لا حديث يعلو في ليبيا هذه الأيام على حديث السياسة والانتخابات، إلا الحديث عن منحة الزواج، التي قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، منحها لفئة من الشباب ممن تأخرت سن زواجهم، بين معدد لمساوئها ومُثنٍ عليها، ومتوجس من دوافعها يرى أنها دعاية انتخابية على حساب الدولة.
ووصل الجدل حول منحة الزواج الحكومية إلى أبواب القضاء العالي، حيث حذر المجلس الأعلى للقضاء، من نتائج هذه الخطوة "غير المدروسة "، قائلاً إنها "ستزيد من معدلات الطلاق في المجتمع"، بسبب تسرع الشباب في البحث عن زوجة، لجني المنحة المُغرية، قبل فوات الأوان.
منحة زواج وقروض سكنية
وكان دبيبة قد أعلن عن تخصيص مبلغ مليار دينار ليبي (223 مليون دولار تقريباً) لدعم الشباب المقبلين على الزواج، ومليار و700 مليون دينار (379 مليون دولارتقريباً)، على شكل قروض سكنية تمنح للشباب، لمواجهة ما وصفه بـ"عزوف الشباب عن الزواج، وتوفير فرص العمل لهم، وتقليل نسب البطالة".
وأوضح رئيس الحكومة خلال مشاركته في احتفالية اليوم العالمي للشباب، بمدينة الخمس، شرق طرابلس، أن "50 ألف شاب وشابة سيحصلون على منحة الزواج كدفعة أولى، بشرط أن يقدم الشاب ما يثبت إقباله على الزواج، للحصول على الدعم المخصص".
كما أعلن دبيبة "تأسيس المجالس المحلية للشباب تعزيزاً لمشاركتهم في الحياة العامة"، معتبراً أن "الشباب شركاء أساسيون في رسم السياسات وتوقع المستقبل، وتوجيه دفة التغيير الاجتماعي في ليبيا"، ومشدداً على "استعداد الحكومة لتبني المبادرات والمشاريع الإبداعية الشبابية".
وتستهدف المنحة 50 ألفاً من الشباب والشابات، ممن يعقدون قرانهم في الفترة من 12 أغسطس (آب) حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بقيمة 40 ألف دينار (نحو 9 آلاف دولار) لكل زيجة، مناصفة بين الشاب والفتاة.
تسليم أول الصكوك
وفي الوقت الذي شكك فيه كثيرون في جدية الحكومة في تنفيذ وعودها بتقديم منحة مجانية للمقبلين على الزواج، فاجأ دبيبة الجميع بسرعة تنفيذ القرار بعدها بأيام قليلة، بعد أن سلم عدداً من صكوك منحة الزواج لمجموعة من المتقدمين للحصول عليها.
ولم يكتفِ دبيبة بسرعة تنفيذ القرار، التي أثارت استغراب كثيرين، بل أعلن أيضاً إضافة نصف مليار دينار آخر (111 مليون دولار تقريباً)، لدعم صندوق منحة الزواج.
شروط الحصول على المنحة
وقال رئيس صندوق دعم الزواج، خالد بوجناح، إن "الصندوق شرع في تسليم صكوك منح الزواج وفق المنظومة وترتيب المسجلين فيها".
وبين في تصريحات صحافية، أن "القيمة المرصودة لمبادرة دعم الزواج تكفي 25 ألف شاب و25 ألف شابة، وأن من يحق له الاستفادة من منحة الزواج، الشاب في زواجه الأول، والشابة في زواجها الأول، أو الثاني إن كانت أرملة أو مطلقة".
وأشار إلى أن "المبادرة تستهدف الليبيين فقط، ولا يستفيد منها الليبي المتزوج من أجنبية أو الليبية المتزوجة من أجنبي".
ونوه رئيس صندوق دعم الزواج بأن من هم في سن الزواج لا يتجاوزون 20 ألفاً سنوياً، وفق منظومة مصلحة الأحوال المدنية"، معتبراً أن " العدد المستهدف يعد مناسباً".
تحذير من القضاء الأعلى
ومنذ إعلان الحكومة الموحدة قرار صرف منحة الزواج، وتنفيذه بسرعة لافتة، والجدل لا يتوقف في ليبيا حول نتائج هذه الخطوة المفاجئة في توقيتها، وكل ما يتعلق بها من تفاصيل، بدايةً من سرعة تنفيذ القرار.
