع الخدمات في المستشفيات العامة جعل أغلب المواطنين يتوجهون إلى القطاع الصحي الخاص.
وعلى الرغم من أن القانون كان يجب أن يدخل حيز التنفيذ في فبراير (شباط) الماضي بحسب ما ورد فيه، إلا أن العمل بإجراءات تنفيذه لم تحصل إلا في أغسطس (آب) الماضي، والتي تتضمن تشكيل هيئة للضمان الصحي ووضع ضوابط لتنفيذه.
تشكيل هيئة الضمان الصحي
وقال الوكيل الإداري للوزارة توفيق وليد في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، "إن الوزارة قامت بتأسيس هيئة الضمان الصحي وفيها مجلس إدارة مسؤول عن تنظيم عملها برئاسة وزير الصحة وأعضاء من الوزارات المعنية مثل المالية والعمل والتخطيط، وممثلون عن النقابات يحضرون اجتماعات مجلس الهيئة"، مبيناً أن هذه الهيئة كان يجب أن تكون نافذة من الأول من أغسطس الماضي، علماً أنه تم عقد أول اجتماع لمجلس الإدارة وتم إقرار الخطة المستقبلية.
وبحسب قانون الضمان الصحي الجديد، فإنه سيتم استيفاء مبالغ من الدرجات الخاصة بنسبة 2.5 في المئة واستيفاء نسبة 1 في المئة من الراتب الكلي لموظفي الدولة الآخرين ومن يقابلهم في القطاع الخاص.
كما ينص القانون على شمول بعض الشرائح مجاناً بالضمان الصحي، وهم أحد الزوجين غير الموظف وأبناء الموظف حتى 21 سنة والمستمرون بالدراسة منهم لغاية 24 سنة، والبنات العازبات والنساء المطلقات والأرامل من غير الموظفات.
وتقدم الخدمات المجانية بموجب القانون الجديد لكل من مرضى السرطان والمصابين بالأمراض النفسية والعقلية وأمراض الدم الوراثية وعجز الكلى والتخلّف الذهني وأصحاب الاحتياجات الخاصة من الأجهزة الأمنية بأصنافها كافة، والذكور غير الموظفين ممن تجاوزت أعمارهم 60 سنة، والإناث غير الموظفات ممن تجاوزت أعمارهن 55 سنة والأطفال دون سن الخامسة.
المرحلة الأول تشمل 3 ملايين عراقي
وكشف نقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي أن القانون سيشمل في مرحلته الأولى ثلاثة ملايين عراقي خلال الأشهر الستة المقبلة، مشيراً إلى وجود مشكلات تواجه تطبيق القانون.
ويضيف العزاوي "أن قانون الضمان الصحي في العراق يجب تطبيقه على الرغم من وجود بعض النواقص في النظام الصحي"، لافتاً إلى وجود فوائد كبيرة من تطبيق نظام الضمان لأنه سيعمل لتأسيس نظام صحي عراقي.
وشدد نقيب الأطباء العراقيين على ضرورة تلبية بعض المستلزمات مثل الكوادر الطبية، التي هي غير كافية والحوكمة الإلكترونية والمؤسسات الصحية، بالتالي توفير كل هذه المستلزمات يحتاج إلى وقت.
100 ألف دينار سنوياً
وأوضح العزاوي أن الدولة ستسهم في الضمان الصحي وهي أفضل من شركات التأمين، التي تستوفي ما يقارب 1000 دولار بالسنة أو أقل من ذلك بقليل، موكداً أن 10 في المئة من هذا المبلغ سيدفعه المواطن لصندوق التأمين، وهو قد لا يتجاوز 100 ألف دينار سنوياً أي ما يعادل 68 دولاراً أميركياً.
وتابع أن الضمان الصحي سيكون على مراحل، الأولى تطبق على كبار الموظفين ويتم استقطاع الأموال بحسب حجم رواتبهم، ومن ثم شمول جميع الفئات ومن ضمنهم من هم تحت خط الفقر أو الذي لديه أمراض مزمنة والأطفال، مشيراً إلى أن الخدمة الصحية المقدمة ستكون من خلال التعاقد مع المستشفيات الحكومية والأهلية وكذلك مع أطباء، ويتم إصدار بطاقة صحية إلكترونية فيها رمز سري وذات مستوى أمان عالٍ.
صعوبات ومخاوف
وكشف العزاوي عن أبرز الصعوبات التي تواجه نظام الضمان الصحي هو "تخلف" هذا النظام في العراق سواء في القطاعين العام والخاص، ما يصعب تقديم خدمة صحية جيدة و"هي مشكلة نعاني منها فضلاً عن الحاجة إلى حملة توعية على أهمية الضمان الصحي"، لافتاً إلى أن "القانون يتضمن إنشاء صندوق توضع فيه أموال المشتركين بالنظام ونتخوف من أن تطالها أيدي الفاسدين".
ويؤكد وجود قلة في أعداد الأطباء والمستشفيات التي ستقدم الخدمة الصحية، كاشفاً أن الخطة تتضمن تطوير النظام الصحي خلال 5 إلى 10 سنوات.
ومنذ فرض العقوبات الاقتصادية على العراق في أغسطس عام 1990، إثر غزوه الكويت، تراجعت خدمة المستشفيات الحكومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعرضت المستشفيات العراقية إلى مشكلات كبيرة بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، تمثلت بنهب معداتها وتدخّل الأحزاب والجماعات المسلحة في اختيار الكادر الإداري الذي يعمل فيها، إلى حد الإشراف على تعيين عمال الخدمة وفق محاصصة حزبية، ما جعلها تشهد فوضى إدارية وتراجعاً كبيراً في الخدمات التي تقدمها.
وعلى الرغم من تخصيص أموال طائلة طوال الأعوام الماضية لتحسين الخدمات المقدمة في المستشفيات الحكومية، إلا أنها لم تشهد تطوراً واضحاً في عملها من ناحية المباني أو زيادة عدد الأسرّة لاستقبال المرضى، ما جعلها عاجزة عن التعامل مع الضغط الكبير عليها، نتيجة ارتفاع عدد سكان العراق بنحو أكثر من الضعف، منذ تم إنشاء هذه المستشفيات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
مراحل متعددة
ويبين العزاوي أن تطبيق القانون سيكون من ثلاث إلى أربع مراحل، الأخيرة منه هو تطبيقه على جميع المواطنين وبداية تطبيقه ستكون على كبار الموظفين القادرين على الدفع، ليشمل ثلاثة ملايين عراقي على مدى ستة أشهر من تاريخ البدء بتطبيقه في الأول من أغسطس الماضي.
ويتضمن القانون في مراحله الأولى تسجيل الموظفين إلزامياً لشمولهم بالضمان الصحي والثانية يتم تسجيل المواطنين اختيارياً.
نقلة في تاريخ الطب العراقي
بدوره أشاد نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي بنظام الضمان الصحي المقرر تطبيقه في العراق، معتبراً أنه سيكون نقلة في تاريخ الطب بالعراق.
وأضاف أن "الأدوية ستكون مسعرة وفق تسعيرة تضعها الوزارة، والمواطن سيدفع ما نسبته 20 في المئة من قيمة الوصفة والباقي يدفع من قبل صندوق الضمان"، لافتاً إلى "أن الأدوية ستكون خاضعة للفحوصات، والصيدلي سيقدم كشفاً شهرياً لصندوق الضمان عن الأدوية التي بيعت وفق النظام الجديد".
30 مليون شخص
وتابع الهيتي "الطبيب الذي لا ينتمي لهذا النظام سيخسر مراجعيه ليذهبوا لغيره يعمل بموجب النظام الجديد"، مبيناً "أن المواطنين الذين سيشملون في المرحلة الأولى هم موظفو الدولة والمتقاعدون والمشمولون بشبكة الحماية الاجتماعية، ويبلغ عددهم ما يقارب 6 ملايين شخص، وهؤلاء مسؤولون عن عوائل ليكون المجموع الكلي ما يقارب 30 مليون مواطن.
10 ملايين في السنة الأولى
وأضاف الهيتي أن النظام المعتمد سيكون شيئاً جديداً في تاريخ الطب بالعراق، سيطبق على مراحل وسيجلب النفع للعراقيين، ونتوقع أن يشمل 10 ملايين شخص في السنة الأولى من تطبيقه.