ووصل النقاش إلى أعلى الدوائر القضائية في ليبيا، المجلس الأعلى للقضاء، الذي قال رئيسه، محمد الحافي، إن "قرار حكومة الوحدة الوطنية بتخصيص مليار دينار لمصلحة صندوق دعم الزواج والإجراءات اللاحقة لتفعيله، سيترتب عليه تكدس قضايا الطلاق".
وأرجع الحافي، في خطاب موجه إلى دبيبة أسباب توقعه هذا إلى أن "الشباب سيقبلون على إبرام عقود الزواج، ليس من أجل تحقيق الأغراض التي ابتغاها الشرع الإسلامي ومقاصده، أو حتى التي أردتم الوصول اليها، بل للحصول على منحة الـ20 ألفاً المقررة لكل طرف، وهو ما سيؤدي الى آثار سلبية ناجمة عن التسرع في اتخاذ قرار الزواج، لغرض الحصول على المنحة، قبل فوات الأوان".
واقترح الحافي على الحكومة "إعداد مشروع قانون يتضمن المعطيات والأغراض التي كانت وراء إصدار القرار، بحيث يكون للشباب الذين يبرمون عقود زواج حق ثابت متى أبرموا عقد الزواج، وأن تخصص موازنة سنوية للصندوق لتغطية بند التشجيع على الزواج، وهو ما سيعود بآثاره الإيجابية المتوخاة من هذه المنحة التشجيعية".
خيار الحياة ونبذ الحروب
من جهته، رحّب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، ببدء صرف صكوك منحة دعم الزواج لمستحقيها، قائلاً، "نرجو أن تحقق هذه الخطوة ما نصبو إليه من إبعاد الشباب عن تجار الحروب، والاستفادة من طاقتهم الكبيرة في بناء وتقدم الوطن".
وتابع، "أشد على يد الحكومة، والحكومات المقبلة، لأجل استكمال المشروع الوطني لتوفير السكن، وفرص العمل لجميع الشباب، حتى نستوفي مُتطلبات الحياة لأبنائنا، وننقل شبابنا من حالة الفراغ والاستغلال إلى البذل والعطاء، ونمضي ببلادنا من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار".
انتقاد لآلية التنفيذ
وأبدت عضو مجلس النواب، أسماء الخوجة، اعتراضها على آلية تنفيذ القرار، من قبل رئيس الحكومة، معتبرةً أن "منح مثل هذا المبلغ للشاب المقبل على الزواج، دون وجود مسكن ودون توفير مصدر دخل ثابت، يضع الأسرة في صعوبات جمة، وبخاصة في ظل غلاء أسعار إيجارات المساكن في المدن الرئيسة، وغيرها من المدن الليبية".
وأضافت، "كان من الأجدر صرف هذه المبالغ في مشروعات صغرى للشباب لتأمين الحياة الكريمة، أو صرفها كدفعة أولى لمشاريع إسكانية في المدن الليبية أسوة بالدول المجاورة"، مشددةً على أن "الشباب الليبي الذين أنهكتهم الحروب يستحقون أكثر من ذلك".
ولمحت الخوجة إلى أن قرار دبيبة يحمل رائحة الدعاية الانتخابية المبكرة وكسب أصوات الشباب، "القرار لم يكن مدروساً أبداً، وهدفه كسب أصواتهم وتعاطفهم، وبخاصة أنه جاء ارتجالياً ومفاجئاً، ولم يخضع للدراسة من قبل مؤسسات الدولة، كوزارة التخطيط مثلاً".
رشى ودعاية انتخابية
صندوق دعم الزواج الذي أطلقته الحكومة، هو مدخل آخر للفساد، بحسب رأي الكاتب والباحث السياسي محمد الجارح، معللاً اعتقاده هذا بأن "هذه الأموال ستصرف خارج الموازنة العامة ودون أي رقابة عليها"، معتبراً ذلك (رشوة) تهدف للمحافظة على كرسي السلطة، بعد فشل الحكومة في معالجة الملفات الرئيسة المناطة بها".
أما الصحافي، محمد عرابي، ففسر السرعة المفاجئة التي تم بها تنفيذ القرار المفاجئ، بـ"تخصيص صندوق لدعم الشباب المقبلين على الزواج، في وقت تنتظر فيه البلاد كلها حل مشاكل أقدم وأهم، مثل انقطاع الكهرباء، وشح السيولة النقدية في المصارف، ما هو إلا (دعاية انتخابية مدفوعة من خزانة الدولة)".